أخبارخدماتمجتمع الزراعةمحاصيلمقالات

الدكتور محمد المليجى يكتب : رحلة الى داخل ثمار التين

كنت اليوم في مزرعة منزلية لصديق عزيز يهوي الزراعة وينفق الكثير من دخله على زراعة نباتات مصرية بحته وكانه يتمنى ان يعيش مصر في امريكا. يهتم كثيرا بزراعة التين رغم ان التين لا تجود زراعته في نيوجرسي وخاصة في الشمال منها حيث نقيم. أحضر شتلات تين من كل بلد زارها، من مصر وتركيا وكازخستان وباكستان وولايات امريكا الجنوبية والغربيه ولذلك لديه اكثر من عشر أصناف من التين. بعضها اثمر وبعضها لم يثمر وهناك تفاوت شديد بين المثمر منها في نضج الثمار وحجمها وعددها ويسألني عن السبب في ذلك.

شرحت في منشور سابق الاسبوع الماضي تركيب ثمار التين وحاجة بعض الاصناف الى الملقحات حتى تتكون الثمار الجميلة التى نأكلها وتحدثت عن دبابير التين وان كل صنف قد يحتاج الى نوع معين من الدبابير او يثمر دون الحاجة للتلقيح الحشري. ذكرت ذلك لصديقي فأصابته الدهشة وهو الذي يظن ان كله تين وكله يثمر ولكن هذا غير صحيح بالمرة.

حتي يقتنع صديقي بان ثمرة التين عالم بحد ذاته كان لا بد ان آخذه ليري بنفسه هذا العالم المهول داخل الثمار المعلقة على أشجاره منها من اشرف على النضج ومنها من أبي وظل غضا فتيا لا يتغير لونه ولا يبشر بالنضج.

فكرت في ان ننكمش حتى حجم رأس دبوس لنقوم بزيارة داخل ثمرة غير ناضجة واخري شبه ناضجة لنطلع على ما بداخلها ونعرف سبب الاختلاف بينهما ولكنها تبدوا مغامرة محفوفة بالمخاطر خاصة اذا دخلنا ثمرة التين من الفتحة الضيقة المتاحة بطرفها في وقت عمل الملكة في تلقيح الازهار فقد تكون شرسة للغاية فتلتهمنا بلا تردد او اذا دخلنا في وقت خروج جيوش الملكات الجدد بعد فقس البيض في الثمرة واثناء عمل الذكور في الخنادق المؤدية الى الفتحة وكأنهم يحفرون قناة السويس وحينها سنسحق تحت اقدام الملكات الجدد او تمزقنا مخالب الذكور.

قلت لصديقي دعنا نفكر بعقلانية لننجوا وسآخذك معي الى المختبر وأمارس عليك دور الاستاذ في درس للتشريح لعلك تقتنع بما اخبرتك به بأن عالم التين معقد للغاية. لم يكن معي سوي سكين صغير وتليفون مزود بكاميرا لتسجيل وقائع الزيارة داخل ثمرة التين.

بشق الثمار الى نصفين تكشفت كل المكونات الداخلية للثمار وكان الفارق واضح وجلي بين ثمار شجرتين اثمرت كل منهما ووصلت احدهما الى نصف النضج بينما لم تنضج الاخري بالمرة. فما هي الاسباب المحتملة ؟

بالنظر الى الثمار غير الناضجة (الصورة) يكون تجويفها المبطن بالازهار غير المخصبة ابيض او كريمي اللون والتجويف شبه فارغ بينما تقف الازهار المذكرة بالقرب من الفوهة المفتوحة في انتظار الملقحات. بينما في الثمرة التى حدث فيها التخصيب تضخمت المبايض وامتلأ التجويف واصبحت نورة التين حبلي بالبذور الحمراء التى تشبه تدفق الدماء في الاجنة الجدد. مظهر الثمرة المخصبة جلى وواضح بالمقارنة بغير المخصبة.

ولكن ما سبب تخصيب ثمار وعدم تخصيب ثمار أخري خاصة انى لم اري حشرات بالمرة في الثمار في هذا الجو البارد.

هناك عدة احتمالات لتخصيب ثمار ونضجها دون الاخري وهي :
١- لكل صنف من التين ملقحات خاصة وحيث ان صديقي جلب التين من مناطق جغرافية مختلفة فلا توجد ملقحات لكل الاصناف التى جلبها في نيوجرسي.
٢- قد يكون انخفاض درجة الحرارة المبكر في منطقة نيوجرسي السبب في عدم نضج الثمار في الاساس لبعض الاصناف دون الاخري رغم وجود الملقحات
٣- بعض الاصناف تتكاثر بكريا ولا تحتاج ملقحات في الاساس وهذه الافضل في الابقاء عليها خاصة اذا كانت تتحمل درجة حرارة المنطقة ولهذا لا بد من التعرف على صفات الاصناف قبل الحكم عليها.
٤- ربما تكون بعض الاصناف تثمر متأخرة في وقت اختفت فيه الملقحات المطلوبة بسبب انخفاض درجة الحرارة.
٥- اكثر من خمس اسباب اخري يطول شرحها

الخلاصة من هذه الرحلة التشريحية الى داخل ثمار التين ان الزراعة ليست عملية سهلة بالمرة وحل هذه المشكلة البسيطة قد يحتاج عمل بحثي يكفي لثلاث درجات علمية من الماجستير الى الدكتوراه لكي نجيب على اسئلة صديقي وهي
– اي صنف تين يصلح للمنطقة من حيث الجودة والانتاج والاكثار
-متى يزرع وما هي الظروف اللازمة لزراعته من تربة وري
-ثم لماذا يزرع محصول قبل دراسة الطلب عليه وحساب اقتصاديات انتاجه

ما ذكر عن التين ينطبق على اي محصول آخر لان الزراعة تحتاج علم وخبرة وامكانيات


ا. د محمد المليجى استاذ علم النبات





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى