الدكتور إبراهيم درويش يكتب : داء العُجْبُ والكبر… يفقدك محبة الخلق والخالق ( نفحات الجمعة)
من ألامراض الاجتماعية المنتشرة ألآن بكثرة ..داء العُجْبُ .ويُعرَّف بأنه الكِبْر والزُّهُوُّ، واستعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان المنعم .ويعجب الانسان بنفسه ولايعجبه أحد .و تتضخم ذاته..إلى درجة تصيبة بداء الكبر والغرور ..وهو من كبائر الذنوب، وعدَّه جماعةٌ من العلماء: من الشرك المُحبِط للعمل…
علامات الشخص المصاب بداء العُجْبُ والكبر
يَعْرف العُجب في الشخص من خلال سلوكه وتصرفاته فهو شخص لايطاق لانه يتصرف بوقاحة وبعجرفة مع كل من يتعامل معه…ولايزن الكلام الذى يخرج من فمه فاذا تكلم كان وقحا ..واذا نظر أعرض برأسه ، وعبس بوجهة، ولوى عنقه وصعر .. خده.. تكبرا وتعاليا…
وردَّ الحقَّ، واحتقر الخلق. وينفرد دائماً – برأيه، ولايَسْتشِرْ العُقلاءَ والفضلاء. وتعرفه ايضا إذا غَمَزَ ولمَزَ الناس. وإذا تفاخَرَ بحسَبِه ونَسَبه. و مدح نفسه و نسي ذُنوبَه واستقلَّها. و أصرَّ على خطئه.
من وصايا لقمان لإبنه الذى سجلها القرآن فى قوله تعالى (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) أى لاتعبس بوجهك ولا تلوى رقبتك واختيار كلمة (تُصَعِّرْ) بالذات كأن الحق سبحانه يُنبِّهنا أن العجب و التكبُّر وتصعير الخدِّ داء، ومرض جسدي، وايضاالذى يُعرض عن الناس تكبّراً وتعاظما … ويعبس بوجهه للناس، تكبُّرًا عليهم وتعاظما ايضا داء ومرض خلقي ..
وكلمة (لِلنَّاسِ) تشير الى أن التعالى والتكبر ..طالما فى نفسك يمكن التغاضى عنه لكن المنهى ان تصعر خدك وتتعالى على الناس . ولا تراعى مشاعرهم ..
اسباب العُجْبُ كثيرة منها
من أسباب العُجْبُ ضعف الايمان و اليقين بالله، وقِلَّة الاستعانة بالله تعالى. والاغترار بالنعم وبالأعراض الدنيوية الزائلة المَهِينة. والجهل بحقيقة الدنياالزائلة .. والأمن من مكر الله تعالى .وكثرة المدح والإطراء عن غير حق …
عواقِبَ العُجْبُ والكبر وخِيمة كثيرة ، ومنها:
١- الهزيمة فى كل موقف مهما كانت قوتك …لايمكن للمعجب بنفسه والمتكبر على غيره ان ينتصر ابدا فى اى قضية ..واذا شئت اقرأ قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
٢- حُلولُ مَقْتِ اللهِ تعالى وسَخَطِه:
فالكبر رداء الله ..والعظمة ازاره
يقول تعالى ﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ، وَيَخْتالُ في مِشْيَتِهِ؛ إلاَّ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» صحيح – رواه أحمد.
٣– بُغْضُ الناسِ للمُعْجَب لسلوكه الفظ وايضا من آثار بُغضِ الله تعالى للمُعجب المستكبر، فإنَّ الله إذا أبغض عبداً؛ حلَّ بُغضُه ونَزَل بغضه فى قلوب البشر .. حتى يشعر بسخطهم عليه .ولان العُجْبُ مرض فالمصاب به يتوهم انه هو الذى على صواب وانه مضطهد من الجميع….
٤- إفساد العمل الصالح فالله لايقبل من الاعمال الامن الذى تواضع بها لعظمته قال النووي رحمه الله: (اعلمْ أنَّ الإخلاص قد يَعْرِضُ له آفةُ العجب، فَمَنْ أُعجِبَ بعمله؛ حَبِطَ عملُه، وكذلك مَن استكبر؛ حَبِطَ عملُه).
٥– الشخص المتكبر يفسد على الناس عقيدتهم ودينهم لانه قد يمتلك ميزة فضله الله بها ..تطغيه ويحدث نفسه بأنه أفضل من غيره…و عندما يصادف من هو ضعيف الذى حرم من هذه الميزة ويكون الشخص الضعيف قليلَ الإيمان .. فيتمرد على الله ويعترض على قدر الله فيه..فيكون سببا فى فى قهره او فتنته فى دينه ..
وهذا الشخص المتكبر إذا رأى مَنْ هو أعلى منه منصبا او صاحب فضل ونعمة أو من هو أقوى منه … انكسر وتواضع وقوَّم من صَعره، واعتدل تلقائيا فى جلسته وفى كلامة ومظهرة بل يتحول لشخص متملق..لمن هو فوقه او افضب منه ..
٦- اختلال حكمه على الامور . فيكفيه ان المتكبر يرى نفسَه
عظيماً، مع انه عند الله وعند العالَمين وَضيعُ …
العاقل لا يتكبر
العاقل يعرف انه لا يوجد حكيم متكبّر ولا يوجد نبي متفاخر ،ولا رسول متجبّر. ولذلك قال الله لنبيه( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) !
والعقل لايجعلك نتعالى على الناس لانك تعلم ان المال الذي يجعلك متكبراً… ليس غنى بل هو فقر اخلاق ؛ والعلم الذي يجعلك مستعلياً هو جهل بأداب العلم ؛ والمنصب الذي يجعلك جباراً هو انحطاط اخلاقى ؛ والقوة التي تجعلك باطشاً هى ضعف فى ذاتك .
ألايام دول .. يوم لك ويوم عليك
يقول الله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس … )
فالايام يوم لك ويوم عليك وكل شيء في الحياة مسألة وقت
حتى الحياة نفسها مسألة وقت ! وكل شيئء له بداية حتما له نهاية …فمهما كنت قوياً أو عزيزاً أو صاحب مكانة، سيأتي يوم تشعر فيه بضعفك وحاجتك للآخرين لتستمد منهم العون ..
والمتكبر .. حتما سيصادف من يتكبر ويتعالى عليه .يوما ما…. ويقال إذا لم يستطع أبناء الزمان تقويم صعر المتكبر، فدعْه للزمان فهو كفيل بتقويمه .
يقول الشاعر :فَدَعْ كُلَّ طَاغِيةٍ للزَّمانِ فإنَّ الزمانَ يُقيم الصَّعَر..
وكثيراً ما نرى نماذج لأناس تكبروا وتجبروا، وهم الآن لا يستطيع الواحد منهم قياماً أو قعوداً، بل لا يستطيع أنْ يذب الطير عن وجهه او يقضى حاجته…..
ولذلك قدم لنفسك عندما تكون الأيام معك حتى تجد الثمرة عندما تكون الايام عليك!. .
وتميز بما شئت لكن لا تتكبر أبداً ، وخاصم من شئت لكن لا تهين أبداً.” ولا تتحدث عن قوتك أمام ضعيف، ولا عن سعادتك أمام حزين، ولا عن مالك أمام فقير، وزن كلامك وراع شعور الآخرين، وكن راضياً بما تملك لأننا في نهاية المطاف نحن بشر ..
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش