الدكتور محمد المليجى يكتب :” كاو بوي” مصري فى أمريكا
كنت أقوم بتجربة علمية على الذرة ضمن نشاط محطة تجارب لجامعة ولاية كانساس بهيز Hays وهي مدينة صغيرة فى وسط ولاية كانساس تبعد ست ساعات قيادة من مدينة منهاتن التى نعيش بها وتوجد بها الجامعة. كنت اذهب لهذه المدينة بصحبة فنى اسمه وين وزميل استاذ بالجامعة اسمه لأري كلافلن،.
كانت الرحلة شاقة والجو حار خاصة فى شهر اغسطس حيث تشتد الحرارة ويتوقف المطر ويبدأ موسم الاعاصير التى تجتاح كانساس كالشياطين السائبة. كان وين ذو البنية النرويجية الضخمة يقود بنا السيارة لنبدأ الرحلة فى الرابعة صباحا. كنا نشق الطرق ونمر بين القري الأمريكية الجميلة وهي ناعسة حتى نصل فى السادسة صباحا إلى احدي القري التى بدأ مخبز الدونت ( الكعك الامريكي) فيها يفتح ابوابه ولنجد تلك السيدة الامريكية الكبيرة المبتسمة دائما ترحب بنا وقد حفظت أسمى وكذلك طلبى الذي تعده لى مع القهوة وتحضره سريعا لكي نتناول الافطار ونعود للطريق متجهين إلى هيز.
مدينة هيز مدينة تاريخية اشتهرت بتاريخها الاجرامى وحروب الكاوبويز او رعاة البقر فى بداية القرن التاسع عشر وظلت تحتفظ بتراثها القديم ومازال حتى الآن سكانها من رعاة البقر والفلاحين ولا تري فيها اي معالم للمدنية الحديثة التى يرفضها السكان.
وصلنا الى موقع التجربة وبدأنا العمل الشاق فى حصاد الذرة مع احد المزارعين فى حقله وتسجيل النتائج وكادت الشمس تفتك بنا ونحن نتناول الماء وأقراص الملح لتفادي ضربة الشمس، وفى الثانية عشرة ظهرا كان لا بد ان نأخذ راحة وغذاء بسيط قبل ان نواصل العمل مرة اخري فى الواحدة ظهرا.
اتجهنا الى مطعم المدينة الصغيرة الوحيد تقريبا ودخلت مع زميلي وكنت ارتدي برنيطة رعاة البقر مثلهم فهى الوسيلة الوحيدة للحماية من الشمس فى قيظ كانساس. كان المطعم ممتلأ بالفلاحين فهذا موسم الحصاد. ولكن بمجرد دخولى توقفت الضجة فى المطعم وترك كل طعامه واتجهت الأنظار إلى وكأنى مخلوق فضائي غزي المكان ، كان الكل يحملق فينا وخاصة فى شخصى مما اثار القلق فى نفسي وتوقعت ان احدا سيطلق النار علينا فنحن فى هيز.
جلست انا وزميلي على طاولة الطعام فى منتصف المطعم وخلعت قبعتى ومازال الكل ينظر لى بطريقة مريبة.
جاءت النادلة ووقفت أمامى وهي تدقق فى ملامحي ثم سألتنى مباشرة
Sir where are you from?
سيدي من اين انت؟
قلت لها من مصر
صاحت النادلة بأعلى صوت فى جمهور المطعم قائلة لدينا ضيفا من مصر لدينا ضيفا من مصر وهذه أول مرة يأتي مصري إلى مدينتنا
صفق الجميع فى المطعم ورفع كل قبعته وهو يبتسم لتحيتى
وقفت لأحييهم واشكرهم وفوجئت ان الجميع وقف ايضا ليرد التحية وجلست لكى اطلب غذائي ولكن النادلة رفضت ان ادفع ثمن الغذاء وقالت انه شرف لها ان تعزمنى على الغذاء.
شكرتها على كرمها وكان زميلاي مندهشان لكل ما يحدث معى
قالت النادلة وهي تدنو منى وكانت سيدة فى الأربعينات:
سيدي هل كل المصريين يشبهونك ؟
قلت لها تقريبا
قالت انتم مميزون فانظر حولك كلنا لوننا ابيض وشعورنا صفراء او حمراء .. شيء ممل
خجلت من غزلها في ولم أرد عليها وضحكت فى نفسي فهم ينظرون إلينا اننا فى قمة الجمال ونحن ننظر إليهم بنفس الطريقة ومفيش حد عاجبه حاله.
ذهب عنى الحر وتعب الرحلة وشعرت بان النفس البشرية جميلة اذا تخلصت من انانيتها وعنصريتها وان الفلاحين فى كل الدنيا طيبون طيبة الزرع وودودون ود الطير على فرخه.