لاشك أن الصنف الجيد هو الركيزة الاولى فى انتاجية المحصول .. وهو الغاية الأولى من كلمة التحسين الرأسى ..أى زيادة انتاجية وحدة المساحة بنفس الأمكانيات والتكاليف….
وكل العمليات والتوصيات الفنية التى نقوم بها لاجدوى منها مع صنف ذو تركيب وراثى رديئ…بل هى تكاليف زائدة على المنتج…
وفى ظل إهتمام الدولة المصرية بالقطاع الزراعى لتعزيز الأمن الغذائى والعمل على التوسع الأفقي من خلال المشروعات القومية الزراعية والتى تنتشر.. فى ربوع الدولة المصرية بداية من توشكى الخير جنوبا مرورا بالوحات ودرب الاربعين وشرق العوينات والوادى الجديد ومنطقة غرب المنيا حتى نصل شمالا الى الدلتا الجديدة والساحل الشمالى ثم شمال ووسط وجنوب سيناء ..بالاضافة الى الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا والتى تصل إلى مايقارب ٦,١ مليون فدان ..
ومعلوم أن هناك اختلاف من منطقة الى منطقة أخرى فى الظروف البيئية سواء فى الطقس ( درجات حرارة… والرطوبة والرياح .الخ ) أو نوع الاراضى وتدرجها من الرملية الى الطينية او مشاكلها سواءالاراضى الملحية او الجيرية .. الخ .
بالإضافة الى عدة معوقات اخرى مثل التغيرات المناخية الشديدة وتاثيرها على درجة الحرارة وزيادة الاستهلاك المائى فى ظل ندرة الموارد المائية والزيادة السكانية .. …
ومن الوسائل الأساسية التى لابد منها كى نجابه به كل ماسبق هو الحصول على صنف جيد ذو انتاجية عالية مقاوم للامراض ءو جودة عالية يلبى احتياجات المنتج والمستهلك والمصنع والاهم ان يتناسب ويتوافق مع ظروف كل منطقة على حدة والا لايستطيع الصنف ان يحقق النتيجة المرجوة من زراعته..
..
كما أنه من البديهى لايوجد او لاينصح بزراعة صنف واحد من اى محصول. ونكتفى به فى كل انحاء الجمهورية فى ظل هذه التباينات الكبيرة من الظروف المناخية والارضية .مهما كان درجة تميزه او انتاجه .
وايضا لايمكن الإعتماد على صنف واحد من المحصول فى كل منطقة على حدة .. أو الاعتماد على صنف واحد لعدد كبير من السنوات وهذا مفهوم لعلماء التربية ، لأن احتمال تدهور صفات الاصناف واردة وبقوة وكسر مقاومته للأمراض مؤكدة مع استمرار وتكرار زراعته ..
ومن المنطقى والأفضل أن يتم انتاج الاصناف الجديدة فى المنطقة التى سيزرع بها الصنف ..
وهذا أفضل كثيرا من ان أبحث عن صنف جيد فى الوادى والدلتا يتوافق أو يمكن زراعته فى الأراضى الجديدة ..وهذا أن كان يتم فى فترة زمنية علينا أن نسرع فى التربية واستنباط اصناف تحت ظروف كل منطقة على حدة
وبالتالى نحتاج إلى جهود جباره من قبل الباحثين وعلماء تربية النبات الى استنباط أصناف جديدة كل يوم من كل المحاصيل. تتواكب مع جهود الدولة فى التوسع الافقى ويتناسب مع كل منطقة من مناطق جمهورية مصر العربية .على حدة ..وتتكيف أو تجابه التغيرات المناخية التى اصبحت هى الاخرى أحد المعوقات التى تواجه القطاع الزراعى… بالاضافة الى انتشار الامراض المتعددة فى ظل زيادة التكثيف الزراعى
ولاشك ان الدولة المصرية تسعى للاهتمام بصناعة التقاوى.. وأطلقت اخيرا فى عام ٢٠١٩م المشروع القومى لانتاج تقاوى الخضر فى مصر والذى مازال فى بداياته ونأمل منه خيرا ،
ومن وجهة نظرى انه لايمكن تحقيق النتائج المرجوة من جهود الدولة فى إنتاج التقاوى سواء فى المحاصيل الحقلية او محاصيل الخضر او الفاكهة ..الا بإطلاق مجموعة من الضوابط و السياسات المحفزة للعلماءوالباحثين .وتحديد المسؤوليات والتى تقضى على كل المعوقات وتعالج الكثير من المشاكل ….التى أدت الى بطئ إستنباط الاصناف الجديدة
وهذا لايعنى اننا لانقدر جهود الباحثين المبذولة والتى كان لها دور كبير فى ارتفاع متوسطات انتاجية المحاصيل …
لكننا نحتاج الى انطلاقة شاملة تتوافق مع رؤية القيادة السياسية فى تعزيز الامن الغذائى المصرى والتى تعمل عليها القيادة السياسية ليل نهار ..
وهناك بعض الاقتراحات والتى يمكن البناء عليها أو تطويرها ..
أولا ..اعتبار انتاج التقاوى فى مصر مشروع قومى مثله مثل اى مشروع قومى أخر ..كمشروع توشكى الخير او مستقبل مصر ..بل مشروع التقاوى من وجهة نظرى … يجب أن يكون هو مشروع الدولة المصرية الاساسى لأن التقاوى هى عصب التوسع الرأسى . يرصد له الموارد المالية اللازمة لانطلاقة …
ثانيا ..يتم تكوين مجلس اعلى موحد للبحث العلمى الزراعى وخاصة فى مجال استنباط الاصناف الجديدة من الخبراء الزراعين فى مصر من الجامعات والمراكز البحثية الزراعية ..يحدد النقاط البحثية بالتنسيق مع المراكز البحثية والجامعات التى يعمل عليها كل الباحثين فى المراكز أو الجامعات ..ويلتزم بها الجميع والتى تحقق الخطط التنموية الاستراتيجية للدولة .. .
ثالثا..توحيد الجهود المتفرقة من المراكز البحثية المتعددة او الجامعات المصرية المنتشرة فى ربوع مصر ولكل منها ميزة نسبية والتى يغرد كل منها بمفردة . ولايرى كل منهم جهود الاخر ، او كل منهم يعمل فى معزل عن الاخر ،..فهناك ابحاث كثيرة لكننا نشكوا ونقول اين الابحاث التطبيقية ..
ومهما كانت النجاحات الآن فإن النجاح المتوقع بعد توحيد الجهود ستكون أكبر وأفضل ..
ولسنا نخترع العجلة . ولكن فى كل الدول المتقدمة ..
القطاع الزراعى مسؤولية الجميع وليس حكرا على جهة دون الأخرى وكل الجهات تعمل تحت قيادة الدولة المصرية..ويجب أن تحقق الخطط التنموية الاستراتيجية للدولة المصرية .
والمطلوب توزيع المسؤوليات وتوفير المناخ المناسب ثم المحاسبة على النتائج . ..
رابعا..تشجيع تكوين الفرق البحثية
فى مجال استنباط الاصناف ..لانه من البديهى لايمكن لباحث واحد ان يستطيع استنباط صنف بمفردة وتقييمه الا من خلال مؤسسة علمية وفريق بحثى ..متكامل ..
خامسا …تشجيع الباحثين وتحفيزهم فى جميع الجهات فى مجال استنباط الاصناف ..وتوفير الامكانات التى تحقق ذلك ويكون لها الاولية فى البحث الزراعى
سادسا… . انشاء هيئة علمية متخصصة محايدة من الجامعات المصرية والمراكز البحثية ..يتقدم اليها الباحثين فى تقييم التراكيب الجديدة الناتجة من أبحاثهم ..لتسجيلها كأصناف
ولعل هذه من اهم النقاط المهمة فى اطلاق مسيرة البحث العلمى فى أستنباط الأصناف الجديدة ، وتشجيع الباحثين بأن جهودهم مقدرة …وستنهى هذه اللجنة الكثير من المشاكل الراهنة والتى نسمع عنها أو نراها فى وسائل الاعلام .
وهذه توصية متكرره فى جميع مؤتمرات تربية النبات ويعلمها الزملاء بضرورة ( انشاء جهة محايدة لتقييم الأصناف الجديدة )..
فمهما كانت دقة طريقة التقييم الحالية وكفائتها فان الذى يقوم بها مركز البحوث.الزراعية.. ومع احترامنا لجميع الزملاء القائمه عليه ..
فدائما هناك شبهة واتهامات حتى ولو كانت غير حقيقة انه سيجامل ابناؤه بل والأ كثر من ذلك انه اصبح هناك شبهة ايضا ان اذا تقدم احد ابناؤه بتركيب وراثى جيد وهو الباحث غير مرضى عنه…او لاى سبب اخر ..
يمكن يكون هناك تحيز ضده ولا يتم إجازة هذا التركيب الوراثى الجيد…
وبالطبع قد لايكون ذلك حقيقى .
ولكن مانراه حاليا ..على الساحة من تبادل الاتهامات واثارة ذلك الامر فى اكثر من محفل علمى او فى وسائل الاعلام او التواصل الاجتماعى ..
يحتاج من صاحب القرار ان يعيد النظر فى ذلك ..وانشاء لجنة عليا لتقييم الاصناف محايدة ومستقلة تماما بعيدا عن اى جهة ..حتى لايكون هناك حجة لاحد من الباحثين سواء .من كليات الزراعة فى الجامعات المصرية او الزملاء فى المراكز البحثية …
سابعا…. التوسع فى تطبيق السياسة الصنفية وعدم الاعتماد على صنف واحد واحد او عدد قليل من الاصناف مهما كان درجة مواصفات الصنف الجيدة من وجهة نظر البعض ..فهذا مخالف لكل المدارس العلمية .وعلينا ان نكون جاهزين دائما بمجموعة من الاصناف الجديدة وهذا يحتاج الى تنشيط وتطوير وزيادة البحث العلمى فى مجال تربية وتحسين النبات .
ثامنا ..يكون من مهام اللجنة العلمية المحايدة البت فى اى شكاوى تقدم لها..وباحكام او قرارات ملزمة .بصفتها الفنية . .حتى لايدعى البعض المظلومية او التهميش ويلجأ الى جهات اخرى غير فنية . ويتاجر بذلك ..
تاسعا....وضع معايير عامة للجميع تضمن عدم تداول تقاوى اصناف غير مسجلة او غير معتمدة ..لان ذلك فى غير صالح الزراعة المصرية وهذا امن قومى مصرى
وقد تكون الاصناف الموزعة تصاب بالامراض ..فتسبب انخفاض فى انتاجية المزارع والناتج القومى من المحصول بالاضافة الى ان الصنف المصاب قد يكون سببا فى كسر مقاومة الاصناف الاخرى المنزرعة والمقاومة ..
عاشرا …مراجعة منظومة انتاج التقاوى وتنظيمها بداية من الانتاج والتداول ، حتى نضمن وصول الصنف الجيد للمزارعين فلابد من ضبط سوق التقاوى المصرى ..
حادى عشر ..تشجيع الاستثمار فى مجال استنباط وانتاج التقاوى من قبل القطاع الخاص مع الالتزام بالضوابط العلمية المتعارف عليها…
ا.د / ابراهيم حسينى درويش ..
استاذ المحاصيل ووكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية