أخبارمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : الإسراء والمعراج.. عندنا تأتى المنح والعطايا  من رحم المحن البلايا.. ” نفحات الجمعة”

مهما مر بك من أزمات .اجتماعية او اقتصادية او صحية .وصادفت من هموم أو خذلان ممن كنت تثق فيهم …وأتعبتك منغصات الحياة ..فلن تصادف ماعاناه النبى صلى الله عليه وسلم فى سبيل امته حتى يصل إليك هذا الدين نقيا صافيا

فعندما ضاقت عليه الحياة بعد وفاة عمه أبى طالب وبعده وفاة زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً عليهما حتى سمى العام بعام الحزن .. وزاد الايذاء له ولمن آمن معه وأوصدت مكه فى وجهه أبوابها ..وكذبه أهل الطائف واطلقوا عليه صبيانهم و سفهائهم يقذفونه بالحجارة حتى أدميت قدميه الشريفة.. ومن شدة مالاقاه رفع رأسه إلى السماء مناجيا ربه قائلا (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته أمري؟، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك) .

النصر مع الصبر 

فكانت رحلة الإسراء والمعراج تكريماً إلهياً وعطاء ربانياً للنبى الكريم، تعويضا له عن ما لاقاه من اهل الارض ..
ولذلك رحلة الاسراء والمعراج خير دليل على أن المحَن تأتى فى طياتها منَح من الله وأن النصر مع الصبر.

وقد انزل الله سبحانه فى هذه المعجزة قرآنا يتلى إلى يوم القيامة و سُميت سورة كاملة باسم سورة الاسراء وافتتحت بكلمة «سبحان» اى ايها الانسان لاتفكر ولاتُعمل عقلك لأنها معجزة، والله يُجرى المعجزات للأنبياء تأييداً وللأولياء تكريماً، وقوله «سبحان الذى أسرى بعبده»، ولم يقل برسوله، حتى نعلم أن مقام العبودية اعظم وكى نعلم ايضا ان لكل مؤمن إسراء ولكل مؤمن معراجاً عليه أن يجتهد فيه ..فالذى يجعلك من أهل الإسراء والمعراج هو تحقيق العبودية لله حقا ،

الإسراء كان من الأرض إلى الأرض والمعراج من الأرض إلى السماء، من المسجد الحرام إلى المسجد ألاقصى ، ومن الأقصى إلى سدرة المنتهى، ثم من سدرة المنتهى إلى حيث ليس له منتهى، وأن إلى ربك المنتهى، ..وهذه رحلة تشبه رحلة العبد المؤمن عندما يسير إلى مقام ربه الذى يبدأ من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان،كما جاء فى حديث جبريل عليه السلام .
فنهاية الإسلام بداية الإيمان، ومنتهى الإيمان هو بداية الإحسان، والإحسان ليس له منتهى لأن مقامات الإحسان لا تنتهى،

ما أحوجنا فى ذكرى الاسراء والمعراج ان نعيش الذكرى ونتلمس منها دلائل الفرج لكل مبتلى….
فالمنح والعطايا تأتى مع البلايا، والله سبحانه وتعالى لا ينفك لطفه عن قدَره أبداً، والمنَح تأتى على حافلة المحَن، ..

يقول ابن عطاء الله السكندرى ، إذا أراد الحق سبحانه وتعالى أن يقوّي عبدا على ما يريد أن يورده عليه من وجود حكمه، ألبسه من أنوار وصفه، وكساه من وجود نعته، فتنزلت الأقدار وقد سبقت إليها الأنوار، فكان بربه لا بنفسه، فقوي لأعبائها، وصبر للأوائها….
وماأكثر الشدائد والابتلاءات التى تحيط بنا الان والتى قد تصيب كل منا باليأس والقنوط ..

لكن الاسراء والمعراج تعلم المؤمن انه لايقنط ابدا من رحمة الله .وعليه ان يأخذ بالاسباب التى تعينه على التغلب على كل المحن ..ويعتلى بها فوق الهموم..

وهناك دلائل ومبشرات تفرج على المؤمن همه وتكشف غمه وحزنه بعد الاخذ بالاسباب والثبات على المبدأ منها :

اولا…التخلق بفضيلة الصبر

من دلائل الفرج ان يرزق الله صاحب الابتلاء بفضيلة الصبر ..ويعينه عليه .حتى يصبح شعاره …فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون .. فليس بعد الصّبر إلّا جبر ..وليس بعد الشّدّة إلّا فرج ..وليس بعد العسر إلّا يسر بإذن الله.. والصبر يورث الرضا والصبر يخفف ألم البلاء، والمحبة يستعذب فيها العبد الابتلاء»،

ثانيا : القرب من الله واللجوء اليه

البعض عند التعرض للشدائد يقنط ويبعد عن ربه لكن من دلائل الفرج أن الشدائد تعيدك ألى ربك فتقربك منه وتلجأ إليه ..وهذا بفضل الله علي العبد ..ان يعيده إلى حظيرة انسه فيلجأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته إيمانا واحتسابا وثقة بأنه فارج الهم وكاشف الغم ومجيب دعوة المضطر،
واللجوء إلى الله ..تعنى الثقة واليقين بأن الله قادر امره بين الكاف والنون .
فقد ورد ان احد الصالحين ألم به كرب أهمه وأحزنه؛ فأنشد يقول :
أرى الموت لمن أمسى…على الذل له أصلح فرأى في نومه من ينشد:
إذاضاقت بك الدنيا..ففكر في ألم نشرح
فعسرٌ بين يسيرين..إذاذُكرته فافرح
والذى يلجأ إلى الله ويشتكى همه وحزنه إلى ربه فإنه مكـفي الهم، مكفي الغم، ميسـر العسر، موسـع الضيق،

ثالثا..كثرة الذكر …

من دلائل الفرج ايضا كثرة ذكرك لله ..يقول بن القيم :”ذكر الله يُسهل الصعب ويُيسر العسير ويُخفف المشاق فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان وعلى عسير إلا تيسر ولا مشقة إلا خفت ولا شدة إلا زالت ولا كربة إلا انفرجت فذكر الله تعالى هو الفرج….بعد الغم والهم”.

رابعا..كثرة الاستغفار

ومن دلائل الفرج كثرة الاستغفار وذلك مصداقا لقوله تعالى (فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا , یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا ، وَیُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَ ٰ⁠لࣲ وَبَنِینَ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَـٰرࣰا )

ومهما تأ خر الفرج اطمئن فإنه مع الضيق فرج، ومع الشدة سعة…والبلايا إذا توالت تولَّت ..وفي رحم كلِّ ضائقة أجنة انفراجها ومفاتيح حلها، فصنع الله عجيب، وفرجه قريب..
ولأن تكون في شدةٍ تتوقع بعدها رخاءً؛ أحب من أن تكون في رخاءٍ تقع بعده شدَّة..وأقدار الله غالبة ..
فتوبوا إلى ربكم وارجعوا له وأبشروا بالخير
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش
استاذ بكلية الزراعة جامعة المنوفية ..

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى