المهندس إسماعيل حماد يكتب : نيل بلا طمى جواد بلا فارس .. مشروع السد الدوار (4)
أظن وقد يظن معى كثيرين أن العصر الذهبى للزراعة فى مصر لن يعود قبل أن يعود جريان الطمى فى نيل مصر كما كان حاله قبل بناء السد العالى.
فإن كان النيل مائه سقيا للزرع فطميه هو غذائه وسماده الطبيعى الذى لا بديل عنه وإن عوضته الدولة بملايين الأطنان من الأسمدة والمخصبات الكيماوية.
وبالطبع لم يخفى ذلك عن جيل الأباء المصممين والمنفذين للسد العالى تلك المعجزة الهندسية التى حمت مصر من موجات جفاف ضربت أفريقيا بلا هوادة فى ثمانينات القرن الماضى, فكان التصميم الأساسى للسد العالى يقضى ببناء أكثر من سد على إمتداد بحيرة ناصر وبتناوب عمليتى الفتح والغلق لبوابات هذه السدود سيدفع تيار المياه العابرة لها والخاليه من الرواسب كميات الطمى المتراكم أمامها.
كشفت دراسة مهمة تحمل عنوان ” السد الدوار ..محاولة لإعادة التوازن المائى والزراعى لمصر ” أجراها وحصل بمقتضاها المهندس إسماعيل حماد عبدالعال على براءة اختراع موثقة من اكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا تحمل رقم 28735 عن مجموعة من التوصيات والأليات التى ستحقق مردود كبير على مستوى توفير وإدارة مياه النيل واستغلالها بالشكل الأمثل .
وقال المهندس إسماعيل حماد لـ “بوابة الزراعة ” انه انجز هذ المشروع وتقدم به إلى أكاديمية البحث العلمى وحصل بموجبه على براءة اختراع وصدر بها قرار فى 2018.
وأظن الأن ليس أمامنا بعد إكتمال إنشاء سد أثيوبيا وبدء عمله بكامل طاقته إلا التعامل مع الوارد الجديد لطمى النيل والذى كان يقدر قبل بناء السد العالى بحوالى 125 مليون طن فى موسم الفيضان الذى يستمر لثلاثة أشهر وتبلغ ذروته عادة فى الأيام العشر الأخيرة من شهر اغسطس. لنبدأ بعد مرحلة تشغيل سد أثيوبيا بكامل طاقته فى التعامل والإستفادة بكل ما سيجود به النيل ومنابعه الإستوائية الأخرى وما سيسمح به سد أثيوبيا من كميات طمى متوقع أنها ستكون بالطبع أقل من المعتاد وصولها لبحيرة ناصر قبل ذلك سنويا, وأيضاً النظر إلى كميات الطمى المترسبة فى بحيرة ناصر والتى تصل إلى 7 مليار متر مكعب على أنها مخزوننا الإستيراتيجى منه الذى لا يقل أهمية عن البترول والغاز الطبيعى.
فإن حالت تضاريس نهر النيل عن إنشاء هذه البوابات المتوالية التى تحقق هذا التيار المانع لترسب الطمى فى بحيرة ناصر, وإن كنا نبحث عن وسيلة إقتصادية وفورية تحقق نفس الهدف المتمثل فى منع ترسيب الطمى بها فسنجد غايتنا أيضا فى الموجات التصادمية المنبعثة من الطائرات الأسرع من الصوت.. .فالمعروف عن الموجاتالتصادمية أن طاقتها تستهلك فى تقليب تربة الأرض تحتها بما يسمى ظاهرة تنفيض السجاد unrolling celebrity carpet, ولأن الموجات الصدمية هى فى الأساس موجات صوتية قادرة على السريان فى الغازات والسوائل والمواد الصلبة فهى تستطيعإختراق مياه بحيرة السد العالى والوصول إلى أعماق كبيرة وتقليب ما فى هذه المياه من طمى فتمنع بذلك ترسب الطمى الوارد مع الفيضان الجديد وتكسبه دورة حياة طبيعية جديدة داخل بحيرة السد بإستلام هذا الطمى من تيار مياه النيل القوى فى منطقة ما قبل البحيرة وتسليمه إلى تيار مياه البحيرة الواصل فى النهاية إلى جسم السد العالى. ونتيجة لتناهى صغر حجم ووزن جزيء الطمى فسيظل عالقا فى تيار مياه بحيرة السد لمسافات طويلة ليكمل رحلته داخل البحيرة حتى يصل فى النهاية إلى جسم السد العالى ويستمر فى إكمال دورته الطبيعية فى مجرى النيل حتى المصب.
فبالتركيز على تسليط هذه الموجات التصادمية على الأماكن التى تنخفض عندها سرعة المياه مثلمدخل بحيرة السد العالى بسبب زيادة مساحة سطحها عن مساحة المجرى المائى قبلها, ومتوسط عرض البحيرة هناك 12 كم تستطيع الطائرة إجتيازها وهى على سرعة الصوت مع تقليب مياهها بالموجات الصدمية الصادرة عنها فى ثوانى معدودات وذلك قبل أن تكتسب المياه عند هذه الأماكن خواص الركود Stagnation Properties التى ينتج عنها ترسيب ما تحمله المياه من طمى وما سيترتب على ذلك من زيادة قدرتها كمياه رائقة على نحت قاع النيل ونحر ضفته وجسوره وقناطره بعد تخلصها من حمولتها الثقيلة من الطمى التى كانت تزن إيقاع حركتها. .
وكذلك بتسليطها على مياه بحيرة ناصر عند الأماكن السابق إقتراحها لبوابات السدود المتوالية وفى التوقيتات التى كانت ستفتح وتغلق فيها خاصة فى وقت الفيضانوفى عشرة أيام ذروته أو عند أماكن إشتداد تيار مياه البحيرةوذلك لنستعيض عن طاقة حركة المياه التى كانت ستخزنها السدود المتوالية بطاقة حركة الفيضان التى لا تقل عنها قوة, ويكون ذلك بمثابة الإثارة والإنعاش للمياه أثناء إجتيازها لبحيرة ناصر حتى تصل إلى جسم السد (أكاديمية ب ع برقم 20150555).
لكن هذا الدفع المستمر للطمى فى إتجاه السد العالى ولعدم وجود إلا نفق رئيسىواحد موجود أسفل جسم السد تمر منه المياه إلى محطة توليد الكهرباء فيجب الحذر من ترسب الطمى وتراكمه فى مجرى تيار هذا النفق وأمام جسم السد. ولمنع ذلك أقترح وجود آلية كالمنجنيق فى قاع البحيرة أمام جسم السد لدفع وحقن الطمى المترسب عليها أولا بأول إلى داخل تيار مياه النفق والموجود مدخله أيضا قريبا من مستوى قاع البحيرة (كما بالرسم التخطيطى) على أن تشيد هذه المجانيق فى أكثر الأماكن توقعا لهذه الترسبات الجديدة وتأخذ حركتها القاذفة للطمى بواسطة أوناش عائمة فوقها فيما يشبه ماكينة خلط الخرسانة وإصعادها إلى الأدوار العليا التى يستخدمها عمال البناء.
إن إعادة سريان الطمى فى نيل مصر يلزم له معركة لا تقل أهمية عن معركة بناء السد نفسه. فإن كان السد العالى قد حمى مصر من نوبات جفاف ضارية فإن الطمى هو الترياق لأرضنا الزراعية المحافظ على شباب تربتها والمجدد الوحيد لخصوبتها التى تدهورت كثيرا الأن والمدافع المسؤل عن إيقاف البحر الأبيض عند حده ومنعه من إغراق الدلتا بتعليتها 1 مليمتر كل عام مع تدعيم رصيفها القارى أمام البحر. وتلك المعركة تستحق منا الإستمرار فى الضغط على أثيوبيا لتجرى التعديلات الفنية اللازمة على سدها التى تضمن عدم حرمان شركاؤها فى النهر من خيراته وحصصهم التاريخية فى مياهه وطميه وقبل أن تصبح طنطا عروس البحر الأبيض.
المهندس إسماعيل حماد
بكالوريوس العلوم الهندسة الميكانيكية
مهندس ميكانيكا في مصر للطيران