الدكتور على عبد الرحمن يكتب: أثر التغيرات المناخية علي الأمن الغذائي في المنطقة العربية
يعد تغير المناخ مشكلة عالمية طويلة الاجل، تنطوي على تفاعلات معقده بين العوامل البيئية، وبين الظروف الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه والتكنولوجيه، ويترتب عليه تأثيرات مهمة على المستوى الدولي والاقليمي بما فيها المنطقة العربيه التي تعد أكثر تضرراً من الآثار الضارة لتغير المناخ.
ومن المعروف أن التغيرات المناخية التى تجتاح العالم، تؤثر بشكل كبير ومباشرعلى كافة أوجة الحياه على كوكب الأرض، وقد توجهت أنظار العالم فى السنوات السابقة إلى أهمية وخطورة تلك التغيرات المناخية على حياه الإنسان، وقدرة الإنسان على التكيف فى ظل تلك التغيرات المناخية.
ومن ملامح التغيرات المناخية التى تحدث فى الوقت الراهن، الجفاف الشديد الذى يجتاح بعض مناطق العالم والأمطار الغزيرة المسببة للفياضانات والسيول المدمرة فى مناطق أخرى.
ومن أن السبب الرئيسى لهذه التغيرات، يتمثل فى الإنبعاثات الكبيرة التى حدثت وتحدث، الأمر الذى أدى إلى وجود ظاهرة الإحتباس الحرارى، وبالتالى حدوث تلك التغيرات المناخية العالمية، والتى هى أهم ملامحها هو زيادة ذوبان الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى، وبالتالى زيادة منسوب مستوى المياه فى البحار والمحيطات، الأمر الذى ينطوى على إحتمال غرق أجزاء من العالم، خاصة المناطق المنخفضة.
وقد يعتقد البعض، أن التغيرات المناخية تدل فقط علي الظواهر الجوية، ولكن اظهرت المتغيرات والمستجدات الأخيرة، أن هناك تغيرات في المناخ السياسي والمناخ الاقتصادي والمناخ الاجتماعي والمناخ الفكري والمناخ الإعلامي، وغيرها من التغيرات، فكل الظواهر التي تلازم حياة الإنسان، وبالتالي فإن كل هذه التغيرات تؤثر علي بيئة الإنسان، لها دور كبير علي المتغيرات الجوية والمناخية التي تؤثر علي البيئة المحيطة بنا.
وربما تميزت ظاهرة التغيرات المناخية عن معظم المشكلات البيئية الأخري بأنها عالمية الطابع، حيث أنها تعدت حدود البلدان لتشكل خطورة علي العالم أجمع.
ومما لا شك فيه أن الزيادة السكانية الهائلة والمعدل السريع في استهلاك الوقود، خاصة الوقود الحفري، سواء في التدفئة أوالنقل وغيرها، هذا بالإضافة إلي تراكم المخلفات وحرقها واستخدام التقنيات القديمة في الزراعة، كلها تؤدي إلي انبعاث قدر لايتحمله المناخ من غازات مسببة ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تعرف بأنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلي القريبة من سطح الأرض من الغلاف الجوي المحيط بالأرض، نتيجة زيادة انبعاث الغازات الدفيئة مثل:
• غاز ثاني أكسيد الكربون
• بخار الماء
• أكسيد النيتروز
• الميثان
• الأوزون
• مركبات الكلوروفلوركربو
كل هذه التغيرات لها مخاطر علي الزراعة والغذاء وامدادات المياه في العالم، وفي المنطقة العربية.
ويعرّض تغير المناخ للخطر المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة على صعيد مكافحة الفقر والجوع والأمراض، وحياة ملايين البشر، وسبل كسب عيشهم في البلدان العربية. وتتطلب معالجة تغير المناخ تعاوناً عالمياً غير مسبوق عبر الحدود.
وتعيش المنطقة العربية حالة من العجز الغذائي المتزايد، فالإنتاج من الغذاء لا يكفي لتغطية ما يقابله من استهلاك مما يؤدي بالبلدان العربية إلى التوجه نحو الاستيراد من الخارج المنطقة العربية، وهذا قد يكون سببا رئيسيا للضغط على هذه الاقتصاديات البلدان العربية لتكون في حالة متزايدة من الضعف، ويكون على حساب الدفع بعجلة التنمية واقتناء التكنولوجيا في القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى.
مما منع المنطقة العربية من الاستغلال الكامل لما هو متوافر لديه من موارد بشرية ومالية وطبيعية، مما أدى إلى ضعف الكفاءة الإنتاجية لهذه الموارد وازدياد الفجوة الغذائية في معظم البلدان العربية.
ومهما تعددت مفاهيم الأمن الغذائي ومعانيه، فإن إنتاج غذاء أفضل وكاف للأجيال القادمة هو أحد أهم ركائزه الأساسية.
كما إن للتغيرات الاقتصادية الكبيرة التي حصلت لبعض البلدان العربية نتيجة للطفرة في أسعار النفط، أدى إلى تغيير الأنماط الاستهلاكية لمواطنيها، مما أدى بهذه البلدان إلى استيراد كميات هائلة من السلع والمنتجات الغذائية.
وبسبب الأنماط الاستهلاكية التي تتجه نحو التغير وبشكل مضطرد بزيادة المدنية بين السكان في المنطقة العربية والهجرة السلبية من الريف إلى المدينة، وبسبب إغراق الأسواق العربية بالمنتجات الزراعية والغذائية المستوردة من العالم الخارجي، بأسعار رخيصة ومنافسة، ولا تستطيع الصناعات الغذائية العربية المنافسة معها بنفس شروط الجودة.
كل هذه الأسباب أدت إلى ضعف الإنتاج الزراعي وإنتاج الغذاء في المنطقة العربية، ويصاحب ذلك على نفس المسار نمو سكاني لا يتناسب مع حجم الإنتاج الزراعي والغذائي الموجود في المنطقة العربية.
وبالرغم من الثورة الزراعية التي أدت إلى تطور المجال الزراعي، وتوسيع المساحات المزروعة باستصلاح الأراضي والتقدم الكبير في تنظيم الري واستخراج المياه الجوفية بالطرق الحديثة، وبناء السدود وتوفير مواد حفظ التربة، والتوسع في منح القروض للمزارعين ومنحهم بعض الإعفاءات الضريبية، وتطوير البنية التحتية داخل المناطق الريفية من شبكات طرق وكهرباء.وفي ظل التغيرات المناخية التي تؤثر علي المنطقة العربية، ومع وجود العديد من المشكلات والمعوقات، تحد من قدرته على النمو، وأداء دوره المطلوب في تحقيق الأمن الغذائي للمنطقة العربية.
فهناك بعض المشكلات التي أدت إلى تدهور الزراعة في المنطقة العربية، وهي:
• التبعية العربية للاقتصاد العالمي، حيث تعاني معظم البلدان العربية من نقص في إنتاج السلع الغذائية، كما تعتمد على استيراد الأغذية من البلدان المتقدمة بشكل كبير لسد حاجاتها من السلع الغذائية الأساسية، ويترتب على عملية الاستيراد إنفاق مبالغ طائلة لاستيراد تلك السلع، الأمر الذي يشكل استنزافاً كبيراً لاقتصاديات هذه البلدان .
• النقص الحاد في المياه، نتيجة تذبذب الأمطار، ونضوب وتراجع وعدم تجدد الموارد المائية، وعدم تناسب حصص الاستهلاك المتزايدة بالتزايد الكبير في سكان المنطقة العربية.
• تدني الإنتاج الزراعي والإنتاجية في المنطقة العربية، بسبب ازدياد ملوحة التربة والمياه الجوفية، بسبب الاستنزاف الجائر للموارد المائية، والرعي الجائر.
• ضعف التخطيط الجيد للسياسات الزراعية والاقتصادية المستهدفة، مما يؤدي إلى عدم ترشيد استخدام الموارد الأرضية والطبيعية الاستخدام الأمثل في المنطقة العربية.
• ضعف التركيز على استخدام التكنولوجية الزراعية والأبحاث، وعدم العمل على تطوير نظم الري، وتدريب وتأهيل المزارعين على ترشيد استخدام المياه.
• ضعف خطط التكامل العربي الزراعي، لأجل تحقيق الاكتفاء الذاتي العربي من بعض السلع الغذائية الرئيسية، وتقليل الاعتماد علي الاستيراد من خارج المنطقة العربية.
• ضعف فعالية سياسات تشجيع للاستثمار في القطاع الزراعي.
• عدم وجود الدعم الكافي لصغار المزارعين، ووجود الأسعار غير المجزية لبعض المنتجات الزراعية.
• قصور في تطوير البنية التحتية في المناطق الريفية، وهذا يسهم في عدم المساعدة على تهيئة المناخ الملائم لإقامة المشروعات الزراعية الإنتاجية، وتوفير مستوى معيشي أفضل لسكان الريف.
• قصورالإشراف والرقابة بشكل فعال على أسواق المدخلات والمنتجات الزراعية، لحماية المنتج الزراعي العربي، والمدخلات الزراعية، لاسيما الأسمدة والمبيدات والتقاوي والأعلاف بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج.
• قلة الجهود البحثية لاستنباط الأصناف الأكثر مقاومة للجفاف، بغرض زيادة إنتاجية الزراعات المطرية والمروية، وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية.
• وجود التماثل في إنتاج السلع الزراعية العربية، وعدم تطبيق مبدأ الميزة النسبية والميزة التنافسية، لكي تستطيع البلدان العربية من زيادة صادراتها البينية لتعزيز التكامل الزراعي فيما بينها.
• وجود الضرائب المباشرة على الزراعة في بعض البلدان العربية.
أ.د/ علي عبد الرحمن علي
رئيس الاتحاد الدولي للاستثمار والتنمية والبيئة