الدكتور على عبد الرحمن يكتب : دراسة ميدانية حول أثرسياسات الدعم(عيني ـ نقدي) على الأمن الغذائي
يعتبر نظام الدعم جزءاً هاما في منظومة الإنفاق الاجتماعي والذي يهدف إلي ضمان حصول أفراد المجتمع على احتياجاتهم من السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والصحة والتعليم والنقل والماء والكهرباء.
• ويعد برنامج الدعم الغذائي من السياسات التي تحرص عليها الدولة بهدف تحسين الوضع الغذائي للأفراد وضمان الأمن الغذائي لهم والقضاء على مشكلة الجوع
• وكان الدعم الكلي مركزاُ على دعم السلع الغذائية حتى وصل في بعض السنوات إلي 90% من إجمالي قيمة الدعم، حيث كانت الدولة قديماً تدعم ما يقرب من 35 سلعة غذائية .
• ويهدف برنامج الدعم الغذائي إلي توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة تكون في متناول الطبقات محدودة الدخل لضمان وصول حد أدني من السلع الغذائية الضرورية للفئات الفقيرة لتحقيق استقرار أسعار السلع لكي تتناسب مع الأجور، وبالتالي يؤدي إلي نوع من إعادة توزيع الدخل وتحسن نمط توزيعه وتحقيق العدالة الاجتماعية.
• على الرغم من أن برنامج الدعم الغذائي له مردود قوي لتحقيق مبدأ الأمن الغذائي، إلا أن هذا له بعض السلبيات تتمثل في أن الدعم الغذائي يمثل ضغطا على الاقتصاد القومي بسبب أن تكاليف الدعم مازالت تمثل عبئا على الموازنة العامة للدولة نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية المدعومة، وأن نظام الدعم الحالي غير موجه جيدا نحو الفئات المستحقة نتيجة أن التوزيع الجغرافي للسلع المدعمة يتم بطريقة غير منتظمة أوغير مناسبة لتوزيع السكان، وأن نسبة كبيرة من فوائد الدعم الغذائي تذهب إلي غير المحتاجين لهذا الدعم، وبالإضافة إلي بعض المشاكل الأخرى مثل ارتفاع نسبة التسرب خاصة في سلعتي الخبز البلدي والدقيق البلدي .
• برامج الدعم:غالبا ما يكون للدعم ثلاثة عناصر أساسية هي: الدعم الوارد في الموازنة العامة للدولة، والدعم الظاهري الذي يمثل الاختلاف بين أسعار المنتجين وأسعار المستهلكين، والدعم الضمني الذي يتحمله المنتجون وهو يمثل الاختلاف بين الأسعار التي تتحدد من خلال قوي السوق والأسعار الرسمية للمنتجين.
• وعادة ما يؤدي الدعم إلي تشويه أنماط الاستهلاك والإنتاج، كأن يؤدي الدعم المخصص للخبز البلدي إلي زيادة الاستهلاك منه على حساب منتجات الحبوب الأخرى غير المدعمة.
• وفي معظم الحالات تكون السلع المدعومة متاحة لجميع الأفراد دون اعتبار لآية معايير للاحتياج الفعلي
• وتعد برامج دعم الغذاء لصالح المستهلكين من الأمور الشائعة في كثير من البلدان النامية بهدف تحسن الأمن الغذائي على مستوي الأسرة المعيشية، إلي جانب توفير فوائد عديدة للمستهلكين، إلا أن التكلفة المالية لهذا الدعم من الأمور التي تحظى باهتمام واضعي السياسات ومتخذي القرار، ومن الممكن أن يكون الدعم لصالح المستهلكين مباشراً أو غير مباشر أو الاثنين معاً، كما أن الدعم الصريح للغذاء يأخذ أشكالا يتم تحويلها مباشرا من جانب الحكومة .
• ويتكون برنامج الدعم الحالي في مصر من نوعين:
1. الدعم غير المباشر: يعني استخدام سياسات اقتصادية معينة مثل تخفيض أسعار بعض السلع بالأسواق المحلية وهذا النوع لا تخصص له بنود في الموازنة العامة للدولة لتعزيز هذه السياسات
2. الدعم المباشر: للغذاء من الأشكال التي تتسم بالتوجيه لمستحقيه أو تحديد لنصيب الفرد منه حيث تتوفر كميات غير محدودة من الغذاء المدعوم لأي شخص يرغب في الشراء وبأي كمية يريدها مثل دعم الخبز البلدي، والميزة الرئيسية لهذا النوع من الدعم هي استفادة عدد كبير من السكان، ولكنه مع ذلك ينطوي على عيب جوهري هو ارتفاع تكلفته المالية عن مثيله من برامج دعم الغذاء الأكثر توجيها لفئات محددة من السكان مثل نظام البطاقات التموينية، كما أن نظام الدعم الغذائي غير محدد بالكميات تكون تكاليفه المالية مرتبطة بالأسعار العالمية للقمح وبالتالي يكون أكثر اعتمادا على حركة الأسعار العالمية .
• ويتصف نظام توزيع الخبز والدقيق البلدي بأنه حر ومتاح لكل الأفراد وبدون تحديد كميات محددة، مما يجعله عرضة للتسرب والفقد، أما توزيع السكر والزيت والسلع الأخرى عن طريق البطاقات التموينية أقل عرضة للتسرب.
• أكدت دراسات المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء) (IPRIفي تقريره عن تسرب السلع الغذائية أن نسبة قيمة ما يتسرب في السلع الغذائية المدعومة تبلغ نحو 16.2% من إجمالي قيمة الدعم الغذائي، منه 40% لتسرب الخبز، 30% لتسرب الدقيق، و28% لتسرب الزيت، و25% لتسرب السكر>
• كما أن من 7 ـ 8 % من الخبز البلدي يذهب في تغذية الحيوانات والدواجن (أي ما يقرب من 1% من الكمية الكلية المنتجة من الخبز البلدي المدعم)، وأن حوالي 60% من منافع الدعم المخصص للخبز البلدي يستفيد بها غير المحتاجين للدعم
• وأن غير المحتاجين للدعم يحصلون على 48% من قيمة الدعم الكلي للغذاء، ونتيجة لهذا التسرب وضعف توجيه الدعم فإن ما يصل إلى المحتاجين للدعم لا يزيد عن ثلث مخصصات الدعم، وهذا الثلث يستفيد من المحتاجين للدعم بنحو 67 % للخبز البلدي المدعم، 13% للدقيق البلدي المدعم، 11% للسكر التمويني، 8% لزيت الطعام التمويني، كما يستحوذ الوسطاء في نظام توزيع الدعم على 18% من الفوائد الكلية للدعم.
• بدائل لإصلاح سياسات الدعم الغذائي: يعتبر نظام الدعم الغذائي جزء لا يتجزأ من السياسة الحكومية طويلة الأمد لتحقيق سياسة الأمن الغذائي وتحقيق العدل الاجتماعي، وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي، ورغم أن الدولة حققت تقدما في تخفيض تكاليف نظام الدعم، إلا أن التكاليف المطلقة للنظام مازالت مرتفعة، لذا تحاول الدولة إصلاح نظام الدعم باتجاه تحسين استهداف الفقراء وزيادة استفادتهم من الدعم وتحسين فاعلية تكاليف إدارة النظام، وعند دراسة خيارات إصلاح السياسات، من المهم أن توازن الدولة بين فوائد كل خيار وتكاليفه، إلي جانب مراعاة فوائد وتكاليف الدعم السياسية والاجتماعية، ونظرا لما ينطوي علية نظام الدعم الحالي من حساسية سياسية فانه من الضروري العناية بدراسة بدائل التغيير مع أخذ الآثار السياسية لكل اختيار.
• اعتمد البحث على تقرير التنمية البشرية 2019 في اختيار العينة، حيث تم اختيار أفقر المحافظات، وفقا لدليل التنمية البشرية والذي يصنف المحافظات كالتالي: الفئة ذات الدليل المرتفع، والفئة ذات الدليل المتوسط، وفئة ذات الدليل الدليل المنخفض، وأظهر الدليل أن معظم محافظات الوجه القبلي تصنف ضمن الفئة ذات الدليل المنخفض والتي تعكس تدني مستوي التنمية البشرية بما في ذلك الفقر، بينما الأحياء في كل من القاهرة وبور سعيد والسويس والإسكندرية تقع ضمن فئة الدليل المرتفع للتنمية البشرية، في حين الاتجاه السائد للتنمية البشرية في محافظات الوجه البحري يتراوح ما بين المتوسط والمرتفع، ومعظم محافظات الحدود أظهرت اتجاها متوسط يميل للارتفاع، كذلك أظهر التقرير وجود تباين بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، حيث تقع معظم المحافظات الريفية في الفئة المنخفضة لدليل التنمية البشرية.
• كما أظهر الدليل الآتي:
1. بالنظر إلى ذلك التقرير مقارنة بتقارير مسح الدخل واالنفاق الصادرة عن جهاز التعبئة العامة اإلحصاء، وكذلك تقرير كريدي سويس عن الثروة في مصر فإن هذا يؤكد علي وجود مشكلة هيكلية متمثلة في عدم المساواة وزيادة نسب الفقراء في المجتمع المصري.
2. .وبمقارنة كل من المساواة في الثروة والدخل، نجد أن معامل جيني للثروة في مصر قد سجل 84%، بينما بالنسبة للدخل فقد سجل 30 % فقط طبقا لمسح الدخل واالنفاق وهو ما يشير إلى تفاوت شديد في توزيع الثروة وأن توزيع الدخل أقل تفاوتا، بمعني اقتصار الزيادات التي شهدتها ثروات مصر في أصول غير منتجة كالعقارات وليس مشاريع منتجة تؤدي إلى خلق الوظائف وتحسين حياة جموع المصريين بشكل عام.
3. .بناء عليه فإن هناك مشكلة هيكلية وضرورة وأولوية من قبل الدولة المصرية في التركيز خالل الفترة المقبلة على حجم الطبقة الوسطى وتوسيعها وحمايتها من االنتقال للطبقات الأقل فقرا، وذلك لتحقيق الهدف من التنمية المستدامة، والتي يكمن فيها بوضوح رفاهية االنسان والعدالة االجتماعية.
• وعليه تم عمل استبيان لعدد من المحافظات(14) ذات الفئات الثلاثة، تبين من نتائج الاستبيان في محافظات العينة ، كالآتي:
1. أن 76% من إجمال الأسر المعيشية في محافظات العينة، أيدوا أنهم يستفيدون من نظام الدعم الغذائي الحالي، في حين أوضح 23% من هذه الأسر أنهم لا يستفيدون من نظام الدعم الغذائي الحالي، بسبب أنه لا يوجد لديهم بطاقات تموينية، وبالتالي فهم لا يتمتعوا بمزايا السلع التموينية من حيث الأسعار المنخفضة وتوافرها، إلي جانب أنهم يعانون من الحصول على الخبز البلدي المدعم .
2. وعن مدي ملائمة نظام الدعم الغذائي الحالي للأسر المعيشية الفقيرة، أوضح 45% من أسر العينة أن نظام الدعم الغذائي الحالي يناسب الأسر المعيشية الفقيرة لتأمين الاحتياجات الغذائية الضرورية لهم .
3. في حين أوضح 55% من الأسر المعيشية أن نظام الدعم الغذائي الحالي لا يناسب الأسر المعيشية الفقيرة لعدم الوفاء بالاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة.
4. وبسؤال الأسر المعيشية الفقيرة عن أسعار السلع الغذائية الحالي، أوضح 92% من الأسر المعيشية أن الأسعار الحالية للسلع الغذائية المدعومة مناسبة وفي متناول الأسر الفقيرة وأنها أرخص بما يوازي ضعف أسعار نفس السلع الغذائية غير المدعمة، بينما أبدي 8% من هذه الأسر أن أسعار السلع الغذائية المدعمة غير مناسبة.
5. وعن تعديل سياسات الدعم الغذائي من خلال توجيه هذا الدعم للأسر الفقيرة وتحتاج فعلا لهذا الدعم، وافق نحو 91% من الأسر المعيشية في محافظات العينة على أنه يجب أن يوجه الدعم بصورة كاملة للأسر الفقيرة حتى يمكن تحقيق هدف وصول الدعم لمستحقيه.
6. بينما اعترض 9% من الأسر المعيشية على توجيه الدعم كلية للأسر الفقيرة.
7. وعن سياسة التوزيع العيني للسلع الغذائية المدعمة للأسر الفقيرة، أيد 72% من الأسر المعيشية سياسية توزيع السلع الغذائية المدعمة بدون مقابل للأسر المعيشية الفقيرة
8. بينما رفض 28% من هذه الأسر تلك السياسة
9. ووافق 88% من الأسر المعيشية الفقير على سياسة ربط الدعم الغذائي بالدخول المنخفضة وإلغاء الدعم الغذائي لذوي الدخول المرتفعة
10. ورفض 12% من الأسر المعيشية الفقيرة هذه السياسة .
11. وعن سياسة مساهمة القطاع الخاص في إدارة الدعم الغذائي أيد 66% من الأسر المعيشية هذه السياسة، بشرط أن يكون هناك رقابة ومتابعة من الحكومة، بينما رفض 34% من الأسر المعيشية هذه السياسة
12. كما وافق 86% من الأسر المعيشية الفقيرة سياسة مساهمة الجمعيات الأهلية غير الحكومية في إدارة الدعم الغذائي لضمان حسن إدارته وتوجيهه للفئات المستحقة، بينما يعترض 14%من الأسر المعيشية هذه السياسة.
13. وبسؤال الأسر المعيشية عن سياسة إلغاء الدعم كلية لم يوافق 91% من الأسر المعيشية هذه السياسة لضمان توفير الحد الأدنى من الأمن الغذائي.
14. في حين أيد 9% من هذه الأسر إلغاء برامج الدعم الغذائي لعدم استفادتهم من هذه البرامج.
• مما سبق توضح النتائج أن كلا من الأسر المعيشية الفقيرة والأسر المعيشية الغنية متفقان على أنهم يستفيدون من نظام الدعم الغذائي الحالي، كما يعتبر برنامج الدعم الغذائي من أنسب النظم للأسر المعيشية .
• كما أيد كل من الأسر المعيشية الفقيرة والغنية على مساهمة القطاع الخاص والجمعيات الأهلية غير الحكومية في إدارة نظام الدعم الغذائي مع الأشراف والرقابة والمتابعة من الأجهزة الحكومية باستمرار.
• ووافقت الأسر المعيشية الغنية على إلغاء نظام الدعم الغذائي، لعدم تحقيق الأمن الغذائي لهم، وأنه يجب تعديل نظام الدعم الغذائي سنويا بحيث يوجه للأسر المعيشية الفقيرة التي تحتاج فعلا لهذا الدعم .
• في حين لم توافق الأسر المعيشية الفقيرة على ذلك لأهمية نظام الدعم الغذائي في تأمين حياتهم المعيشية اليومية بأقل السلع الضرورية .
• كما أيدت27% من الأسر المعيشة الغنية، تحويل الدعم الغذائي إلي دعم نقدي، بينما وافق 37% من الأسر المعيشة الفقيرة والمتوسطة الإبقاء علي الدعم العيني، ورفض التحويل إلي الدعم النقدي (شكلا وموضوعاً).
• وعلى ذلك لابد من إعادة النظر في سياسات الدعم الغذائي الحالية لضمان تحقيق الأمن الغذائي وضمان عدم وجود تسرب وفاقد في السلع الغذائية المدعمة، بشرط أن يتم توضيح بشكل محدد من هم الفئات التي تستحق فعلا للدعم الغذائي، حيث أن الدعم الغذائي له أثر فعال على تحقيق الأمن الغذائي .
• دراسة عدد من بدائل تطوير برنامج إدارة الدعم الغذائي وتطبيقها تجريبيا .
• تخصيص برنامج الدعم الغذائي على مستوي المحافظات بالتناسب جغرافيا مع نصيبها من الفقر الكلي، والقيام على مستوي كل محافظة بتوزيع نسبة أكبر من السلع الغذائية المدعمة بالقرى والأحياء الحضرية التي يتركز فيه الفقراء .
• تركيز منافذ بيع السلع الغذائية المدعمة في الأحياء والقرى الفقيرة.
• تنفيذ إجراءات تعويضية فورية تستهدف الأسر المعيشية التي تتعرض للآثار السلبية نتيجة إصلاح سياسات الدعم الغذائي .
أ.د/علي عبدالرحمن علي – مستشار وزير التجارة والتموين الأسبق