أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : اياك وكثرة العتاب..فإنها تفقدك الاصدقاء والأحباب.. ( نفحات الجمعة )

العتاب. قد يكون بدافع الحب والمودة والرغبة فى الحفاظ على استدامة العلاقة إذا كان بلطف ولين …اما إذا كان بدافع التوبيخ والاهانة وتعريفه بخطأه والضرر الذى وقع بسبب تصرفاته فيسمى ذلك باللوم
وكثرة العتاب أو طريقة العتاب التى لاتراعى المشاعر … من أهم أسباب فقد الاصدقاء والأحباب، لإنَّها ترسل برسائلَ سلبية من العاتب إلى المعتوب عليه، وأبرز هذه الرسائل : أن العاتب لا يحتمل لأخيه أدنى تصرف منه، وأنه يسيء الظنَّ به، وأنه ينظر إليه بعين الاتهام بالتقصير فى حقه ، وكلها أمور تؤدى بالصداقات الراسخة، والأخوة الصادقة إلى القطيعة الدائمة…
وهناك بعض الشخصيات جبلت على كثرة العتاب . ودائما يدعون المظلومية ..ويتهمون الاخرين بانهم مقصرين فى حقهم. ويكونوا دائما فى موقع الهجوم ..
والبعض الآخر كل همهم تتبع أخطاء الآخرين والإصرار على طرحها ومناقشتها وقد تكون المناقشة علانية وبطريقة فجة فيها مراء وقد يطول الجدل الى شهور فى خطأ او موقف تافه لايذكر كان يمكن تجاوزه!

ومن المهم ان ندرك انه لايوجد من البشر من لايخطئ أو معصوم إلا الانبياء …
كما انه ليس شرطا فى أولياء الله الصالحين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفورا لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقاً، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر …… الذي تعقبه التوبة ….فما بالنا ببقية الناس ؟!

فرفقا بنفسك وبأصدقائك واحبابك وحتى اهلك وابنائك …
فعندما يكثر العتاب بين الزوج والزوجة تتحول الحياه إلى جحيم لان كلا منهم يتصيد الاخطاء للاخر..وعندما تتحول العلاقة بين الاباء والابناء من علاقة رحمة وتربية الى تتبع الأخطاء وعقاب تنشأ الاطفال مدمرة نفسيا ..ولا تتقبل النصح بعد قسوة العتاب ! فينشأ الطفل محملا بالجروح والإهانات وتنعدم سبل التواصل بينه وبين والديه .. هذا هو الحال يكون مع أب وابنه أو أم وابنتها، فكيف سيكون الحال بين زوج وزوجته؟! وبين صديق وصديقة؟! وموظف ورئيسه؟! ..

وليس المطلوب إهمال العتاب نهائيا ولكن المطلوب عدم الاكثار منه وتعلم طرق وسبل العتاب الذى يديم الحب ويجمع أواصر المحبة ..
فالحق سبحانه وتعالى عاتب انبياؤه ولكن كان العتاب لصالحهم وكان مغلف بالرقه واللطف والذى يضمن بقاء الحب والمودة
فالعتاب الرقيق يكون بين المحبين لكنه اذا زاد عن حده انقلب إلى ضده …

وإن كان لابد من العتاب من وجهة نظرك فاتبع الوسائل التالية :

١- عليك ان تتخير كلمات العتاب بأن تكون معبرة وممزوجة بالحب والعطف والتلطف والشفقة ، ولنا في كتاب الله العظة والعبرة يقول تعالى :”عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى” فى ألاية نجد ان الحق سبحانة استخدم ضمير الغائب (جَاءَهُ) ولم يقل (. جَاءك ) فلم يتم توجيه الخطاب المباشر للمُعاتب؛ لما قد يحمله ذلك أحيانًا من تجريح لمشاعره.
٢- العتاب عن طريق الاستفسار وذلك بالسؤال بلطف عن سبب التصرف الصادر منه كقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”

٣- يُستحب أن يسبق العتاب بالدعاء بالمغفرة والعفو عن الأمر المُعاتب عليه، ومن ذلك عتاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الإذن الذي منحه للمنافقين بالتخلف يوم العسرة، في قول الله تعالى: “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ”.

٤- تأخير العتاب: يجب تأخير العتاب وتقديم ذكر ما يفرج هم المُعاتب، ويجلب له البشرى والاطمئنان
ومن ذلك قبل ان يعاتب الله نبيه
بقوله ( ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله )
اخبره ببعض إجابات الأسئلة التي انتظرها النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرها للناس، وغاب الوحى عنه فترة طويله ومنها قصة اهل الكهف.

ومن القواعد المهمة التى تجنبك التصادم مع البشر مايأتى:

١- إياك وكثرة العتاب ..
لانها لا تأتي بخير، ؛ ولكن تُنفِّر منك الصديق، وتبعد عنك المحب، قال الشاعر:
ومن لا يُغْمِضْ عينه عن صديقه ..
وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتب
ومَنْ يتتبَّعْ جاهداً كلَّ عثـرة….. يجدْها ولا يُسْلِمْ له الدهر صاحباً!

٢- كن واقعيا واعلم أننا بشر نصيب ونخطأ، فلا أحدَ يخلو من أخطاء، وفي الحديث: ” كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ “، ومن طلب صديقاً بلا عيبٍ أو خطئٍ؛ أفنى عمره قبل أن يتحقق له ما يريد…فعليك بالتغافل والتغاضىى

٣- ان تأخذ بيد أخيك ، عند الخطأ، ولا تتخلَّ عنه، وتتركْه غنيمةً لاصدقاء السوء و للشيطان وترده عن خطأه ردا جميلا …وتزيل الغشاوة عن عينية
وكلنا يعلم كيف عالج الرسول الكريم الشاب الذى كان يريد أن يأذن له النبى فى الزنا … بحكمة وصبر حتى ازال الغشاوة من على عينية …واعاده إلى رشده ..

٣- تَخيِّرُ أفضلِ الكلمات، وانتقاءِ ألطف العبارات لان ذلك كفيلٌ بنزع فتيل أكبر المشكلات.واياك والكلمات الهدامة والمؤذية للنفس …

٤- : إياك والجدل إلا إذا كان بالحسنى، وإلا انقلب إلى مراء يُرهق العقول، ويوغر الصدور، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:” أنا زعيم ببيت في رَبَض الجَنَّة لمن ترك المِراء، وإن كان مُحِقّاً، وببيت في وَسَط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ “.
وفرق كبير بين المجادلة وبين الحوار،
فالحوار: تسوده المحبة، والتفاهم، والتواصل، والرغبة في معرفة الحقيقة، بينما الجدال: يسوده الكبر، والرغبة في تحطيم الآخرين،والإستعلاء…

٦- اجعل الرفق فى كل حياتك فهو مذلل الصعاب، وزينة الأمور، وزينة الكلام، وزينة الرجال، يقول صلى الله عليه وسلم : “إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَه ….
٧- كن منصفا وموضوعيا وهو أعز خلق ولذلك ، قليل من الناس من يتخلق بهذا الخلق في شتى أحواله، فكثيراً من الناس قد يُنْصفون حال الرضا، فإذا حل الغضب، أو ضاق الأمر؛ نسوا الإنصاف، واتشحت قلوبهم بسواد الخصومة، ولايتذكر لك إلا السلبيات وينسون ألإيجابيات
فإن أردت أن تعاتب، فابدأ بذكر الإيجابيات قبل السلبيات، عندها؛ تنفتح القلوب لقبول النصح والعتاب. ..
٨- عليك ان تحسن الظن وتتثبت قبل أن تحكم..فهذا يؤدى إل بناء الثقة، والتقدير، وزيادة الألفة ، قال سليمان للهدهد عندما اخبرة بأمر ماتعبد بلقيس وقومها من دون الله كما قال تعالى ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين [ النمل] ، وقالت السيدة صَفِيَّةَ زَوجَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورضي الله عنها، :”كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيتُه أزُورُه لَيلاً، فحدَّثتُه، ثم قُمْت لأنْقَلِبَ، فقام معي ليقْلِبَني-وكان مَسكنُها في دارِ أسامَةَ بن زيدٍ-فمرَّ رجلان من الأنصار، فلمَّا رأيا النبي-صلى الله عليه وسلم-أسرعا، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: على رِسْلِكُما، إنَّها صفيةُ بنتُ حُيَيّ، فقالا: سُبْحان الله! فقال: إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدمِ، وإني خشيتُ أن يَقْذِفَ في قلوبكما شراً، أو قال: شيئاً ”

٩-: إياك والمعايرة وأن تقلل من شأن من امامك فهذا من الأخلاق الذميمة، التي تكشف عن سوء الطوية فمن عاير بصفة او بذنب أبتلى به..عافانا الله جميعا ، فحاولْ أنْ تكون طبيباً، لا شامتاً! معلماً، لا معنِّفاً.

١٠- كن متوازنا فى احكامك .. وإياك والمبالغة والتهويل أو التهوين. فالبعض يبالغون، فى الخطأ الصغير؛ يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة! والخطأ الكبير يصغرونه-إن صدر من أحبابهم-وكأنه هفوة. …

١١- وعليك بالتغافل عن الأخطاء .. قال أهل الفضل: لا يكون المرء عاقلاً حتى يكون عما لا يعنيه غافلاً. وليس الغبي بسيد في قومه .. لكن سيد قومه المتغابي…
إن «أدب التغافل» هو من أدب السادة، أما السوقة فلا يعرفون مثل هذه المكرمات، ولذلك تراهم لدناءة همتهم يحصون الصغيرة، ويجعلون من الحبة قبة، ومن القبة مزاراً،
ومن أطيب الأقوال فى هذا الباب :
– تغافل عن الخطأ ولا تفكر في الوقوف عنده لتعاتب، فإن كثرة العتاب تنفر وتفرق. واترك البحث عن باطن الغيوب، وامسك عن ذكر العيوب.
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
– وقال الإمام ابن القيم: من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، واترك سريرته إلى الله.
و من أحسن ما روي في التغافل، هو فعل نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته عندما قال لهم لاتثريب عليكم يقول تعالى على لسان يوسف عليه السلام : {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف]. فلم يقل: من بعد أن فعل إخوتي ما فعلوا من محاولة قتلي أو التخلص مني وحرماني من أبي أو حرمانه مني، وإنما نسب الفعل إلى الشيطان، بل وبدأ بنفسه فقال: {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} حتى لا يكون هناك تلميح ولو من بعيد بأن الشيطان أتى من ناحيتهم..وقال الإمام الشافعي: الكيس العاقل؛ هو الفطن المتغافل.
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم درويش





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى