أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : لا تكن عجولا إلا فى مواطن الخير ( نفحات الجمعة)

الإنسان بطبيعته عجول، والنفس بطبيعتها مندفعة، ويؤكد ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ الأنبياء

العجلة في غير موضعها تدل على ضعف العقل، وقلة رزانته، وغلبة الشهوة عليه؛ ولهذا قال ابن القيم: لا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول، وجاء في الحديث: ((التأني من الله، والعجلة من الشيطان)).
وإذا كانت العجلة في أصلها مذمومة ومنقصة، فنقيضها، وهو التواني والكسل والتردد والتخاذل، كلُّها رذائل، لا تليق بحكيم…
وجميع البشر اما مصابون. باللامبالاه والكسل والتباطئ او مصابون بالعجلة والتسرع بدرجات متفاوته فى شتى مناحى الحياه.
ألا من رحم ربى .
وتنقسم العجلة او الاستعجال إلى نوعين ..

النوع الاول ( الاستعجال المحمود)

قد تكون العجلة او الاستعجال صفة ايجابية ومحمودة ومطلوبة
ويكون ذلك في أمور الخير والمسارعة إلى أعمال الآخرة؛ من منطلق قول الله عز وجل: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران].وقوله تعالى : ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: ].
ومن امثلة ذلك
—————-
١- الجد فى طلب الرزق والعجلة فى انجاز الاهداف والاعمال المكلف بها وفى اعمال الخير

٢-الاستعجال في التوبة إلى الله والاستغفار والاقلاع عن الذنب والرجوع إلى الله وفى الاقدام على اعمال الخير ..يقول جل في علاه: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء].
٣- الاستعجال فى أداء الحقوق إلى أصحابها والاستعجال في أداء الدَّيْنِ؛ لخطورته وفى اداء فريضة الحج لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم(من أراد الحج، فليتعَجَّلْ؛ فإنه قد يمرضُ المريض، وتَضِلُّ الضالة، وتعرض الحاجة).
٤- تعجيل الفطر عند الصيام :
لقول النبى صلى الله عليه وسلم :(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)..
٥- التعجيل بتزويج البنت إذا وجدت كفؤا وجاءها الرجل الصالح لقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».
٦- المسارعة في تجهيز الميت ودفنه ، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، : «أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ».
.وهكذا

النوع الثانى (الاستعجال المذموم)

وقد يكون الاستعجال والتسرع مذموما حسب طبيعة الشخص او الفعل …فالشخص العجول له صفات منها ..
١- عديم الصبر ومندفع ومتهور … فينفعل لأتفه الاسباب بطريقة متهوره تؤدى إلى تدمير العلاقات بينه وبين من يتعامل معهم ،
٢- ان يكون سيئ الظن بمن حوله ..شكاك فى كل من يتعامل معه ..حتى أقرب الناس ويفسر كل أمر انه ضده وان الجميع متربص به مما يدفعه إلى اتهام الناس بالباطل ويحول حياة من يعيش او من يتعامل معه إلى جحيم

وهناك أمور يكون فيها الاستعجال مذموما.. مثل :

١- التسرع فى اتخاذ القرار أو إصدار الأحكام على الآخرين ..
فما هو إلا إصدار حكم بالإعدام قد يجعلك تخسر الكثير من الفرص،
واتهام اي شخص دون دليل هذا أمر غير مقبول ، والتسرع في إطلاق الأحكام ضربٌ من الجهل الذي يلحق صاحبه الذم ..

فلا تتسرّع في الحُكمِ على الناس فقد تظلِم عزيزاً وترفع رخيصاً.”
ولا تُحسن الظن حدَّ الغباء ولا تسِئ الظن حدَّ الوسوسة وليكن حسن ظنك ثقة وسوء ظنك وقاية

١–الحكمُ قبل التثبُّتِ (أو الحكم على الباطن) ولذلك يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات ].
لان ذلك له اثار سلبية كبيرة على العلاقات بل قد تؤدى الى اراقة الدماء ..ولقد ورد انه لما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن اسامة بن زيد قتل رجلا قال لا إلا الله. قال: (يا أسامة، أقتلْتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟!))، فأجاب أسامة: يا رسول الله، إنما كان متعوِّذًا (أي: قالها لينجوَ بها من القتل)، فكرر الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟!))، قال أسامة: فما زال يكررها، حتى تمنيتُ أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم…..
وما اكثر احكامنا السيئة والقاء التهم على الناس بدون دليل او تثبت الا الاشاعات وسوء الظن .
ويؤدى ذلك الى نتيجة كارثية تؤدى إلى قطيعة الرحم والأواصر وخسارة الزملاء والاصدقاء. و إزهاق الارواح ..وقتل الابرياء وخراب البيوت بالطلاق واليأس من رحمة الله عند المصائب والاصابة بالامراض … وترك الدعاء. الخ ..

٢- العجلة في الدعاء بالشر:
يقول تعالى -: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ( لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأَلُ فيها عطاءً فيستجيب لكم)

٣- الاستعجال في تمني سرعة الاستجابة لقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم (لا يزال يُستجابُ للعبد ما لم يدعُ بإثم، أو قطيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستعجل)
٤ – العجلة في اداء الصلاة. فلايتم اركانها ويطمئن فى ركوعها وسجودها أو يسبق الامام ..

٥- إستعجال بعض الدعاة والمصلحين في إصلاح الناس وتغيير واقعهم واليأس منهم ..
مثل سيدنا يونس عليه السلام .

٦- الاستعجال فى الزعامة والقيادة الإمامة والتصدر للفتوى والاجتهاد بدون علم .وقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، من دخل الشبر الأول تكبَّر، ومن دخل الشبر الثاني تواضع، ومن دخل إلى الشبر الثالث علم أنه لم يعلم.
٧ -استعجال بعض الناس للشهوة المحرمة، وإيثارهم الدنيا العاجلة على الآخرة الآجلة، يقول تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾
الى غير ذلك من الامور التى تؤدى بالضرر للانسان فى علاقاته وفى دنياه واخرته

مواقف قرآنية تنهانا عن العجلة

١- موقف سيدنا موسى عليه السلام. فى قصته مع الخضر..فى تعجله كان عدم صبره ..وكثرة سؤاله. افقده صحبة الخضر عليه السلام لانه خالف شرط الاتقاق بتعجله يقول تعالى( لاتسألنى عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا)
.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله موسى؛ لو لم يعجل لقصَّ من حديثه غير الذي قصَّ)
٢-التسرع فى الاحكام .. فعندما وجد سيدنا موسى يعبدون العجل وشاهد اخاه لايحرك ساكنا القى سيدنا موسى الالواح وأمسك برأس أخيه هارون وتعجل بالحكم عليه بأنه خالف امره واتهمه بالتقصير.قبل ان يسمع حجة اخيه …

٣- الغضب المبالغ فيه ..جعل سيدنا يونس عليه السلام يتعحل ويترك قومه مغاضبا ولم يصبر عليهم ولم ينتظر امر ربه يقول ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا) ماذا فعل به الغضب
القى فى البحر فالتقمه الحوت وهو مليم لولا انه كان من المسبحين ……
لذا كان من وصية الحق سبحانه
لنبيَّنا عليه الصلاة والسلام قائلاً: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾ [القلم].

٤- العجلة فى الاعتماد على الاسباب وترك مسبب الاسباب فسيدنا يوسف عليه السلام تعجَّل الخروج من السجن حين قال للغلام: ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله يوسفَ؛ لولا الكلمةُ التي قالها: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾، ما لبث في السجن ما لبث….

٥- من يتعجل فى طلب العلم ..
مع ان هذه صفة ممدوحة الا ان الحق سبحانه وتعالى يطمىننا ان العلم نور وانه هو المعلم الاول والفضل بيديه
فالحق سبحانه يطمئن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يتعجل في تلقي القرآن من جبريل؛ خوفًا من نسيانه يقول تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة].

اهم الامور التى تساعد فى عدم الاستعجال والتسرع..

١- قبل ان ياخذ الانسان قرارا فيه تعجل عليه ان ينظر إلى عواقب العواقب المترتبة على الاستعجال؛ فإن ذلك مما يهدئ النفس، ويحمل على التريث والتأني.

٢- قراءة القرآن الكريم بتدبر فهذا يهدئ النفس يقول تعالى: ﴿ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ [الأنبياء: ]، ويقول تعالى﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء].
٣- تدارس السيرة النبوية وسيرة الصحابة الكرام وماعانوه وماتحملوه من الشدائد والمحن، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم تحمل وصبر، ولم يستعجل، حتى كانت العاقبة له، وللمنهج الذي جاء به.
٥- مجاهدة النفس، وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي؛ فإنما الحلم بالتحلم، ومن يتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، والرجولة لا تكون إلا بذلك.

٦- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يتعا؛ فإن ذلك يحول دون الاستعجال، ويحمل على إتقان المقدمات، والوقوف عندها، وعدم تجاوزها إلى النتائج.
٧- الايمان بأن لله في خلقه سننًا لا تتبدَّلُ، وأن لكل شيء أجلاً مسمًّى، وأن الله لا يَعْجَل بعجلة أحد من الناس، وأن لكل ثمرة أوانًا تنضج فيه،
اللهم ارزقنا واياكم الحكمة و الرزينة يا الله آمين يارب العالمين
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم درويش

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى