أخبارزراعة عربية وعالميةمقالات

الدكتور على عبد الرحمن يكتب : سياسات التجارة الزراعية والأمن الغذائي

يوجد الأمن الغذائي عندما تكون لجميع السكان، في جميع الأوقات، فرصة الحصول على الغذاء الكافي والسليم والمغذي بما يفي باحتياجاتهم التغذوية وأفضلياتهم الغذائية للتمتع بحياة نشطة وصحية. ويعاون البرنامج الأمن الغذائي الحكومات على تكرار ممارسات الأمن الغذائي الناجحة على الصعيد الوطني. كما يشجع البرنامج الاستثمار في البنية الأساسية الريفية، وإدرار الدخل غير الزراعي، والزراعة في المناطق الحضرية، وشبكات الأمان. ويتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة توفر لهم النشاط والصحة.
مفاهيم تتعلق بالأمن الغذائي:
قضية الأمن الغذاء مشكلة جوهرية بل إنها تأخذ أهمية قصوى في ظل بعض الظروف السياسية الخاصة، وتزايد السكان المطرد يتطلب تنمية زراعية متطورة ومدروسة ولفهم أبعاد هذه المسألة لا بد من التعريف ببعض المصطلحات التي ينبني سياسات الأمن الغذائي.
مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي:
يعرف الاكتفاء الذاتي الغذائي “بقدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا”. إلا أن هذا المفهوم أثيرت حوله مجموعة من التحفظات أهمها:
• الطابع الأيديولوجي لهذا المفهوم.
• نسبية مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي.
• إمكانية تحقيق هذا الهدف عمليا.
• مدى العقلانية الاقتصادية لهذا المفهوم.

فمفهوم الاكتفاء الغذائي الكامل يعتبر مفهوما عاما وغير واضح،إذا لم يوضع في إطار جغرافي وتاريخي محدد، كما أنه في بعض الأحيان يحمل شحنة أيديولوجية. ويتعلق التحفظ الثاني بنسبية مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي، هل هو عند الحد الأدنى في توفير الاحتياجات الغذائية أوالحد المتوسط أوالحد الأعلى؟ فلابد من ربط هذا بالمستوى الاقتصادي والمعيشي للمجتمعات أوالمجتمع موضع الدراسة. كما يعتبر التحفظ الثالث أن الاكتفاء الذاتي الغذائي الكامل قد يكون هدفا قوميا نبيلا، إلا أن تحقيقه مرتبط بالدرجة الأولى بالموارد المتاحة وقدرتها على الوفاء بالاحتياجات. وقد يقرر أحد الأقطار المضي في تحقيق هذا الهدف، إلا أن ذلك يكلفه تضحيات اقتصادية واجتماعية باهظة إذا ما قورنت بحلول أكثر وسطية. أما التحفظ الأخير فيتعلق بمدى العقلانية في القرار الاقتصادي القاضي بسياسة الاكتفاء الذاتي الغذائي الكامل، إذ الموارد الزراعية محدودة وقطاع الزراعة هش لأنه يرتبط بصورة مباشرة بالتغيرات المناخية مما يجعل التعويل عليه بصورة مطلقة قرارا اقتصاديا غير رشيد.

كما أنه في ظل تحرير التبادل التجاري في إطار المنظمة العالمية للتجارة، فإن معيار الاختيار الرشيد يميل إلى اعتبار التكلفة الأفضل بغض النظر أو دون تمييز بين إنتاج محلي أو إنتاج خارجي. وهناك اعتبار ثالث يتعلق بارتفاع مستويات المعيشة وتعدد متطلبات وأذواق المستهلكين لدرجة يصعب معها أن تنتج كلها محليا.

ورغم وجاهة التحفظات حول مفهوم الاكتفاء الغذائي الذاتي الكامل فإن اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي الكامل أوالجزئي من السلع الاستهلاكية يعتبر خيارا إستراتيجيا يجب عدم التنازل عنه مهما كلف من ثمن. ويجب علي الحكومات التاكيد في التضحية الاقتصادية في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض السلع.
الأمن الغذائي المطلق: يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أويفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويعرف أيضا بالأمن الغذائي الذاتي. ومن الواضح أن مثل هذا التحديد المطلق الواسع للأمن الغذائي توجه له انتقادات كثيرة إضافة إلى أنه غير واقعي، كما أنه يفوت على الدولة أو القطر المعني إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية.

الأمن الغذائي النسبي: فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أوجزئيا. ويعرّف أيضا بأنه قدرة قطر ما أومجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعهم أومجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كليا أوجزئيا وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام.
وبناء على هذا التعريف السابق فإن مفهوم الأمن الغذائي النسبي لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية، بل يقصد به أساسا توفير المواد اللازمة لتوفير هذه الاحتياجات من خلال منتجات أخرى يتمتع فيها القطر المعني أوالأقطار المعنية بميزة نسبية على الأقطار الأخرى. وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين. وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الأمن الغذائي له المحاور الآتية:

1. وفرة السلع الغذائية.
2. وجود السلع الغذائية في السوق بشكل دائم.
3. أن تكون أسعار السلع في متناول المواطنين.
4. الغذاء الآمن.
المحاورضرورية للأمن الغذائي: التنسيق ـ الإدارة ـ المتابعة ـ التكامل ـ الجدية ـ المبادرة ـ اغتنام الفرص ـ البنية الأساسية(صوامع ـ مطاحن ـ مخابز ـ …) ـ المراجعة ـ الاستدامة ـ البيئة ـ إشراك المجتمع ـ الشفافية ـ العمليات الزراعية المشاركة( Agri – business) ـ مراقبة الأسواق ـ الجودة.

ويعتبر توفير الغذاء هو إحدي المهام الرئيسية لأية دولة ويترتب علي ذلك أن قضية الغذاء تمثل أحد المكونات الرئيسية للأمن القومي‏.‏ ولهذا السبب تقوم أغلب الدول الأوروبية وأمريكا بدعم الزراعة والمزارعين فيها، وكنتيجة للارتفاع الكبير في أسعار الحبوب والذي من المتوقع استمراره لعدة سنوات مقبلة.

فإن قضية الأمن الغذائي تعيد طرح نفسها بقوة علي كل البلدان النامية وتدعوها إلي إعادة النظر في استراتيجياتها التنموية عموما والزراعية بشكل خاص، علي أنه من الضروري عند المناقشة الموضوعية لهذه القضية أن يتم التمييز بوضوح بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في الغذاء وألا يدفعنا إلحاح وصعوبة اللحظة الراهنة إلي تبني بدائل لا تحقق الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة‏.‏ فالاكتفاء الذاتي يقصد به سعي الدولة إلي انتاج كل ما تحتاجه من حبوب ومواد غذائية أساسية وهو هدف لا يمكن لكل الدول تحقيقه بسبب عدم توافر الأرض أو المياه أو لأسباب تتعلق بالميزة التنافسية للزراعة فيها.

ومن استقراء خبرات الدول الأخري فان الاستراتيجية الزراعية الناجحة ينبغي أن تراعي مايلي‏:‏
• استقرار السياسات الزراعية وعدم تغييرها بتغير الأشخاص حتي يحدث استقرار مماثل في سلوك الفلاحين وتوقعاتهم‏.‏
• استخدام الأسعار كحافز للتأثير علي اختيارات الفلاحين وتشجيعهم علي زراعة محاصيل معينة‏.‏
• العمل علي زيادة الانتاج من ناحية وترشيد الاستهلاك وتقليل الفاقد من ناحية أخري.

• دراسة الجدوي الاقتصادية من زراعة محاصيل معينة بناء علي معيار انتاجية المياه ومدي ما تستهلكه تلك المحاصيل من الماء‏.‏ فلقد تعودنا لمدة طويلة أن نتحدث عن انتاجية الأرض دون الالتفات بشكل كاف إلي تكلفة استخدام المياه والعائد المتوقع منها‏.‏ وبالنظر إلي التقارير التي تشير إلي تنامي ندرة المياه في المنطقة العربية ومصر علي ضوء التغيرات المناخية المتوقعة وزيادة عدد السكان فان معيار إنتاجية المياه ينبغي أن يحظي بأهمية أكبر في تقديراتنا‏.‏

• مقارنة جدوي التوسع في زراعة محصول ما بجدوي تعظيم العائد الاقتصادي المترتب علي زراعة محاصيل تصديرية أخري أكثر سعرا تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية‏.‏


دكتور/ علي عبدالرحمن
نائب وزير التجارة الأسبق





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى