أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : نفحات الجمعة.. فلسفة القبلة وتحويلها فى الإسلام

القبلة تمثل الجهة التی توحد الحياة الدينية والعبادية للأمة وتعزز الوحدة والإنسجام والإنتماء للأمة الواحدة ولذلك جميع الشرائع السماوية كانت تتخذ قبلة لها منذ هبوط “آدم” عليه السلام أبى البشر إلى الان
والكعبة المشرفة كانت ولا تزال تشكل أبرز قبلة بين أهم الشرائع السماوية طوال حياة البشرية فهى اول بيت وضع للناس وهى البيت العتيق . أتخذت الكعبة قبلة لمعظم الانبياء من آدم إلى ما بعد طوفان نوح حتى عهد سيدنا موسى عليه السلام فتحولت القبلة من الكعبة الى بيت المقدس وفی عهد سيدنا عيسى عليه السلام تم الاهتمام بمسقط رأس السيد المسيح … لكن بمبعث خاتم النبيين سيدنا محمد تم تحويل القبلة من بيت المقدس الى الكعبة.
بعد مرور ١٧ شهر من هجرة النبی محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة
ويعتبر تحويل الكعبة من أهم الأحداث والمواقف الكثيرة التى كان يصنعها الله تمحيصا للأمة حتى ينفي عنها الخبث، كما يكشف بها سبحانه وتعالى أعداء الأمة من منافقين ومشركين؛ وذلك لكي تنشأ هذه الأمة نقيَّة خالصة لله عز وجل، خاضعة لأمره سبحانه دون شك أو ارتياب.
ومن هذه المواقف الجليلة والفاصلة في تاريخ الأمة، حادث تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في النصف من شعبان من العام الثاني للهجرة، حيث كان المجتمع المسلم ما زال حديث البناء نسبيًّا في المدينة المنورة، وما زالت قريش والعرب متربصين به، وينتظرون له أي هفوة للتشنيع عليه.

كما أن اليهود في المدينة المرتبطين مع المسلمين بمعاهدات ومواثيق كانوا في باطنهم يحملون أشد العداوة لهم، ويتلهفون على أية فرصة للإساءة إلى الإسلام والمسلمين، مقرِّين في أنفسهم أنهم ما عقدوا هذه المعاهدات إلا لضعفهم عن مواجهة المسلمين، وإثارة الشبهات حول الإسلام.

في ذات الوقت كان هناك بعض حديثي الإسلام الذين لم يثبت الإسلام في قلوبهم بعدُ، ويمكن أن تؤثر فيهم بعض الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام.

بتحويل القبلة أعلن بدء الاختبار فعليًّا؛ يقول تعالى: {لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143]. وبدأ كل فريق في كشف أوراقه
فقد لقى التحويل الى الكعبة ترحابا واسعا من قبل المسلمين فی شبه الجزيرة العربية الذين كانوا يرغبون بأن تكون الكعبة قبلة لهم. وكانت البداية من موقف المؤمنين المخلصين الذين صبروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبتوا أمام كل ما مضى من محن الإيذاء، والتكذيب والتعذيب، والتضحية بالجاه والمال والرياسة، بل والتضحية بالأهل والوطن، وهؤلاء لم يكن الاختبار الجديد عسيرًا عليهم؛ لذا فإنهم -كشأنهم منذ أسلموا- سلموا لأمر الله عز وجل، ونفذوه موقنين أنه الحق، فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر -وهي أول صلاة يصليها متوجهًا إلى الكعبة- ثم داوموا على القبلة الجديدة، ثابتين على عقيدتهم.

بل كان من هؤلاء المؤمنين الصادقين من ضرب المثل في التصديق والاتّباع، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمر جاء فجأةً، ودون تمهيد مسبق؛ فلم تؤثر فيهم المفاجأة، ولم يصدمهم الحدث، وهم بنو حارثة الذين وصلهم الخبر وهم يصلون عصر نفس اليوم؛ إذ مر أحد المسلمين الذين صلَّوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدهم يصلون إلى بيت المقدس، فقال: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزِل عليه الليلةَ قرآنٌ، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام؛ فاستداروا إلى الكعبة؛ فسمِّي مسجدهم من يومها (مسجد القبلتَيْن).
أما موقف المنافقين ومذبذبي الإيمان
فقد قلق هؤلاء من مصير من مات من المسلمين قبل تحويل القبلة، هل تُقبل صلاتهم أم لا؟ كما تساءلوا عن جزاء صلاتهم السابقة نحو بيت المقدس، وكأنهم ظنوا أن الصلاة إلى القبلة السابقة كانت اجتهادًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير وحي من الله؛ لذا لن يُثابوا عليه بل قد يعاقبون.
وهذه الفئة تظهر دائمًا في المجتمع المسلم وقت المحن، إذ تزيغ الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر؛ فيبدأ هؤلاء في التشكُّك والظن في الثوابت.
موقف اليهود
أما الفئة الثالثة في المدينة فكانت اليهود،
هؤلاء الذين كانوا فرحين مبتهجين عندما اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيت المقدس قبلة عقب الهجرة؛ لأنها قبلتهم، فظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيتبعهم في دينهم بعد فترة، فلما جاء الأمر بتحويل القبلة لاقى ذلك احتجاجا من قبل اليهود فی المدينة والقرآن قد تنبأ بذلك فى قوله (سيقول السفهاء …)
وأصيبوا بالإحباط واليأس من غرضهم؛ فأطلقوا لسانهم ليشككوا المسلمين في دينهم، قائلين: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142]. فجاء الرد الإلهي {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]، وأنزل {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177].
موقف قريش
أما قريش التي كانت متربصة بالمسلمين، فقد قالت: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله. ولكن الله سبحانه وتعالى ردَّ عليهم: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 150]. فنعتهم الله عز وجل بالظلم؛ ليكشف مكنون قلوبهم.
وهناك دروس مستفادة
اولا .أهمية وحدة الامه وجمعها على كلمة واحدة فلايليق بأمة تعدادها أكثر من مليار ونصف تجمعها قبلة واحدة أن لاتمام إرادتها وقوتها .
ثانيا ..الثقة فى القيادة ينجى الأمة من كيد الحاقدين والمرجفة قلوبهم ومروحة الفتن والشائعات بما يسمى حروب الجيل الرابع
وقت الضعف الأمة فإن مذبذبى الايمان وأعداء الاوطان والدين يشككون فى الثوابت التى تقلق الأمة .
ثالثا…من الواجب أن نرد على المشككين بالحجة كما رد القرءان الكريم على كل أصحاب موقف حتى ندحض فريتهم ويطمئن المواطنين .
رابعا…. أهمية اليقين والتسليم لأمر الله عز وجل، والانقياد لأوامره،
خامسا ….أهمية الثبات أمام الشبهات التي يلقيها أعداء الأمة دون انقطاع، وعدم التأثر بها، بل الرد عليها؛ لنحمي ضعاف الإيمان من التأثر بها.
سادسا .. ضرورة ان تولی الأمة الإسلامية أهمية كبيرة بفلسفة القبلة لأن القبلة تعزز روح الوحدة والإنسجام والشعور بالإنتماء الى الدين الواحد لدى المسلمين.
كل عام والأمة الإسلامية والدولية المصرية فى حفظ وامان .





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى