أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : دعوة للتوازن.. بين الدنيا والآخرة ( نفحات الجمعة)

يقول تعالى (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، من أعظم مزايا الدين الاسلامى ومحاسنه، أنه دين يدعو إلى التوازن في كل شيء، بغير إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، في أمر الدين أو الدنيا،

والاقتصاد فى الإسلام متوازن يحكمه قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )
وإذا ذكر اقتصاد ذكر المال عصب الحياة وذكر العمل والبناء والإعمار والذى ينبغى عليه أن يقوم بذلك هو الانسان خليفة الله في الأرض، ..
ومن يعمر الأرض يكون بنّاءً لا مخرباً، في خدمة الخلق لا عبئاً على الخلق، نافعاً لا ضاراً، يعطي لا أن يأخذ يبث كل فضيلة لا أن يفسد في الأرض..
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون )

فالسعى لكسب الرزق واعمار الكون هو تحقيق لمرضاة الله عز وجل :، قال تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور﴾
ولم تؤمر بالخنوع والاستسلام
يقول النبى الكريم ….اليد العليا خير من اليد السفلى…و أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد ابن مسعود فرآها خشنة، فقال عليه الصلاة والسلام: “إن هذه اليد يحبها الله ورسوله”.
وحياة المسلم متوازنة بين المادة والروح والدنيا والآخرة :
وهذا ما تقرره هذه القاعدة بوضوح وجلاء: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} وهذه القاعدة القرآنية جاءت في أثناء قصة قارون، الذي غرّه ماله، وغرته نفسه الأمارة بالسوء وسعى فى الارض فسادا ونسى لقاء الله والدار الآخرة فقال قومه ناصحين له {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.هذه الآية تنظم العلاقة بين الإنسان وأخيه، وبين الإنسان وربه
ولكن عندما يصاب بالغرور والجحود فينسى الإنسان المنعم ويعتقد أن ما يملكه من مال وجاه هو بفضل علمه وذكاؤه سيكون رده كما قال قارون والعياذ بالله ـ قولة المستكبر ـ: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}…
فالكبر والغرور بداية النهاية وطريق الهلاك ..الذى أدى إلى أن خسف الله بقارون وبداره الأرض..
والآية اشتملت على أربعة وصايا عظيمة، نذكر أنفسنا بها .
الوصية الاولى ..(وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ).
فهدف الإنسان ليس الدنيا الفانية بل الدار الباقية ..لأنها دار المقر .. ..ولذلك هو يزرع ويغرس فى الدنيا حتى يحصد الثمر فى الآخرة . وأن يجعل سعيه في حياته غراسًا ليوم الحصاد..ولايكن مثل قارون الذى من الله عليه بنعم كثيرة فلم يعطى شكرها واقتصر على نيل الشهوات، وتحصيل اللذات .

وأما الوصية الثانية: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}:جاءت لضبط التوازن ـ ، فلسنا نطلب منك ترك ما أباح الله تعالى، والزهد المؤدى إلى ترك العمل والسعى والبناء والإعمار بل المطلوب العدل، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه والسعى الحلال ..ولا لوم على الإنسان أن
يستمتع بنعم الله عليه..بل إن الاستمتاع بهذه النعم هى الدافع للعمل والتعمير ..
والأخذ بالاسباب .
ولقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة رضي الله عنهم خلل في فهم حقيقة الزهد والتعبد، فإنهم لما سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالّوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر! وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”
أما ثالث هذه الوصايا : {وأحسن كما أحسن الله إليك}، وهذا يتفق تماماً مع العقل والشرع، قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}…وهذا يجب أن يكون قانونا فى الحياة . فلاننكر الفضل ولانجحد الجميل وان نشكر من احسن الينا وان نكافؤه فإذا لم نستطع أن نكافؤه ندعو له .وان نرد الجميل بماهو اجمل منه ..
فكما: تحب أن يحسن إليك ربك، ويدوم إحسانه، فلا تقلع إحسانك عن خلقه، وإلا فالله غني عن العالمين…
ورابع هذه الوصايا في هذه القاعدة القرآنية: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :و اياك والبغى اياك والظلم . اياك والاعتداء والفساد والأفساد هذه الأعمال لا يحبها الله .. ومن يفعلها يعرض نفسه للعقاب .والظلم ظلمات يوم القيامة .


ا.د ابراهيم حسين درويش
وكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية ..





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى