الدكتور حمدى المرزوقي يكتب : تلوث البيئة في مصر..الي أين؟
خواطر وطنية ..وبعيدا عن السياسة
لما كان الإنسان هو وليد البيئة والوراثة معا ..لهذا أردنا في هذا المقال الهام للغاية والذي نشر لأول مرة منذ حوالي خمس سنوات مضت ان نوضح ان اهم مشاكل البيئة ..هي التلوث البيئي وحيث ان العناصر الأساسية للبيئة التي يعيش فيها الإنسان والحيوان والنبات تشمل كل من الأرض والهواء والمياه ويرجع التلوث الي أدخال الملوثات الي البيئة الطبيعية مما يلحق الضرر بها ويسبب الاضطراب في النظام البيئي ..وهذه الملوثات اما ان تكون دخيلة علي البيئة او مواد طبيعية ولكن تجاوزت مستوياتها النسب المقبولة..
وهناك مصدرين للتلوث هما:
:١- التلوث الطبيعي : ويعود مصدره الي الظواهر الطبيعية والتي تحدث من وقت لآخر بفعل البراكين والعواصف والتي تحمل معها كميات هائلة من الرمال والأتربة والغازات ولا دخل للانسان فيها .
٢-التلوث الصناعي : وينتج من فعل الإنسان ونشاطه مثل النشاط الصناعي نتيجة عدة عوامل منها ..درجة تركيز المواد الملوثة والفترة الزمنية للتلوث ودرجة السمية للانسان والكائنات الحية الأخري..وأين تصرف تلك الملوثات الصناعية .
وتنقسم الملوثات الصناعية الي ثلاث انواع هي :١-صلبة مثل الاتربة الناتجة عن صناعة الأسمنت.
٢-سائلة مثل المحاليل والمواد الكيماوية التي تقذف بها المصانع الي المجاري المائية .
٣-غازية مثل الغازات والادخنة الضارة المتصاعدة من مداخن المصانع ومصافي تكرير البترول .
وهناك نطاق جغرافي للتلوث ..فإما ان يكون تلوث محلي اي لا يتعدي المنطقة المحيطة بمصدر التلوث سواء كان طبيعي او صناعي مثل البراكين او المصانع ..او يكون التلوث بعيد المدي ..أي يكون مصدر التلوث في دولة ويتعدي الأثر الضار الناجم عنه الي دولة اخري دون القدرة علي إمكانية منعه من العبور الي هذه الدولة المتأثرة.
اما عن مصادر وأسباب التلوث فسوف نوجزها فيما يلي :
١-تلوث الهواء..إن إطلاق المواد الكيماوية الضارة في الغلاف الجوي يؤدي الي تلوث الهواء ومن اهم ملوثات الهواء ..غاز اول اكسيد الكربون وثاني اكسيد الكبريت واكسيد النيتروجين التي تنتجها الصناعة وتطلقها محركات السيارات ..حيث تشكل عوادم السيارات حوالي ٦٠% من نسبة التلوث العالمي ..وتبقي تلك الإدخنة السامة معلقة بالهواء عدة ايام وهذا ما يسمي بالضباب الدخاني ..وربما لا تظهر آثارها مباشرة علي الإنسان ولكنها تؤدي علي المدي الطويل الي الاضطراب العقلي والنفسي والكابة ..وتؤثر علي الجهاز التنفسي ..كما أن التلوث الهوائي في الأيام الممطرة يؤدي الي ما نسميه بالأمطار الحامضية والتي تؤدي الي اضرار بالغة بالثروة الزراعية والحيوانية والسمكية.
ومن المعروف ان الانسان يستهلك حوالي ١٠ آلاف لتر من الهواء يوميا في التنفس وان الهواء النقي يتكون من ٢١% اكسيجين وحوالي ٧٩% نيتروجين وما يقرب من ١% غاز الارجون ..بالإضافة الي نسبة قليلة جدا من غاز ثاني اكسيد الكربون ٣.% ومجموع تلك المكونات حوالي ٩٩%.
ولقد عرف خبراء الصحة العالمية تلوث الهواء بأنه الحالة التي يكون فيها الجو خارج أماكن العمل محتويا علي مواد بتركيزات تعتبر ضارة للانسان او بمكونات البيئة ..وعندما نتكلم عن تلوث الهواء فإننا نعني ..تلوث الطبقة السطحية من الغلاف الغازي المحيط بالكرة الأرضية والتي تمتد فوق سطح الأرض الي مسافة تتراوح من ٨ الي ١٥ كم وتسمي تربوسفير وهي الطبقة الهامة لمعيشة الأحياء( انسان + حيوان + نبات )
وتعتبر اهم ملوثات الهواء ..الجسيمات العالقة بالهواء وأهمها الغبار وهي جزيئات صغيرة جدا من المواد الترابية العالقة وغاز ثاني اكسيد الكبريت ونواتج حرق الفحم والزيوت وهو اكسيد الكربون وغاز ثاني اكسيد النيتروجين والاوزون وهو ناتج من الأكسدة الضوء كيماوية لكثير من المركبات اهمها ثاني اكسيد النيتروجين واول اكسيد الكربون والاكسجين..ويعتبر الأوزون في الطبقة العليا من الجو مفيدة للحياة حيث يحمي الكرة الأرضية من الأشعة البنفسجية التي تبثها الشمس ..الا ان التركيز العالي من الأوزون في طبقات الجو السفلي له تأثير ضار جدا علي الصحة العامة ..في حين تعتبر طبقة الأوزون الموجودة فوق الغلاف الجوي في طبقة ما يسمي الاستراتوسفير هامة جدا في تقليل كمية الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس والتي تصل الي سطح الأرض وتأثر بطريق مباشر علي الإنسان..ومن الممكن أن تسبب سرطان الجلد والعمي وقلة المناعة في الجسم ..وتؤثر تأثيرا سيئا علي النباتات وعملية البناء الضوئي كما تؤثر علي الأحياء المائية وذلك في حالة حدوث ثقب ( في طبقة الأوزون ) وهذا ناتج عن تلوث البيئة .
٢-تلوث التربة..وهو الفساد الذي يصيب التربة فيغير من خصائصها الطبيعية او الكيماوية او الحيوية او يغير من تركيبها بشكل يجعلها تؤثر سلبا بصورة مباشرة او غير مباشرة علي من يعيش فوق سطحها من كائنات حية ..ويرجع تلوث التربة الي مواد كيماوية والمعادن الثقيلة التي تسربت تحت الارض وهناك اسباب هامة لتلوث التربة مثل سقوط الأمطار الحمضية عليها او سقوط الغبار الذري الناتج عن التفجيرات النووية ..كما تلوث التربة بالمبيدات الزراعية مما يؤثر بصورة سلبية علي الغذاء الذي يتناوله الإنسان.
٣-تلوث الماء..هو أحداث تلف لنوعية المياه وتصبح ضارة وغير صالحة للانسان ولا يوجد انفصال حقيقي بين تلوث الهواء وتلوث الماء ..وذلك لان الهواء الملوث يؤثر كثيرا في المساحات المكشوفة من الماء ويلوثها كما يعتبر من أهم مصادر تلوث المياه ..المخلفات الآدمية ومياه الصرف الصحي والتي تصرف في المياه العذبة ..
ويمكن مكافحة تلوث المياه عن طريق نشر الوعي الاعلامي والصحي والأهم من ذلك عدم التخلص من نفايات المصانع في الأنهار والبحار وكذلك عدم استخدام مياه الصرف الصحي في الري الا بعد معالجتها لخفض نسبة التلوث العضوي والمعدني ..ومن المعروف ان المصدر الرئيسي للمياه العذبة في مصر هي نهر النيل والذي يتعرض الي التلوث الشديد بمياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية والزراعية وتشمل تلك الملوثات العناصر الثقيلة السامة مثل الرصاص والزئبق والزرنيخ والكبريت وكلها ملوثات من الصعب فصلها عن المياه ومازال التلوث بمياه الصرف الصناعي القاتل للانسان وغيره من الكائنات الحية والمسبب للأمراض الفتاكة مستمر من اسوان حتي الإسكندرية في نهر النيل العظيم والذي يعد المصدر الأساسي لمياه الشرب ..
أما عن التلوث بمياه الصرف الزراعي والصحي ..فعلي طول نهر النيل بين السد العالي في اسوان والقاهرة فهناك حوالي ٢٥٠٠ قرية يتجاوز عدد سكانها ال ٢٠ مليون نسمة وجميعهم يقومون بتصريف مياه الصرف الصحي بمياه نهر النيل ..كما يتم ارجاع حوالي ٢.٩ مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والمحملة بالاسمدة والمبيدات الي النيل سنويا وهذا يؤثر علي صحة الإنسان المصري ويؤدي الي هلاك الأسماك والكائنات الحية بل وموتها احيانا ..كما تتسرب تلك المواد الكيماوية الي باطن الأرض حيث يؤدي الي تلوث المياه الجوفية إضافة الي تلوث مياه النهر الخالد……
وهنا لابد من سرد بعض العناصر والعامل التي قد تساعد جهاز البيئة علي التخلص من التلوث ويمكن ايجازها فيما يلي :
١-لابد من بناء المصانع خارج الكتلة السكنية بقدر المستطاع .
٢-لابد ان توجد بالمصانع والمناطق الصناعية الكبري ..مرشحات الهواء حتي لا يصبح الهواء مقبرة للانسان وكذلك لابد من تزويد المصانع بوحدات لمعالجة المياه قبل صرفها بالبحر او النهر او حتي المصارف الرئيسية …
٣-استبدال نوع الوقود المستخدم فمثلا يمكن استخدام الكهرباء والغاز الطبيعي بدلا من السولار والفحم .
٤-استخدام مرشحات وفلاتر الشكمانات في السيارات ..
٥-لابد من زراعة حزام أخضر حول المناطق الصناعية لان الأشجار تقوم باستخدام غاز ثاني اكسيد الكربون في عملية البناء الضوئي ..وتطلق بدلا منه الاوكسيجين الضروري لعملية التنفس .
مما سبق استعراضه وذكره اكثر من مرة ..وايضا من واقع العمل الميداني والتنفيذي وأثناء تولي المسؤلية …نري ان نتوجه الي القيادات السياسية المحبة لبلدها وشعبها ..إن تنظر بعين الرعاية والاهتمام الي مشكلة تلوث البيئة وخاصة تلوث مياه الشرب ونهر النيل ..المصدر الأساسي لمياه الشرب في مصر والتي ينتج عنها العديد من الأمراض الفتاكة مثل الفشل الكلوي والسرطانات بأنواعها وأمراض الكبد اللعينة والتي تكلف ميزانية الدولة …المليارات…نعم المليارات ..فالوقاية خير من العلاج
واسلمي يامصر آنا لك الفدا
مع خالص تحياتي
د.حمدي المرزوقي
وكيل وزارة سابق
واستاذ ورئيس بحوث متفرغ حاليا