أصبحت مصر مُهددة بالاستخدام غير المستدام للمياه، حيث تجاوز أكثر من نصف عمليات سحب المياه الحالية الكمية المتاحة طبيعيا. وعلى المدى البعيد، قد يكون لذلك عواقب وخيمة على نمو المنطقة واستقرارها. ولذلك فإن التوصل لحلول لتضييق الفجوة بين العرض والطلب على المياه هو من الأولويات العاجلة.
وفي الوقت الذي تبحث فيه الحكومات عن حلول، يمكن أن يتيح اتجاهان اثنان على وجه الخصوص فرصا لتغيير الأوضاع وتعزيز الأمن المائي. فإن جدوى هذه الحلول ستعتمد على كيفية استجابة الحكومات والمجتمعات لها.
يتمثل أحد الاتجاهات في الانتشار السريع للري الذي يعمل بالطاقة الشمسية في بعض البلدان، وذلك لتحقيق أهداف ثلاثة هي:
• تعزيز المياه
• تعزيز الطاقة
• تعزيز الأمن الغذائي.
فعلى سبيل المثال،تنفذ مصر برنامجا للزراعة الصحراوية يشمل ري 630 ألف هكتار بتكنولوجيا الطاقة الشمسية، مستفيدة من انخفاض تكاليف تكنولوجيا الطاقة الشمسية والإشعاع الشمسي العالي.
وستحل هذه المبادرات محل مضخات الديزل الملوثة والمكلفة، وتوفر خيارا جديدا للمزارعين الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى شبكات الطاقة. و يحفز خفض الدعم للوقود التقليدي على التحول إلى استخدام مصادر الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
وتأمل مصر أن توفر تكنولوجيا الطاقة الشمسية وسيلة للمجتمعات الزراعية كي تقفز من الضعف المزمن نحو التكثيف المستدام والمرن للإنتاج. غير أن هذا الخيار ينطوي على الجانب السلبي الناجم عن عدم كفاية الفهم للمياه الجوفية وسوء تنظيمها.
وأدت أوجه القصور هذه، عن طريق السماح بالاستغلال المفرط للمياه الجوفية، إلى هبوط منسوب المياه، مما يجعل الضخ من طبقات جوفية أعمق أكثر تكلفة، كما تسببت في مشاكل مثل ملوحة التربة.
كما يمكن أن يؤدي الري بالطاقة الشمسية إلى تفاقم الأمور من خلال السماح باستخراج المزيد من المياه الجوفية بتكلفة أقل، مما يؤثر على المجتمعات المحلية الضعيفة التي تعاني من ضعف فرص الحصول على الموارد المائية.
ويمكن أن تساعد تكنولوجيات الرقابة المبتكرة (مثل المضخات التي تعمل عن بعد وأجهزة قياس المياه الذكية) على مواجهة بعض التحديات. وعلاوة على ذلك، يمكن للخبراء استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لمساعدة الحكومات في السيطرة على التوسع في الري القائم على المياه الجوفية.
وهناك العديد من التكنولوجيات المتاحة لمعالجة وإعادة استخدام المياه المستعملة لأغراض إنتاجية، بما في ذلك رعاية الغابات، والزراعة، والأراضي الطبيعية، وإعادة تغذية المياه الجوفية.
بيد أن عملية اعتماد هذه الخيارات كانت بطيئة حتى الآن بسبب اللوائح العنيدة ووجود فجوة سياسات بين قطاعات الزراعة والصرف الصحي وغيرها من القطاعات.
وعندما تبدأ مشاريع إعادة الاستخدام، فإن عدم وجود تعريفة ملائمة وحوافز اقتصادية يقوض استدامتها حيث يتعذر استرداد تكاليف معالجة المياه المستعملة. وتتمثل الاعتبارات الرئيسية للمضي قدما في اختيار المحاصيل الأنسب للري باستخدام المياه المعاد استخدامها والتدابير اللازمة لمعالجة الشواغل الصحية المحددة.
وأمام مصر الكثير من المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال الجهود الرامية إلى التغلب على هذه الحواجز.
ومع توفر المعالجة المناسبة، فإن مياه الصرف الصحي تستطيع توفير مياه الري والأسمدة لأكثر من 3 مليون فدان من الأراضي الزراعية. ومن شأن ذلك أن يسهم في حفظ المياه العذبة، مما يتيح زيادتها في الاستخدام المنزلي ومجموعة واسعة من الأغراض الإنتاجية.
ويمكن لهذه التكنولوجيات، التي تعززها سياسات جديدة، أن تساعد على تحقيق الأمن المائي. وسيتطلب ذلك التزاما على جميع مستويات المجتمع بمعالجة الحواجز الثقافية التي تعرقل التغيير في استخدام المياه، وتجاوز الانقسامات المؤسسية والسياساتية، وتنقيح اللوائح شديدة الصرامة.
كما إن حلول مشكلة ندرة المياه في متناول اليد. ويتمثل التحدي في تعجيل وتيرة تطوير الابتكار ونشره من أجل الإدارة المستدامة للمياه. ويتطلب هذا بدوره “وعي مائي” جديد، كما هو مذكور في “ما بعد ندرة المياه”، الذي يقر بأن الجميع – من فرادى المزارعين والمستهلكين إلى الشركات والهيئات العامة – يتحملون المسؤولية عن التغلب على ندرة المياه.