الدكتور على عبد الرحمن يكتب: كيف تساعد أداة التمويل الجديد على اجتذاب القطاع الخاص إلى الأسواق الزراعية الصعبة؟
يشتغل أكثر من ثلث سكان السنغال في النشاط الزراع، حيث يزرع كثيرون منهم قطع أرض صغيرة بالذرة الرفيعة والأرز والفول السوداني. وعلى الرغم من أهمية هؤلاء المزارعين بالنسبة للاقتصاد السنغالي، فإنهم لا يقدرون في الغالب على تحمل تكاليف الأسمدة والبذور عالية الغلة وما لها من أهمية بالغة لتحسين الإنتاجية.
ولتغيير هذا الوضع، عكفت إحدى أكبر مؤسسات التمويل الأصغر، وهي “اتحاد الائتمان والادخار من أجل الإنتاج”، منذ وقت طويل على تقديم قروض للمزارعين، لكنها تواجه تحدياً.
فمن أجل الوصول إلى المزيد من المزارعين، يحتاج الاتحاد إلى رأس مال، وتتردد مؤسسات مالية كثيرة في إقراضه الأموال؛ حيث تخشى أن أعماله تنطوي على مخاطر كبيرة لأن عملاءه عبارة عن منشآت أعمال صغيرة ذات خبرة محدودة وليس لها سجل أداء مالي موثق.
وفي حالة اتحاد الائتمان والادخار من أجل الإنتاج، توفر مساندة نافذة القطاع الخاص التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية لهذا المقرض تمويلاً طويل الأجل بسعر فائدة ميسور، مما يسمح له بالوصول إلى العملاء الذين لا يحصلون على خدمات كافية. ومع توفر التمويل، يهدف اتحاد الائتمان والادخار من أجل الإنتاج هذا العام إلى تقديم قروض صغرى إلى نحول مزارع من صغار الملاك.
ويمثل مشروع الاتحاد واحداً من نحو 30 مشروعاً ساندته نافذة القطاع الخاص في أفريقيا منذ بداية ظهور جائحة كورونا. ففي ظل معاناة القارة من ضائقة ائتمانية وأول حالة ركود تشهدها منذ جيل كامل، لعبت النافذة دوراً محوريّاً في المساعدة في الحيلولة دون انهيار منشآت الأعمال وانطلاق الاستثمارات الجديدة. ومنذ مارس/آذار 2020، قدمت النافذة مساندة لتخفيف مخاطر استثمارات مؤسسة التمويل الدولية في مختلف أنحاء أفريقيا، بما في ذلك البنوك والشركات المصنّعة والعيادات ومنتجي الأسمدة والمزارعين.
وإلى جانب حالات الوفاة والإصابة التي تسببت فيها جائحة كورونا، فإنها تهدد بالزجّ بما يصل إلى 150 مليون نسمة في براثن الفقر على مستوى العالم. فعلى مدى العامين الماضيين، في الآونة الأخيرة في أثناء زياراتي لبعض بلدان المنطقة، رأيت تأثير ذلك على الأسر، من حيث فقدان الوظائف وانخفاض مستويات الدخل وتناقص المدخرات. وكشخص مهمته مساعدة أفريقيا على تحقيق إمكاناتها الهائلة، فقد أثلج صدري أن رأيت كيف تساعد نافذة القطاع الخاص التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية القارة على التعافي من الجائحة.
وهناك أربعة وسبعون بلداً من أشد بلدان العالم فقراً، من ضمنها 39 دولة أفريقية، مؤهلة للحصول على تمويل من المؤسسة الدولية للتنمية، التي تقدم للدول منحاً وقروضاً بأسعار فائدة منخفضة أو بدون فوائد على الإطلاق.
لكنه اتضح منذ زمن طويل في تلك البلدان أن الحكومات وحدها لا تستطيع توفير الوظائف والمدارس والمستشفيات وشبكات الصرف الصحي والبنية التحتية للكهرباء اللازمة لإنهاء العقود التي مرّت بها من الفقر، بل تحتاج هذه الدول إلى مساعدة القطاع الخاص، حيث تستطيع الشركات الخاصة، بإبداعها وبقدرتها الملائمة على الحصول على رأس المال، خلق فرص العمل وتوليد الابتكار وتحفيز النمو الاقتصادي. وهذا نموذج أحدث تحولاً في كثير من البلدان حول العالم.
ولكن كيف تشجعون الشركات على الاستثمار في أشد دول العالم فقراً، حيث تمخضت سنوات من الصراع والفقر والآن جائحة كورونا عن تقويض الاقتصادات؟ أبلغني عدد لا يحصى من المستثمرين بأنهم يرون فرصاً في أفريقيا، لكن هناك عدداً أقل مما ينبغي من منشآت الأعمال التي تتمتع بسجل أداء حافل في مجال الاستثمار، وهذا من الأسباب التي دفعت مجموعة البنك الدولي إلى إنشاء نافذة القطاع الخاص.
وتجدر الإشارة إلى أن نافذة القطاع الخاص ليست هدية مجانية لشركات القطاع الخاص، بل بالأحرى أداة لتخفيف المخاطر والاستثمارات المشتركة تتيح لمؤسسة التمويل الدولية مساندة المزيد من المشروعات عالية المخاطر التي تتمتع بإمكانات على صعيد إحداث تحول في حياة الناس. ويتم تنفيذ جميع المشروعات بما يتوافق بشكل وثيق مع الاستراتيجية الإنمائية للبلد المعني وباتباع إرشادات صارمة. والأهم من ذلك كله ضرورة ألا يتسبب استخدام النافذة في تشويه الأسواق المحلية، وهذا يعني ببساطة أنه في حالة توفّر مصدر تمويل من القطاع الخاص، فلا ينبغي استخدام الموارد العامة.
وعندما يستوفي أي مشروع بعينه المعايير الموضوعة، فبإمكان النافذة تحقيق أثر هائل. وحتى الآن، ساعدت مساندة من نافذة القطاع الخاص على تعبئة تمويل مختلف أنحاء العالم، وهذا يبرهن على إمكانية الاستفادة بدرجة كبيرة من التمويل الميسر في جلب المزيد من الموارد إلى الطاولة.
وقد حققت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، التي يقطنها مليار نسمة، في العقود الأخيرة بعض التقدم في مكافحة الفقر، لكن هذا التقدم عرضة للخطر الآن، حيث تهدد جائحة كورونا، لا سيما في أشد دول المنطقة هشاشة، بتقويض ما أُحرز من تقدم. وتعد نافذة القطاع الخاص أداة لا غنى عنها في الحيلولة دون حدوث تدهور في بعض ذلك على الأقل.
أعلم أن نافذة تمويل واحدة لا يمكنها وحدها علاج جميع العلل الاقتصادية التي تعاني منها القارة. ومازال يتعين على حكومات كثيرة إرساء أساس تنظيمي أقوى لنمو القطاع الخاص بالحد من الروتين الإداري، والتصدي للفساد، ووضع قوانين تشجع الاستثمارات في كل شيء من الزراعة إلى الرعاية الصحية إلى توصيل الكهرباء.
ولكن في اعتقادي أن النجاح المبكر لنافذة القطاع الخاص يبرهن على إمكانية إحراز تقدم حقيقي حتى في أشد البلدان فقراً وفي خضمّ جائحة تتفشى؛ لذا يحدوني الأمل في أن تتضمن العملية العشرون لتجديد موارد المؤسسة الجاري إعدادها الآن تجديد الالتزام بنافذة القطاع الخاص. وسيسمح لنا هذا بأن نكون أكثر طموحاً في سعينا إلى جلب استثمارات مستدامة ومسؤولة إلى الأماكن التي هي في أشد الحاجة إليها.