أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : تحقيق التنمية بين الوازع الدينى ومجابهة الفساد

تحقيق التنمية فى اى بلد تحتاج إلى بيئة خالية من الفساد و دولة القانون تهتم بمجابهة الفساد وتحاربه بوسائل شتى بداية من الحوكمة والشفافية والعدالة وحسن الاختيار والأجهزة الرقابية وسن التشريعات والقوانين التى تطبق على الجميع بغض النظر عن مرتكب الفساد وهذا ما يظهر جليا فى ما تكشف عنه الأجهزة الرقابية للدولة المصرية من قضايا فساد كبيرة كان أصحابها يظنون أنهم فى مأمن أو محصنون .
لكن بجب أن نفرق بين التزام المواطن بالقانون ونظم الدولة رغما عنه وبين أن يكون الوازع داخلى فيكون الإنسان لديه ضمير زدين يأمره بالصلاح والإصلاح وينهاه عن الفساد والأفساد .
وهذا ما جاءت به جميع الشرائع السماوية وفى الختام منها الشريعة الإسلامية فهى فما الشرائع تؤكد بأنه لايكون الإنسان مؤمنا الا إذا كان صالحاً في قوله وعمله،وسلوكه وليس ذلك فقط بل يكون مهتما بهموم وقضايا مجتمعه ووطنه فيكون إيجابيا ومُصلحاً لغيره فالصالح يكتفى بصلاح نفسه وأما المصلح فهو يحمل هموم غيره ووطنه ويتصدى لقضاياه..
ونجد أنه كل يوم تكشف الأجهزة الرقابية قضايا فساد كبيرة مع أن الفساد يبدأ من داخل الإنسان
ودائما الفاسدون يتجملون وتجد منهم من يرفع شعار الإصلاح كى يخدع من حوله
وهناك صراع دائم بين المفسدين والمصلحين إلى قيام الساعة لان ا الفساد معرف من قبل خلق آدم عليه السلام ويتضح ذلك عندما قالت الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)
ومن يدعى الصلاح وهو فاسد قدوته فرعون فقد كان اكبر المفسدين ومع ذلك كان يدعى أنه هو الذى يقاوم الفساد يقول تعالى : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}
وهؤلاء إذا تم نصحهم يقولون -: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ،)
ومهما كانت كفائة الأجهزة فى المكافحة إلا أنه تبقى الطريقة المجدية أن تكون الرقابة داخلية والوازع دينى بترسيخ القيم الفاضلة التى ترسخ المثل العليا وقيم الصلاح والإصلاح
وهذه من أهم خصائص الشريعةُ الإسلاميةُ فهى دين ودنيا, عقيدة وشريعة وأخلاق وسلوك ومعاملة لتصلح الفرد والمجتمع والبلاد والعباد والدنياوالآخرة ,وأغلقت كل كلَّ أبوابَ الفسادِ والإفسادِ فى الأرضِ
وفرقت بين أهل الإصلاح وأهل الإفساد
: يقول تعالى { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }
والله خلق الكون والأرض على الصلاح وأمر بعدم الافساد يقول تعالى : {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي ألارض بعد إصلاحها ).
وكل الرسل والأنبياء كانت تدعو للإصلاح وتنهى عن الفساد ومن يسير على هذا المنهج فهو منهج ربانى وقدوته الانبياء والمرسلين والصالحون يقول تعالى – – على لسـان شعيب – عليه السلام -: { إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ}
ومن يحارب الفساد عليه أن لايفرق بين القوى والضعيف فقد ورد عَنْ السيدة عَائِشَةَ – رضي الله عنها -: قالت: (إِنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمِ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»).

مجالات الفساد متنوعة .
اولا فساد البيئة والأرض ولا الفساد فى الارض بصوره وأشكاله المتعددة سواء بالتخريب أو التجريف أو تدمير المنشئات حرق الأشجار والغابات تلويث البيئة الخ
ثانيا الفساد المجتمعى
يقول تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
مثل ( السحرُ)يقول تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ) وسمى اللهُ عملَ السحرةِ بأنّه عملُ المفسدين، لما يترتبُ عليه مِن فسادِ الأُسَرِ والتفريقِ بين الزوجين وخرابِ البيوتِ و( قتلُ النفسِ) التي حرمَ اللهُ وزعزعةُ الأمن و (نشر الفواحش )والمعاصة و(ألارجاف)ونشر الشائعات والأكاذيب وترويجها باستغلالُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ المعاصرة و(التجسسِ) علي الناسِ، واختراقِ خصوصياتِهم، وتتبعِ عوراتِهم وغيرِ ذلك مما يعدُّ تهديدًا لأمنِ المجتمعِ واستقرارِهِ، وهذا من الإرجافِ المنهي عنه، حيثُ يقولُ تعالى: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا،).

ثالثا- الفسادُ المالي: مثل السرقةِ والاختلاسِ والرشوةِ، والتربُّحِ من الوظيفةِ، واستغلالِ الجاهِ والسلطانِ والربا، والقمارِ ومنعِ الزكاةِ، وصورِ خيانةِ الأمانةِ في المعاملاتِ الماليةِ، والإنفاقِ في الحرام كالانفاق فى المخدراتِ والمسكراتِ وترويجها
رابعا – الفسادُ الإداري: وذلك بتقديمِ ذوي الحسبِ أو الثقةِ على الكفاءاتِ في شتى مجالاتِ المجتمعِ.
وجزاء الافساد فى الارض يقول الله تعالى عنه {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
أما مجالات الإصلاح متعددة
اولا – يبدأ الإصلاح من النفس ثم للوالدين ببرهما و الأهل وذَوِي الأرحامِ والجيـران وينتهي بعموم الناس
ثانيا -الإصلاح في الأسرة من أهم صلاح المجتمع فاستقرغر الأسرة استقرار المجتمع يقول تعالى {وَإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَينهما
رابعا – الاصلاح فى اليتامى والضعفاء وذوى الهمم يقول تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإن تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْـمُفْسِدَ مِنَ الْـمُصْلِحِ} [البقرة: 220]. وفيه الرعاية والدمج الاجتماهى لهم .
خامسا-الإصلاح بين الطوائف المختلفة التى وصلت إلى التَّقاطع والتَّدابر؛ بل إلى التَّقاتل والتَّناحُرِ،يقول تعالى -: {وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}
سادسا -اصلاح ذات البين لأن إفسادُ ذاتِ البَيْنِ يَحْلِقُ الدِّينَ، ويُذْكِي العَدَوات ويفرِّق بين الأحباب قال – تعالى -: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
ثمرات الصلاح والإصلاح تعالج فساد المجتمع :
١- -رفع درجات المصلحين دنيا وآخرة يقول تعالى {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِـحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}
٢ -يأمن من المخاوف والأحزان
. قال – سبحانه -: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}
٣- الإصلاح سبب من أسباب رحمة الله ومغفـرته. قال – سبحانه -: {وَإن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} وقال – جل وعلا -: {إن تَكُونُوا صَالِـحِينَ فَإنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}
٤- الله. لايضيع أجر المصلحين، فأجرهم عند الله محفوظ.قال – تعالى -: {إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ}
٥- الصالحون يستحقون ولاية الله. قال – جل وعلا -: {إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِـحِينَ}
٦- الله ينجي أهل البلاد إن كان غالب حال أهلها الصلاح، والعكس بالعكس. يقول تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}
٧-الصلاح يوجـب وراثـة الأرض والاسـتخلاف فيهـا. قـال – سبحانه -: {… أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِـحُونَ}
جعلنا الله من أهل الصلاح والإصلاح ووقانا الفتن ما ظهر منها ومابطن





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى