الدكتور على عبد الرحمن يكتب : الماء والغذاء والطاقة (نهج الترابط)
إن موارد المياه الجوفية تنضب بوتيرة سريعة، وإذا استمر نهج بقاء الأمور على حالها في استغلال هذه الموارد الشحيحة، فمن المتوقع أن تتلاشى خلال ما يقرب من 30 عاما، وسيكون لذلك تأثير مدمر على المجتمعات المحلية وموارد كسب الرزق التي تعتمد على هذه المياه.
حيث سينخفض الإنتاج الزراعي، بيد أنه مما يدعو إلى التفاؤل أن النمط الحالي لاستغلال هذه الموارد ليس قدرا محتوما، فثمة تدابير يمكن القيام بها، لكن مشكلة المياه لا يمكن معالجتها بمعزل عن غيرها. فمواجهة شح المياه ترتبط ارتباطا وثيقا بالطاقة والزراعة، وهناك حاجة إلى نظرة أوسع نطاقا لوضع سياسات تتصدى لهذه العلاقة.
وستعمل محطات معالجة المياه الجديدة على تحسين الصحة العامة وأيضا على توفير الوسائل لتجديد موارد تلك المكامن، وفي حين تقدم المحطة الحل لمياه الصرف، فإن استمرارها في توفير هذه المنافع سيتوقف على مواصلة توفر إمدادات الكهرباء.
ومن الممكن أن تشمل هذه المنافع أيضا تلبية الطلب على المياه الذي يؤدي إلى إفراغ مكمن المياه الجوفية، هذا إذا كانت المياه المعالجة تستخدم للزراعة، التي تعد أكبر مستهلك للمياه.
وجرت العادة على أن تكون المياه والطاقة والزراعة محل تركيز سياسات منفصلة، كل منها بتخطيطه الاستثماري المنعزل عن الآخر، حيث وضعت الأطر التنظيمية والمؤسسات والبنى الأساسية للتصدي للتحديات والمطالب الخاصة بكل من هذه القطاعات.
وفي حين تعمل مصر على بناء مستقبل أكثر استدامة، تعن الحاجة إلى نهج جديد يتناول المصير المشترك لهذه القطاعات المختلفة، يطلق على ذلك مصطلح “نهج الترابط ” .
ولإثبات القيمة المضافة لهذا النهج، من خلال نماذج للترابط بين المياه والغذاء والطاقة ويحللها.
ويجد التحليل أن شح المياه سيتفاقم في جميع بلدان المنطقة على مدى العقود القادمة، وسيكون السبب الغالب في ذلك هو تزايد الطلب، حبث احتمال نفاد المياه الجوفية الأحفورية بحلول عام 2050 ما لم تُتخذ الإجراءات الكفيلة بالحد من الاستخراج الجائر لهذه المياه.
ويشكل تقليص اعتماد قطاعي الزراعة والطاقة على المياه عنصرا أساسيا، وذلك بالتزامن مع الاستمرار في الحفاظ على كمية هذه المياه بل وزيادتها.
وبالنسبة للطاقة، فإن التحول إلى المصادر المتجددة منها يمكن أن يخفض الطلب على المياه، فضلا عن الميزة الإضافية لذلك والمتمثلة في الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. كما أن الطاقة المتجددة تعزز أمن الطاقة من خلال تقليص الاعتماد على واردات الوقود.
ولصعوبة هذه التحديات، بل وسيجعل وضع استراتيجيات شاملة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، فإن السياسات التي تحد من اعتماد الاقتصاد على المياه وتتوقع أن تكون هناك آثار مناخية على هذا “الترابط” ستكون مهمة لاستمرار التنمية والاستقرار بشكل دائم.
وعلاوة على ذلك، تلعب أنظمة الزراعة والإنتاج الغذائي دورا رئيسيا في إعلاء قيمة المياه واستخدامها بطريقة أكثر إنتاجية.
ومن بين الإجراءات التي تقود إلى تحقيق ذلك مراقبة استخدام المياه، وتحديث أنظمة الري، وزيادة إنتاجية المياه في الحقول، والحد من الفاقد في المياه في سلاسل توريد الغذاء.
وبالمثل، فإن الاستغناء المرحلي عن تقنيات توليد الطاقة الحرارية التي تحتاج إلى كثافة في المياه للتبريد، وتحسين الكفاءة يمكن أن يقطعان شوطا كبيرا في الحد من الاحتياج للمياه لتوليد الكهرباء. وللتعامل مع شح المياه المتزايد، فمن المرجح التخلص المرحلي من محطات الكهرباء التي تستخدم تقنيات دورة التبريد المفتوحة واستبدالها بتقنيات أقل كثافة في استخدام المياه وأكثر اعتمادا على تقنيات تدوير مياه البحر أو التبريد الجاف.
الخلاصة، ستحسن صنعا لو أنها دمجت مختلف السياسات الخاصة بالمياه والطاقة والزراعة لتحسين كافة القطاعات وأيضا الاقتصادات التي يعتمد عليها الإنسان.
الدكتور على عبد الرحمن رئيس الاتحاد الدولي للاستثمار والتنمية والبيئة