أخباررئيسيمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور على عبد الرحمن يكتب : سياسات الأمن الغذائي والتجارة الزراعية

يوجد الأمن الغذائي عندما تكون لجميع السكان، في جميع الأوقات، فرصة الحصول على الغذاء الكافي والسليم والمغذي بما يفي باحتياجاتهم التغذوية وأفضلياتهم الغذائية للتمتع بحياة نشطة وصحية.

ويعتبر توفير الغذاء هو إحدي المهام الرئيسية لأية دولة ويترتب علي ذلك أن قضية الغذاء تمثل أحد المكونات الرئيسية للأمن القومي‏.‏
ولهذا السبب تقوم أغلب البلدان الأوروبية وأمريكا بدعم الزراعة والمزارعين فيها، وكنتيجة للارتفاع الكبير في أسعار الحبوب، والذي من المتوقع استمراره لعدة سنوات مقبلة.
لهذا، فإن قضية الأمن الغذائي تعيد طرح نفسها بقوة علي كل البلدان النامية وتدعوها إلي إعادة النظر في استراتيجياتها التنموية عموما والزراعية بشكل خاص، علي أنه من الضروري عند المناقشة الموضوعية لهذه القضية أن يتم التمييز بوضوح بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي والتجارة الزراعية، وألا يدفعنا إلحاح وصعوبة اللحظة الراهنة إلي تبني بدائل لا تحقق الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة‏.‏
فالاكتفاء الذاتي يقصد به سعي الدولة إلي انتاج كل ما تحتاجه من حبوب ومواد غذائية أساسية وهو هدف لا يمكن لكل الدول تحقيقه بسبب عدم توافر الأرض أو المياه أو لأسباب تتعلق بالميزة التنافسية للزراعة فيها.
• يعاون البرنامج الأمن الغذائي الحكومات على تكرار ممارسات الأمن الغذائي الناجحة على الصعيد الوطني.
• كما يشجع البرنامج الاستثمار في البنية الأساسية الريفية، وإدرار الدخل غير الزراعي، والزراعة في المناطق الحضرية، وشبكات الأمان.
• ويتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة توفر لهم النشاط والصحة.
• مفاهيم تتعلق بالأمن الغذائي: قضية الأمن الغذاء مشكلة جوهرية بل إنها تأخذ أهمية قصوى في ظل بعض الظروف السياسية الخاصة، وتزايد السكان المطرد يتطلب تنمية زراعية متطورة ومدروسة ولفهم أبعاد هذه المسألة لا بد من التعريف ببعض المصطلحات التي ينبني سياسات الأمن الغذائي.
• مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي: يعرف الاكتفاء الذاتي الغذائي “بقدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا”. إلا أن هذا المفهوم أثيرت حوله مجموعة من التحفظات أهمها:
1. الطابع الأيديولوجي
2. نسبية مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي
3. إمكانية تحقيق عمليا
4. مدى العقلانية الاقتصادية لهذا المفهوم
• يمكن التمييز بين مستويين للأمن الغذائي: مطلق ونسبي:
1. الأمن الغذائي المطلق: يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أويفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويعرف أيضا بالأمن الغذائي الذاتي. ومن الواضح أن مثل هذا التحديد المطلق الواسع للأمن الغذائي توجه له انتقادات كثيرة إضافة إلى أنه غير واقعي، كما أنه يفوت على الدولة أو القطر المعني إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية.
2. الأمن الغذائي النسبي: فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أوجزئيا. ويعرّف أيضا بأنه قدرة قطر ما أومجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعهم أومجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كليا أوجزئيا وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام. وبناء على هذا التعريف السابق فإن مفهوم الأمن الغذائي النسبي لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية، بل يقصد به أساسا توفير المواد اللازمة لتوفير هذه الاحتياجات من خلال منتجات أخرى يتمتع فيها القطر المعني أوالأقطار المعنية بميزة نسبية على الأقطار الأخرى. وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين.
• وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الأمن الغذائي، له المحاور الآتية:
1. وفرة السلع الغذائية.
2. وجود السلع الغذائية في السوق بشكل دائم.
3. أن تكون أسعار السلع في متناول المواطنين.
4. الغذاء الآمن.
• ومفهوم الاكتفاء الغذائي الكامل: يعتبر مفهوما عاما وغير واضح،إذا لم يوضع في إطار جغرافي وتاريخي محدد، كما أنه في بعض الأحيان يحمل شحنة أيديولوجية. ويتعلق التحفظ الثاني بنسبية مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي، هل هو عند الحد الأدنى في توفير الاحتياجات الغذائية أوالحد المتوسط أوالحد الأعلى؟ فلابد من ربط هذا بالمستوى الاقتصادي والمعيشي للمجتمعات أوالمجتمع.
• كما يعتبر التحفظ الثالث أن الاكتفاء الذاتي الغذائي الكامل قد يكون هدفا قوميا نبيلا، إلا أن تحقيقه مرتبط بالدرجة الأولى بالموارد المتاحة وقدرتها على الوفاء بالاحتياجات. وقد يقرر أحد الأقطار المضي في تحقيق هذا الهدف، إلا أن ذلك يكلفه تضحيات اقتصادية واجتماعية باهظة إذا ما قورنت بحلول أكثر وسطية.
• أما التحفظ الأخير فيتعلق بمدى العقلانية في القرار الاقتصادي القاضي بسياسة الاكتفاء الذاتي الغذائي الكامل، إذ الموارد الزراعية محدودة وقطاع الزراعة هش لأنه يرتبط بصورة مباشرة بالتغيرات المناخية مما يجعل التعويل عليه بصورة مطلقة قرارا اقتصاديا غير رشيد.
• كما أنه في ظل العولمة الاقتصادية وما رافقها من تحرير التبادل التجاري في إطار المنظمة العالمية للتجارة، فإن معيار الاختيار الرشيد يميل إلى اعتبار التكلفة الأفضل بغض النظر أو دون تمييز بين إنتاج محلي أو إنتاج خارجي.
• وهناك اعتبار ثالث يتعلق بارتفاع مستويات المعيشة وتعدد متطلبات وأذواق المستهلكين لدرجة يصعب معها أن تنتج كلها محليا.
• ورغم وجاهة التحفظات حول مفهوم الاكتفاء الغذائي الذاتي الكامل فإن اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي الكامل أوالجزئي من السلع الاستهلاكية يعتبر خيارا إستراتيجيا يجب عدم التنازل عنه مهما كلف من ثمن. ويجب علي الحكومات التاكيد في التضحية الاقتصادية في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض السلع.
• المحاورضرورية للأمن الغذائي: التنسيق ـ الإدارة ـ المتابعة ـ التكامل ـ الجدية ـ المبادرة ـ اغتنام الفرص ـ البنية الأساسية(صوامع ـ مطاحن ـ مخابز ـ …) ـ المراجعة ـ الاستدامة ـ البيئة ـ إشراك المجتمع ـ الشفافية ـ العمليات الزراعية المشاركة( Agri – business) ـ مراقبة الأسواق ـ الجودة.
• ومن استقراء خبرات الدول الأخري فان الاستراتيجية الزراعية الناجحة ينبغي أن تراعي مايلي‏:‏
1. استقرار السياسات الزراعية وعدم تغييرها بتغير الأشخاص حتي يحدث استقرار مماثل في سلوك المزارعين وتوقعاتهم‏.‏
2. استخدام الأسعار كحافز للتأثير علي اختيارات المزارعين وتشجيعهم علي زراعة محاصيل معينة‏.‏
3. العمل علي زيادة الانتاج من ناحية وترشيد الاستهلاك وتقليل الفاقد من ناحية أخري.
4. دراسة الجدوي الاقتصادية من زراعة محاصيل معينة بناء علي معيار انتاجية المياه ومدي ما تستهلكه تلك المحاصيل من الماء‏.‏ فلقد تعودنا لمدة طويلة أن نتحدث عن انتاجية الأرض دون الالتفات بشكل كاف إلي تكلفة استخدام المياه والعائد المتوقع منها‏.‏ وبالنظر إلي التقارير التي تشير إلي تنامي ندرة المياه في المنطقة العربية ومصر علي ضوء التغيرات المناخية المتوقعة وزيادة عدد السكان فان معيار إنتاجية المياه ينبغي أن يحظي بأهمية أكبر في تقديراتنا‏.‏
5. مقارنة جدوي التوسع في زراعة محصول ما بجدوي تعظيم العائد الاقتصادي المترتب علي زراعة محاصيل تصديرية أخري أكثر سعرا تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية‏.‏

• فالأمن الغذائي: إذن، هو تحفيز قدرات وفعل منسق وعمل هادف لحل معضلات محددة، فرضها واقع (زراعي صناعي – اجتماعي – اقتصادي) في بلد ما، أو في منطقة جغرافية معينة، وبالإمكان تحديد مفهوم الأمن الغذائي ليشمل ضمان توفير بعض السلع الغذائية في الأسواق المحلية على مدار العام، وبأسعار مناسبة، وذات قيمة غذائية تكفل للإنسان بقاءه حياً وتمكنه من أداء مهامه الاقتصادية بصورة صحيحة مناسبة.
• وقد تفاوتت النظرة إلى المجال الحيوي الذي يجب فيه توفير الأمن الغذائي، ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن الأمن الغذائي يجب توفيره على المستوى العالمي، أي أن يكون الغذاء المنتج في العالم يكفي لسد احتياجات سكان العالم، نجد أن البعض الآخر يعتقد أن الأمن الغذائي يجب توفيره على المستوى العالمي، نجد أن البعض الآخر يعتقد أن تحقيق الأمن الغذائي يجب أن يكون على المستوى الإقليمي، أي أن يستطيع الإقليم إنتاج ما يكفي لحاجة سكانه من الغذاء، كما نجد أن البعض يغالي حتى الاعتقاد بأن تحقيق الأمن الغذائي يجب أن كون على مستوى كل دولة على حدة، وبحيث تستطيع كل دولة أن تضع خططها وبرامجها لإنتاج حاجتها من السلع الغذائية الاستراتيجية، منعاً من التأثير عليها أو التحكم في أي مصدر من مصادر الغذاء.
• الفجوة الغذائية:هي مقدار الفرق بين ما تنتجه الدولة ذاتياً وما تحتاجه إلى الاستهلاك من الغذاء، كما يعبر عنها أيضاً بالعجز في الإنتاج المحلي عن تغطية حاجات الاستهلاك عن السلع الغذائية، والذي يتم تأمينه بالاستيراد من الخارج. والفجوة الغذائية – بهذا التعريف – تشمل الوضع الغذائي الراهن، وفق عادات الاستهلاك في الدولة، وبالمعدلات التي يتناولها الفرد من مختلف أنواع الأغذية، وهي بذلك لا تتطرق إلى تحديد الكميات الواجب تناولها من الغذاء، ولا إلى تحسين نوعية الغذاء المستخدم، سواء من حيث السعرات التي يحصل عليها الفرد أومكوناته من البروتين النباتي والحيواني، وإنما يؤخذ بعين الاعتبار تطور الطلب الطبيعي على الغذاء ( نتيجة لعوامل الداخلية في الدولة) والتغير الذي يمكن يحصل على عادات الاستهلاك نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تسود الدولة.
• وتتمثل خطورة الفجوة الغذائية التي تواجه البلدان المختلفة في العاملين:
1. العامل الأول: هو استحالة تأمين الدول لما تحتاجه من مواد غذائية من مواردها المحلية، في ظل الظروف والمعطيات الحالية.
2. العامل الثاني: يكمن في توافر ما تحتاجه الدول من غذاء تحت سيطرة بلدان قليلة في العالم، والتي قد تلجأ إلى استخدام الغذاء كسلاح اقتصادي أو سياسي.
• ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية: يتضح من ذلك أن أزمة الغذاء وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية هي أزمة حقيقية تمس جميع شعوب العالم، وإن كان تأثيرها الأكبر على الدول المستوردة للغذاء.
• نتيجة لنقص المعروض من الغذاء من ناحية، وزيادة الطلب عليه من الناحية الأخرى، ارتفعت في السنوات الأخيرة أسعار القمح والأرز والحبوب الزيتية وغيرها من سلع الغذاء لتصل إلى مستويات قياسية.
• ساهمت عوامل اقتصادية أخرى أيضاً في البروز القوي لظاهرة ارتفاع الأسعار في تلك الفترة، متمثلة في ارتفاع أسعار النفط، وتأرجح أسعار بعض العملات الرئيسية؛ والتوسع في إنتاج الوقود الحيوي.
• الإجراءات التي يمكن بها تفادي ظاهرة ارتفاع الأسعار:
1. الحفاظ علي مخزون استراتيجي آمن من أجل توفير السلع الاستهلاكية الأساسية.
2. التفعيل الذي تم للدور الرقابي، ومكافحة الاحتكار والتلاعب في الأسعار، وحماية المستهلك.
3. الاهتمام الكبير بتنظيم أسواق الجملة والتجزئة للسلع الغذائية.
4. إعداد لائحة تنظيمية موحدة لجميع أسواق الجملة والتجزئة.
5. الاهتمام بالمواصفات الصحية والجودة للسلع الغذائية وإحكام الرقابة وتشديدها.
6. الاهتمام بالمواصفات والاعتبارات البيئية.
7. الاهتمام بالرقابة علي التجارة الزراعية.

• التجارة وتوافر الغذاء: تعد السوق العالمية مصدرا لا غنى عنه للإمدادات الغذائية بالنسبة لكثير من البلدان النامية، ولاسيما البلدان التى تؤدى فيها العوامل الطبيعية أوغيرها من العوامل إلى الحد من الإنتاج، علاوة على ازدياد اعتمادها على التجارة.
• وبقدر ما يدل هذا الاعتماد المتزايد على الواردات من جانب البلدان النامية على اختيار اقتصادى يمكن تحمل تبعاته، فإنه يمثل تطورا عاديا لا يبعث على الشعور بالقلق. وتدل عملية استيراد أى سلعة على أن هذه السلعة يمكن الحصول عليها من الخارج بسعر أقل من قيمتها لو أنها أُنتِجت محليا.
• ورغم وجود أسباب محددة تجعل بعض البلدان تحرص على تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتى من الغذاء، فمن الأفضل من الناحية الاقتصادية عموما اتباع سياسة أكثر مرونة وهى تحقيق الاعتماد على الذات فى الغذاء.
• ومع ذلك، هناك شرطان مهمان ضروريان للاعتماد على مثل هذه الاستراتيجية:
1. الشرط الأول يتعلق بالقدرة على الاستيراد، أى قدرة البلدان النامية على إنتاج سلع وخدمات أخرى وتحقيق نقد أجنبى عن طريق التجارة يمكنها من استيراد الغذاء.
2. الشرط الثانى فيتعلق بالقدرة على الاعتماد على السوق العالمية كمصدر لإمدادات
• ورغم أن واردات البلدان النامية من الغذاء قد ازدادت بأرقامها المطلقة، بقى الإنفاق على استيراد الأغذية ضمن مجموع الواردات دون تغيير تقريبا فى معظم البلدان النامية، بل إنه انخفض انخفاضا جوهريا فى بعضها.
• وتكون البلدان النامية عموما قد استطاعت خفض ما تنفقه على المنتجات الغذائية من مجموع ما تنفقه على الواردات، وهذا يعنى ضمنيا أنها زادت مما تنفقه على السلع والخدمات الأخرى.
• وفيما يتعلق بحصيلة البلدان النامية من الصادرات الزراعية، لم يكن الموقف بالنسبة للسلع التقليدية مواتيا كثيرا فى العقود الأخيرة.


أ.د/علي عبدالرحمن علي – مستشار وزير التجارة والتموين الأسبق





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى