أخباررئيسيمجتمع الزراعةمحاصيلمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : نقطة نظام بدون زعل !! عن خبز البطاطا والقمح الفرعونى

نقطة نظام بدون زعل !!!
هناك فرق بين البحث العلمى الحقيقى والتجارة به.
من المؤكد أن كل الدول وفى مقدمتها الدولة المصرية تعمل على تشجيع البحوث العلمية وخاصة البحوث التطبيقية و،هناك طرق علمية معروفة وخاصة المجلات العلمية المتخصصة هى التى تحكم هذه البحوث وتخضع للنقاش والتقييم ، ولكن هناك عدة مناوشات ظهرت فى الفترة الماضية أثارت انتباهى واتابعها عن بعد.

إن بعض الباحثين كان له جهد ما فى إجراء بحث معين أو يقول انه توصل لتركيب وراثى معين مثل تركيب وراثى من الأرز نسبه صاحبه إلى نفسه يتحمل نقص المياه أو صنف قمح يطلق عليه اسم القمح الفرعوني، ومن خلال الميديا يحاول تسويقه على الجميع ويمكن أن يستغل المزارع المصرى البسيط، وفعلا الكثير من المزارعون وقعوا فريسة هذا الاستغلال.

وأى اعتراضات أو أى نقد يكون معناه بالنسبة لهؤلاء أن هناك تيار مقاوم للنجاح وأن هناك أيدى خفيه تعمل على هدم جهودهم.

وبالتأكيد سوف يجد من الميديا الإعلامية من يجعل منه بطلا قوميا  إما عن حسن نيه من الإعلام أو بسوء نيه لتشويه المؤسسات الوطنية والدولة المصرية .
كما ظهر أحد الباحثين يقول أنه توصل إلى تركيب وراثى من البطاطا ملأ به منصات التواصل الاجتماعى مبشرا بهذا الإكتشاف العظيم الذى سيحل مشكلة مصر والعالم، وأصبح التواصل الاجتماعى والإعلام هو الذى يقيم البحوث ويقيم جهود الباحثين وبالتالى من يصرخ أكثر يكسب أكثر .

ظواهر غير صحية :

وهذه الظواهر بالتأكيد ظواهر غير صحية لأن فيها ابتزاز لمؤسسات الدولة وتصدير للرأى العام وأن المؤسسات الوطنية لا يهمها الوطن ولاتشجع البحث العلمى وتعمل ضدد الباحثين النجباء.. وهذا غير صحيح بالمرة.

وكان الهدف من  كتابتى لهذا المقال توضيح  عدد من النقاط وهى كما يلى  :

أولا – انا لا أعرف أى من هؤلاء الباحثين بصفة شخصية وليس هناك أى علاقة معهم من أى نوع وانا أحترم زواتهم و اقدر جهد أى زميل أو باحث واحترم تعبه ولا اشكك أبدا فى وطنيته وإنما اناقش الأمر علميا من ناحية منهجية وقواعد البحث العلمى التى ندرسها لطلابنا فى الجامعة .
ثانيا . من هذه القواعد نلفت النظر إلى أن هناك فرق بين إجراء البحث وتقييم البحث .. فإجراء البحث يكون من قبل الباحث نفسه فقد يصيب او يخطئ .
أما تقيم البحث بداية من فكرته و طريقة إجرائة والنتائج التى تم التوصل إليها وطريقة عرضه فهذا عمل المجلات العلمية المتخصصة وليست وسائل الإعلام والتوصل الاجتماعى.
ثالثا ، البحث الذى بتم نشره فى المجلات العلمية لا يعنى أنه أصبح محصن ضد النقد واسألوا اللجان العلمية ولجان الترقيات العلمية .
بالتالى يمكن نقده والاختلاف معه بعد ذلك وكل البحوث حولها  اتفاق واختلاف بل النظريات يتم نقدها فالحقائق العلمية قليلة جدا.

رابعا -إذا كان البحث يخرج بتوصية فنية ما ، مثل استخدام مبيد معين أو الوصول لتركيب وراثى معين أو أى توصية من قبل رأى الباحث، فمن أبجديات العلوم أنه لا يمكن أن يتم تعميم التوصية بناء على بحث واحد أو شخص واحد لأن نتائج البحث محكومة بظروف البحث وبيئته وزمنه
بل التوصية العامة لابد أن تكون مبنية على العديد من البحوث التى تؤكد هذه التوصية وبالتالى تتحول النظرية الفرضية إلى توصية علمية يمكن أن يؤخذ بها، لأن سياسات الوزارة سياسة عامة وليست فردية .
خامسا : إذا توصل الباحث إلى تركيب وراثى ما وطبعا هذا يحتاج إلى جهد كبير وغنى عن التعريف للمتخصصين صعوبة أن يقوم شخص بمفرده بالوصول إلى صنف من غير تعاون الزملاء فى كل الأقسام
ومع افتراض ذلك فإنه لا يجب أن يكون هو نفسه الحكم على العمل لأنه  من المنطقى سيكون متحيز فى هذا  الحكم، كما لا يصح أن تكون منصات التواصل الاجتماعى او وسائل الإعلام هى من تجيز بحثه  ولا أى جهة إدارية حتى المحاكم لأن كل هؤلاء غير متخصصين وغير فنيين.

ولكن يجب أن يكون الحكم من خلال لجان خاصة لتسجيل الأصناف ويجب أن تكون هذه اللجان محايدة بعيدة تماما عن المصالح، مع احترامى للقائمين على تقييم الأصناف ونزاهتهم ولكن وجود جهة محايدة يضع الأمور فى نصابها بل ويشجع على أى جهد يبذل ويفرز الغث من الثمين أسوة بلجنة تسجيل الابتكارات.

وهذه اللجنة ستضع حدا لهواة الاعلام من المتاجرة بأبحاث ونتائج غير دقيقة ويكون قد وقع تحت المساءلة لو تم تقيم أبحاثه علميا وثبت عدم جدواها .
سادسا : عندما يقول باحث ما أنه توصل لتركيب وراثى ما من وجهة نظره أنه يتحمل الملوحة أو يتحمل الجفاف أو أن محصوله عالى الإنتاجية، فهل معنى ذلك أن مشكلة مصر تم حلها من هذا المحصول مثل الأرز أو القمح ؟

وانى أسأل كل ذى عقل هل الوصول إلى صنف من القمح او الأرز او اى محصول فى مصر يمكن أن يحل مشكلة مصر ؟فهناك الآن العديد من الأصناف لكل محصول فى مصر. فهل تم حل المشكلة!!؟
الإجابة لا لأنه لا يمكن أن تعتمد مصر على صنف واحد يتم زراعته فى ربوع مصر ومن يقول ذلك فهو لا يعرف شىء عن السياسة الصنفية ولا يعرف شىء عن التربية والتحسين و لا يعرف الصراع بين الباحثين والأمراض .
واسال كل المهتمين مارايكم
لو أن التركيب الوراثى الذى ملأ الباحث الدنيا ضجيجا به مع افتراضنا أنه مقاوم للأمراض وتم تقيمه للامراض مع شكى فى ذلك لأنه لو تم تقييمه يكون هناك أكثر من باحث اشترك معه!!!!! ،المهم لو انكسرت مقاومته للأمراض بعد سنة أو أكثر.. فما جدوى هذا الصنف؟
وسؤال آخر من الذى يعمل على إكثار تقاوى هذا الصنف ويضمن نقاوته الوراثية هل يخضع لهيئة اعتماد التقاوى ……!! ارجوا أن لا يكون الموضوع ” سبوبة” !!!
ولذلك فإن المراكز البحثية المتخصصة لها عمل دائم فى كل عام  حيث تعمل على إخراج أصناف جديدةو متباينة فى أهدافها تناسب كل منطقة فى الجمهورية وتقاوم الأمراض وتتبع سياسة صنفيه يعرفها أهل الاختصاص. .

سادسا : عندما يقوم باحث بالتوصل إلى تركيب وراثى من البطاطا فهذا جهد مشكور ومن حقه أن يسعى أيضا إلى إثبات حقه من الناحية الأدبية و أيضا من حق المؤسسات العلمية أن تخضع نتائجه للتقييم.
وإن كانت النتائج مبشرة يتم دعوة الباحثين إلى إكمال العمل على هذه النتائج هذا ما أفهمه، لكن أن يشطح به خياله ويعطى توصيات عامة تغير سياسات دول فهذا كلام لا يليق فى دولة مؤسسات محترمة
فهل يليق أن اقوم ببحث فى المنوفية وأطالب بتعميمه على مستوى الجمهورية، هذا يستدعى أن يقال لى تعلم قواعد ومنهجية البحث العلمى قبل أن تتحدث.

ومع سعادتى بجهد الباحث بقوله أنه توصل إلى تركيب وراثى جيد من البطاطا لكن صدمتنى تصريحات هذا الباحث فى وسائل التواصل الاجتماعى وقد حول نفسه إلى جامعة متعددة الأقسام والتخصصات وقام بالنيابة عن كل هؤلاء بإجراء البحوث فى الصفات التكنولوجية والفسيولوجية وصفات الجودة وصفات الخبيز والدراسات الاقتصادية.. واسال كم بحث تم عمله ونشره فى هذا المجال. .وكم باحث قام بإجراء بحوث على هذا التركيب الوراثى ؟

 البطاطا بديل للقمح. من عجائب الزمن :

ومن عجائب الزمن أن يصرح بأن البطاطا بديل للقمح فهذا أمر يحتاج أن  يأتى إلينا ونسمع منه ونناقشه .
مع انه من الأخلاق العلمية لأى باحث أن يتخلى عن الأنا ولايحكم بأحكام قطعية بل يكون كلامة مبنى على الاحتمالات ويقول ربما و يعترف بجهود كل الزملاء والباحثين فى الجهات العلمية وخاصة معهد المحاصيل بمركز البحوث الزراعية بل وفى جميع الجامعات المصرية والعالمية التى تعج بجميع التخصصات .
وإذا كان كلام سيادته سليما فيكون المطلوب الآن إلغاء معاهد القمح والذرة والشعير والذرة والدخن و إلغاء معهد المحاصيل الحقلية وكذلك أقسام المحاصيل فى الجامعات فى مصر وخارجها. .و نعطيها اسم جديد نسميه (معهد البطاطا).

ونسأل صاحب الصنف الجديد أيا كان مسماه اذا حدثت مشكلة مرضية وأتت على  صنف البطاطا الجديد وأصيب بالأمراض ماذا نفعل ؟ هل يسقط الصنف ويظل معهد البطاطا قائم؟

الخلاصة من وجهة نظرى لعلاج هذه الحالات مايأتى :

1- أن يعرف الجميع أن الدولة المصرية ليست معملا للتجارب والمزارع المصرى مستباح بل المزارع مطلوب حمايته من الادعياء وأصحاب المصالح
2- القيادة السياسية لديها من الملفات الكبرى ذات الأولية والأهمية ولايليق ان نتمسح بها.

3-البحث جهد شخصى مشكور لكن لا يمكن تحويلة إلى توصية إلا من خلال المؤسسات المتخصصة كل فى مجاله وحصوله للتقييم من اكثر من باحث وفى أكثر من منطقة وفى أكثر من عام مع اتباع القواعد العلمية فى البحث.

4- نؤكد على ضرورة  احترام المؤسسات العلمية المتخصصة فى الدولة واحترام التخصصات، فقد انتهى عصر الأستاذ أو الباحث ” الكشكول” وأن يعرف كل باحث انه جزء فى المنظومة البحثية وليس هو كل المنظومة الزراعية، وأن يعلم أن مصر مليئة بالموارد البشرية المحترمة ولايليق أن يزايد أحد على الناس بوطنيته فالجميع مواطنون شرفاء
5-الأهم أن يتم تشكيل لجنة محايدة لتقييم التراكيب الوراثية الجديدة أو البحوث التطبيقية حرصا على الشفافية وحفظا وتشجيعا لكل جهد مخلص وأبطال حجة كل مدعى وهذه التوصية تكررت كثيرا فى معظم المؤتمرات العلمية التى تمت إقامتها فى مجال تربية النبات.
6-التنسيق المؤسسى بين المركز البحثية وبعضها البعض وبين الجامعات المصرية ولا تترك للعلاقات الشخصية

7- أنه الآون أن يتم تشكيل لجنة عليا للبحث العلمى الزراعى تترجم رؤية الدولة المصرية إلى نقاط بحثية تخدم خطة التنمية الزراعية فى الدولة لا تخرج البحوث العلمية عنها من خلال تنسيق وتنظيم يلتزم به كل العاملين فى المراكز البحثية والجامعات المصرية أسوة بالدول المتقدمة وهذا سيخدم الباحث والبحث العلمى التطبيقى ولا يترك الأمر إلى الاجتهادات الفردية

حفظ إلله مصر من كل سوء


الاستاذ الدكتور إبراهيم درويش استاذ ورئيس قسم المحاصيل بزراعة المنوفية





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى