أخبارخدماترئيسيمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : التغافل الذكى “جهاد” للحفاظ على الروابط الأسرية والمجتمعية (نفحات الجمعة)

يقول النبى ﷺ ( كل بنى آدم خطاء ) وهذا يعنى أن طبيعة الإنسان فى الدنيا الخطأ والزلل إلا لمن اختصهم الله تعالى بالعصمة من الأنبياء والمرسلين ..ومما لا شك فيه أن الغفلة مذمومة، ولكن التغافل محمود .. وهو التظاهر بالغفلة أو تعمدَها؛ (ويعنى أن هذا الانسان ليس مُغفلاً ولكنه يتغافل ويعرف متى يتغافل وهو مانطلق عليه التغافل الذكى )

مفهوم التغافل

الغفلة هى ان تتعمد الغفلة عن أخطاء من حولك وأن تغض الطرف عن الهفوات، وألا تحصي السيئات، وأن تترفع عن الصغائر، ولا تُركِّز على اصطياد السلبيات مع أنك مدرك لها عالم بها ولكنك تتغافل عنها لرجاحة عقلك وكرم خلقك  والتغافل هو تكلف الغفلة، والترفع عن الدنايا ،وسفاسف ألأمور وهفواتها التى لا تغير الحقائق ، ولاتبدد الحقوق ولا تحط من الكرامة ، ولا تقر منكرا ،ولا تنكر معروفا، ولا تؤصل لباطل. فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ،(قالت : مارأيت رسول الله ﷺ ينتصر لنفسه من مظلمة ظلمها إلا أن تنتهك محارم الله فيكون لله ينتصر )

فلسفة التغافل

التغافل فن راق لا يتقنه إلا محترفوا السعادة.. وهو سلوك مطلوب ورسالة ودّ واحترام ..وهو من أنواع الجهاد الذى نحافظ به على العلاقات الانسانية ونحافظ به على بيوتنا وأولادنا ..وهو ايضا وسيلة لتنبيه الشخص أنك حريص على دوام علاقتك معه..

والتغافل .يأتى من منطق القوة ورجاحة العقل والصبر وكظم الغيظ وكرم الاخلاق والرحمة بالغير..
والتغافل فن لايحسنه إلا الكرام الأفاضل ذو المروءة فهو علامة على رجاحة العقل والفطنة ..
قال الامام الشافعى (اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل )والتغافل يحفظ كرامة الانسان ويكسوه هيبة ووقارا ومكانة مع من يعاشرهم ويخالطهم. والتغافل عن زلات الاقارب والاصدقاءمن مظاهر المروءة يقول بن القيم من المروءة التغافل عن ذلات الاخرين خاصة من لك بهم صلة قرابة وعدم الاكثار من محاسبتهم..والتغافل من مظاهر كرم الانسان قال كسرى لوزيرة ماالكرم ؟ فقال ( التغافل عن الزلل ) ثم سأله كسرى مااللؤم فقال (الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد )

مساوئ عدم التغافل

الإفراط في الانتباه فى كل كلمه أو فعل شارد أو وارد، والتدقيق بالتوافه، وإرهاق النفس بالتحليل وافتراض سوء الظن دأئما ينفر الاخرين منا ،حتى لو كانوا اقرب الناس الينا،وصاحب هذه الشخصية التى تدقق فى كل شيئ ..معيشته صعبه و حياته ضنك وسيختلف مع كل البشر ولن تجد له صديقا أو رفيقا.وعدم التغافل يخرب بعض البيوت الزوجية ،وتتشرذم العائلات ويقطع الرحم الذى أمر الله به ان توصل..
والانسان الذى يستغل الهفوات والتضييق على الآخرين وإحراجهم وكشفهم أمام انفسهم وأمام الناس وتعريتهم وإغلاق منافذ الهروب، ظنا منه انه انتصر عليهم..
يجعل الذى أخطا يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما أن يهرب منك ، أو يواجهك وتنقطع شعرة معاوية ، وينتفى الحياء بينكما وتنقلب علاقتك الطيبة به رأسا على عقب فتخسر صحبته أو جهوده او عطاؤه وتتحول العلاقات الودية التى كانت بينكما الى كره ويتخذك عدواً فيكيد لك ويدعو عليك، وفي كل الحالات أنت الخاسر ..

التغافل بين الزوجين

الاحداث اليومية والعلاقات الانسانية عامة وداخل الاسرة بين الازواج والابناء والاخوة خاصة لايمر يوم الا اذا كان هناك مناكفات او أخطاء او مواقف غير مريحة تؤدى إلى الصدامات والخلافات . التى لو توقفنا عندها سنصل الى التقاطع والتدابر وخراب البيوت ..
ولذا فإن التغافر والتغافل عن الاخطاء بين الزوجين والابناء والاخوة ضرورة لسلامة الصدر وديمومة الصلة وبقاء المحبة ،واستمرار ألالفة ،ونقاء القلب ،وامتلائه ايمانا. وتقوى ورحمة ومحبة.
والعلاقة المثلى بين الزوجين تبنى على الجهاد بمعنى أن يجاهد كل منهما للمحافظة على كيان الاسرة التى تم تأثيثها على الحب والرغبة فى الاستدامة.
ولاتبنى الاسرة على التعالى أو الانانية او على التكبر أو الصراخ المتبادل ، أو الاهانة او التفتيش على الخلافات وتصيد ألاخطاء وإنما على مكارم الأخلاق والتسامح وحسن النية .والتغافل يقول تعالى موضحا ذلك : (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)..
ويقول الله تعالى عن نبيه ﷺ لما أخطأت بعض أزواجه( عرف بعضه وأعرض عن بعض) . فالآية فيها توجيه رباني عظيم يؤسس لمنهج التغافل في حياتنا اليومية بشكل عام وفي بيوتنا بشكل خاص.
ومن الارشاد النبوى للتحلى بأدب التغافل فى الحياة الزوجية قوله ﷺ عن أبي هريرة رضي الله عنه (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) فالزوج إذا أحب زوجته نظر إليها بعين الرضا، فلا تكاد عيناه ترى إلا الحسن والأفعال الفاضلة، والزوج إذا أبغض زوجته نظر إليها بعين السخط فلا يرى إلا عيوبها..وينطبق نفس الأمر على الزوجة..عندما تنظر لزوجها ..فليس هناك كمال الا لله ولمن عصمه الله ..فالتدقيق في تفاصل الحياة اليومية. ينغص الحياة بين الطرفين، ويجعلها صعبة للغاية، فتصبح العشرة كدرة، والمجالسة مُرّة، فلاداعى للتنقيب عن الزلات والهفوات ..

مزايا التغافل ..

من أراد أن يحيا صافي الذهن والقلب نقول له في التغافل دواء
فهو يسد على صاحبه باب النكد والشقاء والتفكير السلبى
ومن أعرض عن التغافُل ولم يتعامل به ، وانشغل بتتبع الأخطاء، وانغمس في وحل الصغائر، وغَرِق في بحرِ التوافه، فلا ارتاح، ولا أَراح، وسكب الملح على الجُرح، فلا تدقيقه أنجاه، ولا حرصه أعطاه راحة ، ودون أن يدرك سيصل بالخلافات إلى أقصاها، وقديما قالوا ..لا تصل بالأمور لأقصاها فإنك لاتعلم منتهاها….واذا تعلم الانسان فن التجاهل والتغافل فقد إجتاز نصف مشاكل الحياه ….
وقيل أن السعادة في ثلاثة تاءات أو امور وهن التجاهل والتسامح والتفاؤل ، وأظن أن التجاهل أهمها…لذلك التغافل الذكى مفيد جداً لأنه يجعلك تختار اللحظة المناسبة لتسمح للطرف الآخر بأن يتراجع، وان يعتذر بشياكة .. وأن يهرب بكرامة،..والتجمل والتغافل هو ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا في كثير من الأحيان، والأفضل أن تفتح للاخر …طريقاً يخرج منه كريماً فيحترمك بدل أن تحرجه فيعاديك.

كيف تتعلم فن التغافل

لكى يتعود الانسان على التغافل عليه أن يضبط نفسه عند الغضب .. فمَا مِنْ حكيمٍ يوصي بنيه إلا وجعل أولَ كلامِه في كظم الغيظ، والتحكم في الغضب، حتى لايكون الانسان في مقام، رد الفعل، ويصبح صانعاً للفعل. ويتعلم فن التغاضى عن بعض ألاشياء والتغافل عن بعض ألاخطاء حتى يضمن استمرار العلاقات واستدامتها..والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة خاصة مع أهله وزوجه أو وزوجته وأصحابه وزملائه وذوى رحمه كي تحلو. مجالسته وعشرته ويمضِ على الزلات كأنه لم يسمَع. ويصمُت كأنه لم يفھم، ويتجاهل كأنه لم يشاهد،..و ينسَى الاساءة كأنه لم يذكر، فلا يضخم الأمور التافهة ولايعظم من لايحتاج الى اعظيم .ولا تشترط أن تفوز بكل المعارك فبعض الفوز هزيمة، ولا تحرق مركبك أبداً فقد تحتاجه يوماً ما، ولابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز، وذلك ليس غباء بل هو منتهى الذكاء والفطنة.يقول الشاعر:تَغافَل في الأُمُورِ ولا تُنَاقِش فيَقطَعُكَ القَرِيبُ وَذُوْ المَوَدهْ، مُنَاقَشَة الفتى تجني عَلَيهِ وَتُبْدِلُهُ مِنَ الرَاحَاتِ شِدهْ
والعقلاء يحمدون للرجل العاقل تغافلَه، لأنه لم ينشغل بتوافه الأمور..

فضيلة التغافل في أقوال الصالحين

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل)، وقال ابن المبارك (المؤمن يطلب المعاذر والمنافق يطلب الزلات).
وأنشد الإمام علي كرم الله وجهه أبياتا قائلا: أغمض عيني في أمور كثيرة… واني على ترك الغموض قدير وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها… وليس علينا في المقام أميـــــــر…
ويقول ابن الجوزي : مايزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام وعلامة على حسن الفهم ورجاحة العقل ، لأن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء ، فإن اهتمَّ المرء بكل زلة وخطيئة ، تعِب وأتعَب غيره ، ويقول ايضا : “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل.. وقال الحسن البصري: «ما زال التغافل من فعل الكرام»
وأحسن أبو تمام وأجاد في تعريف التَغَافُل، والتفريق بينه وبين الغفلة، في بيته:لَيسَ الغَبِي بِسَيدٍ في قَومِهِ….لَكِن سَيدَ قَومِهِ المُتَغابي
وينسبُ إلى معاوية وغيره، إن: «العقلَ مِكيَالٌ، ثُلُثُهُ الفِطْنَة، وثُلُثَاهُ التَغَافُل».ويروى عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، قوله: «من امتطى زمام التغافل ملك زمام المروءة». يقول اباالطيب المتنبى :وَمَا كُل هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ وَلا كُل فَعالٍ لَهُ بِمُتَمم…. ومن أشهر أقوال سقراط :دواء الغضب، الصمت.. ولقد مُنحنا الله أذنين اثنتين وعينين اثنتين، ولسانًا واحدًا وفي ذلك دلالة على ضرورة أن نستمع ونرى أكثر ممّا نتكلّم. ماأحوجنا ان نترجم هذه ألاداب الى خلق قويم يحكم سلوكنا
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى