المتأمل ، سيجد أن المسلمين ينتقلون من ضعف إلى قوة ومن ذلك إلى عزة على مر تاريخهم فى رمضان .. فهل ذلك صدفة أم هو تدبير العزيز الحكيم
واول ملاحظة ..
سنجد أن آيات الصيام في سورة البقرة جاء فى الآية الثانية من الربع التالى ايات الجهاد -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )* الخ الآيات } [البقرة: 190-193].
والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، إعداد للجسد، إعداد للأمة كلها..
الملاحظة الثانية ..
ان هناك ارتباط بين الصيام والجهاد
وأكد تلك العلاقة التاريخ الاسلامى.
١-كان أول خروج للمسلمين لقتال مشركي قريش كان في رمضان سنة 1هـ، ولم يكن صيام رمضان قد فُرض بعد، وكانت هذه هي سرية حمزة بن عبد المطلب عمِّ رسول الله، وكانت السرية في مكان يُعرف باسم (سَيف البحر). ، ولم يحدث قتال فقد حجز بينهم أحد حلفاء الفريقين، كان اسمه مجدي بن عمرو الجهني
٢- فى شهر رمضان سنة 2هـ، كانت غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان سنة 2هـ، بين المسلمين وبين مشركي قريش، وكان أول لقاء حقيقى مع المشركين
فلماذا كان هذا الصدام والانتصار الباهر فى رمضان .ولم يكن فى اى شهر اخر . فهل يحدث شىء بالصدفة !
ام وضع قاعدة للمسلمين أنها لديها شهر
تستطيع أن تُغَيِّر فيه نفسها وتنتقل من حال الى حال
يقول تعالى : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ…}. وأنتم ماذا؟ {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123].
نعم لقد تغير المسلمون تمامًا بعد موقعة بدر، فأصبحوا لهم فد دولة معترف بها، شوكة قوية ومكانة ووضع مستقر؛ فاليهود رعبوا، والمشركون انهزموا، والمنافقون ظهروا.
ولذلك سنجد أن غزوة بدر هى اشهر غزوات الرسول
لانها غيَّرت مجرى التاريخ؛ لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، وربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائمًا في هذا الشهر حتى نعرف قيمة الشهر فى إعداد النفس والأمة .وعند استعراض الغزوة فى سورة الانفال تم التأكيد على الأسس التالية
اولا.؛ يقول تعالى : {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: 10] وبالتالى فإن الايمان بالله وحسن التوكل عليه من أسباب النصر
لانه بالمقاييس العسكرية لايمكن لعدد مثل ٣١٣ أو ٣١٤ ومعهم ٧٠ جملا وفرسان أن يغلبوا ألفًا؛ معهم ٧٠٠ جملا و١٠٠ فرس هذا ، العدد القليل خارج بسلاح المسافر، والعدد الكبير خارج بسلاح الجيوش.
هذا ليس له إلا أمر واحد، ألا وهو أن الله عز وجل هو الذي نصر المؤمنين، بأسلحة غير تقليدية تمامًا، انتصروا بالمطر والنعاس، وبالرعب في قلوب الكافرين، وبالتوفيق في الرأي، وبضعف الرأي عند الأعداء، وانتصروا بالملائكة؛ الملائكة نزلت تحارب مع المؤمنين في بدر، أفضل الملائكة، وجبريل -عليه السلام- على رأس الملائكة: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [الأنفال: 10]، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
ولذلك عزوة بدر تزرع في نفوس المسلمين إلى يوم القيامة؛ ما دام الله معك فالنصر -لا شك- حليفك،
ثانيا….أهمية اللحمة المجتمعية ووحدة الصف وعدم التشتت والتفرق
يقول تعالى : {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، وكل أعداء الأمة يركز على نشر الفتن والاشاعات بما يسمى حروب الجيل الرابع .
ثالثا . قيمة العطاء والتضحية والإخلاص فلا يمكن أن تبنى أمة الا بسواعد أبنائها وعملهم وبذل النفس والمال، والوقت والجهد ليتم النصر وتحقيق الأهداف المرجوة ،
رابعا . الإعداد والاستعداد وبناء قدرة ردع تجعل الأعداء يفكرون الف مرة وهذه القوة تحمى المقدرات يقول تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]،
خامسا. الثقة فى القيادة والطاعة وأعمال العقل والفكر بين الصالح والطالح ومايفيظ يقول تعالى عن المسلمين {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]،
ولذلك من المهم أن نذكر أنفسنا فى شهر رمضان بهذه الاسس التى تحقق النصر
٣- فتح مكة كان سنة ٨ هجرية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم فى العاشر من رمضان من المدينة المنورة وفتحها في 21 رمضان، وكان اللقاء الأخير بين المسلمين مشركي قريش
وهناك وقفة مهمة ..
كان الخروج لغزوة فى رمضان على غير اختيار المؤمنين؛ لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت
، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين، وكان من الممكن أن يُؤَخِّروا الخروج 3 أسابيع فقط ليخرجوا في شوال بعد انتهاء رمضان، حتى يستفيدوا من .الصيام والقيام وقراءة القرءان لكن كل هذا لم يحدث.
لماذا لأن رمضان شهر الجهاد ، لا توجد به راحة للمؤمن، بل على العكس، عندما انطلق الرسول بالجيش، واقترب من مكة، وكان صائمًا صل. الله عليه وسلم وكان الصحابة كلهم صائمين معه، قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ هل أخَّر الصيام، أم أخَّر الجهاد؟و لقد “دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ”. مع قَرُب اليوم على الانتهاء
“شَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ”.
فقال عن من صام : “أُولَئِكَ الْعُصَاة مع أنه في الأيام الأخرى كان يسمح لمن أراد أن يفطر فليفطر، ومن أراد الصوم فليصُمْ، لكن في هذه المرة الأمر مختلف؛ لأنهم ذاهبون إلى مكة للجهاد، والجهاد يحتاج إلى قوة وجلد . والصيام يمكن قضاؤه بعد ذلك، ولكن الجهاد لا يُؤَخَّر؛ وبالتأكيد غزوة بدر وفتح مكة توقيتاتها لم تكن صدفة يقول تعال : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
٤- ومن العلامات فى شهر رمضان
تحطيم صنم هبل، ومعه أكثر من 360 صنم التى ظلت سنين طويلة قبل البعثة موجودة، اختار الله لها أن تُدَمَّر وتكسر وتقع في شهر رمضان.
وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم و عمرو بن العاص فحكم صنم سواع و سعد صنم مناف …هذا شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين،.
٥- في آخر اسبوع من شهر رمضان سنة 13هـ كانت موقعة موقعة البويب بقيادة المثنى بن الحارثة،بين المسلمين والفرس وكان عدد المسلمين 8 آلاف فقط، والفرس مائة ألف بقيادة (مهران) وهو من أعظم قُوَّاد الفرس، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، وأبلى المثنى وبقية الجيش بلاءًً حسنًا، وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر، فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلاً.فقد ، تجاوز القتلى 90 ألف فارسي فكيف لثمانية آلاف أن يهزموا أكثر من 90 ألفًا، وفي عُدة أضعف من عدتهم، وفي عقر دارهم، كيف يحدث هذا؟ لن تعرف تفسيرها أبدًا إلاَّ أن تقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17].
٦- فى رمضان سنة 53هـ، فى عهد معاوية بن أبى سفيان تفتح فيه جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط،بقيادة جنادة بن أبي أمية الأَزْدِي من قبيلة الأزد اليمنية، ولم يؤخِّر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان مع الصعوبة الشديدة لقتال البحر، .
٧- رمضان سنة 92هـ يلتقي المسلمون -وهم 12 ألف رجل- بقيادة طارق بن زياد رحمه الله بمائة ألف إسباني بقيادة رودريك -ومع الفارق هائل في العدد، انتصر المسلمون وقد استمرت ثمانية أيام متصلة؛ ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من 800 سنة،
٨- في 9 رمضان سنة 583هـ.بعد أن انتهى صلاح الدين من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور
وكانت معاركة متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر -رحمه الله- صفد في رمضان سنة 584هـ، بعد سنة من حطين،
٩- في 25 رمضان سنة 658هـ موقعة عين جالوت، بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله- على جحافل التتار، تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى بعد سنوات متتالية من الهزائم والذل وكان الانتصار هائلا فلقد فنى جيش التتار بكاملة
١٠- فى العصر الحديث ومازال بعض شهود العيان بيننا في 10 رمضان سنة 1393هـ، التي اشتهرت بحرب 6 أكتوبر سنة 1973م، فتحررت سيناء، وهو انتصار مجيد؛ فالحواجز التي عبرها الجيش المصري تدخل في عداد المعجزات العسكرية، والروح الإيمانية كانت مرتفعة وواضحة، ونداء (الله أكبر) كان يخرج من قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية والعربية كانت في أبهى صورها.
من استعراضنا سريعا للأحداث نلاحظ
أنه لا يوجد عدوٌّ من أعداء الامة إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان؛ ، وهذه نعمة عظيمة مَنَّ الله عز وجل بها علينا وهذه رسالة لنا أننا أمة قادرة على التحدى وعلى البناء ونملك رصيد ومخزون ثقافى وقيمى يستطيع مواجهة العقبات ولكن من المهم أن تستدعى الأسس مثل الايمان الخالص المجرد عن الهوى وتوحد الأمة حول أهدافها المشروعة ونبذ. الفرقة ولم الشمل ومطالعة أصحاب الفكر الضال والاجندات المشبوهة وبناء قدرة ردع واقتصاد قوى والثقة فى القيادة ومعاونتها على أداء مهمتها ورسالتها فى التنمية والبناء .وما أحوجنا جميعا فى شهر رمضان الكريم أن نستلهم هذه المعانى والقيم من شهر رمضان الكريم وثمرات الصيام وقراءة القرءان .