هناك خلط واضح بين المجاملة والنفاق … والفرق بينهم يتضح في الصدق فالوسائل تتشابه في ظاهرها لكنها تختلف في غايتها.
المجاملة.. وتختلف معناها على حسب من تجامله وهى تجمع كل مكارم الأخلاق سواء ( بالكلمة الطيبة ..او بالرحمة او التقدير او الود او الدعم المادى او العينى او الزيارة ) على حسب من تجامله وهى من باب جبر الخواطر ومن مكارم الأخلاق ، فمن اخلاق الكرام هى احترام الصغير وتوقير الكبير .والرحمة بالضعيف مثل اليتيم والفقير .. واصحاب الحاجات واعطاء لكل ذى قدر قدره …ولايعلم قدر أهل الفضل الا ذو الفضل …
المجاملة بين الازواج والزوجات
تعد المجاملة بين الزوجين من باب ألاداب العامة والود والاحترام والتقدير وهى حق متبادل بينهما وهى من أهم الاساليب الاجتماعية المحببة لزيادة أواصر المحبة بين الزوجين فعندما تقول كلمة لزوجتك تعبر فيها عن امتنانك لجهودها او أناقتها حفاظا على استدامة العلاقات الاسرية …
وإذا انتفت المجاملة بين الازواج تصبح الحياة رتيبة لاطعم لها،فالزواج قائم على السكن والمودة. والرحمة…
ولقد أوصانا القرآن بالمجاملة حتى فى أشد اوقات الخلاف فى قوله تعالى ( ولاتنسو الفضل بينكم )
ونجد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحرص على مجاملة. زوجاته بهدف لم الشمل ورأب الصدع وعدم تفاقم المشاكل ..فمن ذلك انه حرم العسل على نفسه حينما اخبره بعض ازواجه أن رائحة كريهة تنبعث منه ..وانزل الحق سبحانه وتعالى فى ذلك قرآنا يتلى ( يا أيها النبى لم تحرم ماأحل الله لك تبتغى مرضاة ازواجك والله غفور رحيم ).
وإذا كان الانسان يضطر فى حياته اليومية الى مجاملة رئيسه فى العمل او زميله فى العمل او السفر. او جاره فى الشارع.. فانه من باب اولى ن يجامل رفيق عمره او رفيقة حياته..
والمجاملة يولد بين الزوج والزوجة شعورا بالمودة ويرفع معنويات كل منهما ..ولها اكبر الاثر فى حسم النزاعات والخلافات بينهما.يقول صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلى)..
المجاملة بين الاباء والابناء
والمجاملة بين الاباء والابناء واجبه ومن باب الرحمة فكل .مايصنعه الوالد مع ابنائه من تقبيل واحتضان وتحفيز وتشجيع والشكر فى كفائته امام الغير وحسن تربيته ألامر الذى من شأنه يجعل ألابناء تشعر بالسعادة والامان والاستقرار ..فقد روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على وعنده ألاقرع بن حابس التميمى جالسا فقال الاقرع ان لى عشرة من الولد ماقبلت منهم احدا فنظر رسول الله اليه ثم قال من لايرحم لايرحم ..
اما المجاملة بين الابناء والاباء واجبه وهى من البر وعدم العقوق
يقول تعالى﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾[ الإسراء: ٢٣]
وهناك موقف يبرهن على المجاملة مع الابوين والحرص علي برهما وودهما حتى فى حالة الكفر مثل موقف أبو ألانبياء ابراهيم عليه السلام مع ابيه الذى احسن له القول وتلطف معه فى خطابه أملا فى هدايته يقول تعالى : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) وتغاضى عن لغة التهديد التى اطلقها والده الذى قال لابنه كما ذكر القرآن (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا )
وجاء رد إبراهيم عليه السلام بمنتهى البر واللطف والعطف بقوله
( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا )..
المجاملة بين الاخوة والاخوات
والمجاملة بين الاخوة والاخوات وذوى القربى من باب صلة الأرحام وهى تعمل على زيادة اواصر المحبة وحب الخير للغير والتحفيز على النجاح والتفوق وتخطى العثرات وكذلك التغاضى عن الاساءة والهفوات التى تحدث بينهم ولنا المثل فى نبى الله يوسف الصديق مع اخوته الذين القوه فى غيابت ..واتهموه وشقيقه بالسرقة وقالوا له كما سجل القرآن ( قَالُوٓاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ). ومع ذلك لم يستفذ من قولهم ولم يعنفهم بل اسرها فى نفسه يقول تعالى (فأسرها يُوسُفُ فِى نَفْسِهِۦ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُون)…وغفر لهم مافعلوه به يقول تعالى (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ)..
المجاملة مع جميع من تتعامل معه
والمجاملة بين جميع الناس من باب حسن الخلق يقول تعالى (وقولوا للناس حسنا ) ويقول تعالى فى ادب الحوار (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ).واكد على المجاملة والكلمة الطيبة مع اهل الكتاب يقول تعالى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )
حتى عندما يحدث خلاف مع أى شخص ويكون هناك خصام وهجر يجب ان يكون الهجر جميل .يقول تعالى (وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا).
المجاملة مع الطغاة والمتكبرين
والمجاملة هنا من المداراة اى الملاطفة والملاينة إتقاءا لشرورهم او أملا فى إصلاحهم
وقد تكون المجاملة لإقامة عليه الحجة وتثبت له سلامة المقصد والنية والرغبة بأن يعود المتعالى و المتكبر …الى رشده والى طريق الصواب ..ولذلك أمر الحق سبحانه وتعالى نبيه موسى ونبيه هارون عليهما السلام بأن يقولا لفرعون قولا لينا ..فيه مجاملة ..
يقول تعالى(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )فالقول اللين لا يثير العزة بإلإثم ولا يهيج الكبرياء الزائف الذى يعيش به المتكبرين ..
مفهوم النفاق
اما النفاق هو إظهار بالقول أو الفعل خلاف ما في القلب من ضغينة وتحصل ايضا عند المبالغة في المجاملة لشخص لايستحق المجاملة بنية الحصول على منفعة او مصالح ومكاسب شخصية..
وهي صفة مذمومة في الإنسان.. والنفاق هو اطراء غير صادق وزايد عن الحد ومبالغة فى المدح لان غايته مبنيه على مصالح وأهداف شخصية ويكون الاطراء و المدح في حضور الشخص اما فِي حال غيابه. يتحول المدح الى ذم ومعايب…
وبالتالى النفاق، هو ترديدك عبارات لطيفة لشخص لايستحق هذا الاطراء وفى قرارة نفسك انت لا تكن له أي احترام، او مودة، او تقدير ولكنك تكذب على نفسك وعليه اما خوفا من بطشه ا وطمعا .بما يمكن ان يمنحه لك ….
وقيل عن الشخص المنافق ، لا خير في ود امرئٍ متملقٍ ،حلو اللسانِ وقلبهُ يتلهب،يلقاك يحلف أنهُ بكَ واثقٌ،واذا توارى منك فهو العقربُ، يعطيك من طرف اللسان حلاوةٍ، ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ
الفرق بين الانسان المجامل والمنافق
الانسان المجامل انسان صادق فهو مجامل. على الدوام ..سواء
وأمّا المنافق هو الءى يظهر بالقول أو الفعل خلاف ما في القلب من ضغينة ويظهر كذبه ونفاقه بعد أن تحقق أهدافه، وتنتهى المصلحة عند من كان ينافقه يظهر على حقيقته ..واذا كان صاحب سلطه او نفوذ بمجرد ان يبتعد عن وظيفته ..وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان…
ولذا لا تكثر في مجاملة من لايستحق المجاملة حتى لا تدخل في شبهة النفاق..و لاتجامل على حساب الحق .. وإياك أن تظلِم من تكره، أو تجامل من تحب على حساب الحق والعدل. يقول تعالى{ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم}(محمد٣)، فالحق أحق أن يتبع، ولاتصمت عن قول الحق.. فعندما تضع لجامًا على فمك.. سيضعون سرجًا على ظهرك”
فالمجاملة على حساب الحق تهدم المستقبل وتمنع من التصحيح وتقود إلى تكرار الأخطاء.
وأيضا لا تجامل على حساب نفسك، أو راحة بالك،او على حساب طاقتك وأعط كل ذي حق حقّة، ولا تجامل كذباً ولا توافق خجلاً. ولا تُغير من شخصيتك ولا تُنافق ولا تجامل ..!
ولاتتملق لأحد ولا تقبل بما يضر ، ولا تصمت عن المسيئ، ولا تتواطأ ضد مصالح الناس مهما كانت الفوائد التى ستعود عليم . فائدتك لان كل فعل تقوم به هو دين عليك والديان لايموت .. فكما تدين تدان …
و كن حريصاً على حقوق الآخرين حرصك على حقك ، وكن صادقاً مع الناس في نواياك، قبل أن تقول وأن تفعل. ولا تضع نفسك حيث لا تكون فخوراً بنفسك.
اللَّهُمَّ اهْدِنا لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لا يَهْدِي لأحسنها إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عنا سَيِّئَها لا يَصْرِفُ عنا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ.
اللَّهُمَّ كَمَا أَحْسَنْتَ خَلْقنا فَأَحْسِنْ خُلُقنا.اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورحمتك فَإِنَّهُ لا يملكها إِلاَّ أَنْت. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه ورسل الله أجمعين ..
جمعتكم طيبة مباركة ..
ا.د / ابراهيم حسينى درويش