أخباررئيسيمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : النسيان بين النعمة والنقمة ( نفحات الجمعة)

النسيان والخطأ أمران طبيعيان جبل عليهما الإنسان ولذا.ورد في الحديث “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان…”
لكن نسبة النسيان ..تتفاوت من شخص الى اخر ..ويظهر النسيان بصورة واضحة للعيان مع تقدم العمر . والذى يطلق عليه مرض( الزهايمر) وفى المراحل المتاخرة منه يطلق عليه (الخرف) لذا بعض الناس عندما يتحدثون بكلام صادم يقال له (انت بتخرف ) …

هناك اسباب متعددة للنسيان منها :

١- درجة النسيان وقوته مرتبطة بعوامل عدة منها ما هو وراثي
ومنها ماهو عضوى ومنها ما هو مكتسب يرتبط بالتعب والإرهاق الذهني أو ناتج عن بعض الأمراض النفسية كالاكتئاب،..
وهناك بعض الامراض او الحوادث التى تؤدى إلى فقدان الذاكرة مهما كان عقل الانسان فلايعود يتذكّر شيئاً من أمور حياته.. وهذا من أخطر أنواع النسيان!
٢- الغفلة: نتيجة الانشغال بالدنيا. او الانغماس فى الملذات والمعاصي
وعندما تهيمن الغفلة على الإنسان، ينسى أموراً كثيرة، بعضها حسن وبعضها سيء !

٣- وسوسة الشيطان: قد يوسوس الشيطان للإنسان، فينسيه أموراً يجب ألاّ ينساها!

النسيان له انواع متعددة منها :

١- نسيان الله الخالق والرازق والمنعم : يقول تعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسَهم).
٢- نسيان عهد الله: قال تعالى:( وكذلك عهِدنا إلى آدم من قبلُ فنسيَ ولم نجد له عزماً).

٣- نسيان اليوم الآخر: قال تعالى: (اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا).

٤- نسيان الذات: اى الانسان اصله ويتكبر على الناس قال الشاعر إيليا أبو ماضي:نسي الطينُ ساعة، أنه طين حقير، فصال تيهاً وعربدْ!الشاعر يتعجب ان الطين الحقير يصبح في أعلى المراتب؟!! ولا يكتفي بذلك بل ساء خلقه ودخله الغرور ونسي أصله وحقارته. وطفق ينشر الفساد ويتكبر على بني جنسه ..

٥- نسيان الأصدقاء: قد يتحوّل المرء، من حال إلى حال، فينسى أصدقاءه، كأن يكون فقيراً فيغنيه الله، او يتقلد منصبا كبيرا ….الخ فيتنكر لاصدقائه وزملائه وينسى اصحاب الفضل عليه . ..
٥- نسيان الأعداء: قد ينسى المرء أعداءه، فيقع فريسة لهم وقد يوظفوه ويستخدموه لخدمة مصالحهم وما اكثرهم الان. !

٦- نسيان النعم. التى الله بها على الانسان .فلايؤدى شكرها وقد تستخدم النعم فى معصية الله وفى ظلم الناس والتجبر عليهم

٧- نسيان المآسي.والاحزان .! وهى من النسيان المحمود .الذى يساعد الانسان على استمرار عطائه فى الحياة ..
ولكلّ نوع من أنواع النسيان ضريبته، أو ثمنه: إن خيراً فخير، وأن شرّاً فشرّ!

النسيان فى القرآن الكريم

١- النسيان كمصطلح ذكر في القرآن الكريم في ٤٥ آية أوضح الله سبحانه من خلالها كثيرا من الأمور المتعلقة بمصطلح النسيان. من حيث الأسباب التي توقع الإنسان فيه والآثار المترتبة عليه والطرق المفيدة لعلاجه..

٢- وقد اثبت القرآن انه لايوجد احد منزه عن النسيان فكل انسان ينسى حتى الانبياء فقد قال الله سبحانه لنبيه “واذكر ربك إذا نسيت”

٣-وما كان ربك نسيا”.
وهذه اية لها دلالات كثيرة يجب ان يعيها الانسان جيدا فإذا كان الانسان من اسمه ينسى لانه مخلوق تعتريه الأغيار …فالله سبحانه هو الخالق لا ينسى.. لانه لا يتغير ابدى أذلى سرمدى….وقادر وعليم وحكيم

٣- ولله اسماء تظهر صفاته بانه مطلع وشاهد ويسمع ويرى ويحصى اعمال العباد..التى قد ينساها الانسان بعد ان اقترفها.
يقول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

٣-الانسان مراقَبٌ على مدار اللحظة، وكل الاعمال مسجلة وموثقة فى كتابه.ومحفوظه في مكان مأمون لا يتلف ويعرض يوم القيامة وسوف يحاسب عليها دنيا وأخرة يقول تعالى .﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ويقول تعالى ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾ ويقول ايضا ﴿ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾

٤-كل مامضى من افعال الامم السابقة مسجل ايضا…يقول تعالى ، ﴿ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ مهما مر الزمان ..

٥- ..الله لاينسى اثار العبد سواء من حسنات او سيئات حتى بعد موته يقول ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾

“النسيان ..قد يكون نعمة ..

النسيان يكون نعمة فى حالة نسيان الالم والاحزان .. وهذه من اجل نعم. الله علي الانسان ؛ لأنه لو تذكَّر ما ألمَّ به من آلام وأحزان، وما أحاطه من مكائد وشدائد، لكَرِهَ العيش، وسَئِم الحياة، إنما رحمة الله بالانسان …يجعله مع مرور الزمن. تندمل جروحه ، وتنمحى احزانه ،وينشغل بحاضرة
وتأتى أحداث ..تغطى على احداث .. ولذلك…يقال دع الايام تداوى الجراح والاحزان يقول الامام الشافعى :دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ..وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ….وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي…فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ..
ويعد النسيان في حدوده الطبيعية نعمة فهو راحة ذهنية وتخفيف من الضغوطات الفكرية وراحة مما يصيب الإنسان من الهم والحزن، إذ لو استمر يتذكر أحزانه خاصة المؤلمة كفقد عزيز أو خسارة كبيرة مال او عقار او وظيفة الخ .. لما طاب له عيش ولما انقضت له حسرة ولما تمكن من التمتع بالدنيا، فكأن النسيان هنا أداة تصفية وتنقية لما قد يواجهه الإنسان في حياته. يقول الحكماء إن الذاكرة أحسن خادم للعقل وإن النسيان أحسن خادم للقلب.

النسيان قد يكون نقمة

قد يكون النسيان نقمة اذا نسي الانسان أخطاءه و ذنوبه…وظن انها لم تسجل عليه او انه لايحاسب عليها …
وهذه ايضا من طبيعة الانسان انه ينسى أخطاءه و معاصية وذنوبه وفلتات وطعانات لسانه بالغيبة والنميمة والخوض فى الاعراض…
وينسى ما جنته يداه من البطش والسرقة والاختلاس والرشوة والظلم
لكن هل ما ينساه الإنسان ينساه الملِك الديَّان؟! كلا ثم كلا!
لذلك احذر من نسيان اخطأئك
واياك والظلم فانه ظلمات ..واياك واستباحة الحرمات وتدبير المكائد والمؤامرات من اجل دنيا فانية او مناصب زائلة او نفاقا لصاحب منصب واحذر من الخوض فى أعراض الناس بالغيبة أو اللعن أو إشاعة الفاحشة،الخ.. وضع نصب عينيك دائما قوله تعالى﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾

الله لاينسى ابدا دعائك

فالله لم يكن لينساك ويهملك، او ينسى دعائك او مناجاتك له . فهو القائل سبحانه (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) فإذا تأخر إجابة الدعاء لا تنزعج فلكل امر حكمة ..وقد قال تعالى لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } : فإذا تأخر نزول الوحى عليك بعض الوقت عن المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك، لما له من الحكمة فيه. ‏( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا )
ويستجيب للدعوات بما يصلح حال الانسان..
فلا تعجّل بحوائجك قبل وقتها، فيتألم قلبك ويضيق صدرك ويغشاكَ القنوط… فبعـض الدعـوات الجميلـة لا تُستجاب فـي لحظتها و لكن الله لا ينساها…

وكُل ما ترفَعه على جناحِ الدُعاء نحو السَماء لا يَضيع ولا يُنسى؛
فثقْ بتَدبير الله وحِكمته، واصبر واطمَئن. ‏﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ .
سيتحقق حلمك ولكن في أنسب الأوقات التى يراها مناسبة لك فهو الحكيم الخبير او يصرف عنك السوء وقد كنت تظنه خيرا ….

اصنع المعروف والخير فالله لاينسى ماتقدمه من خير

الله لاينسى خيرًا قدمته
ولا هما فرّجته ولا عينًا كادت أن تبكي فأسعدتها…لذلك عش على مبدأ :” كُن مُحسنًا وإن لم تلقى إحسانًا”. يقول تعالى وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ”…والمعروف لا يضيع وإن ضاع عند الناس فلن يضيع عند الله ! واحذر ان يخدعوك بقولهم: ” خيراً تعمل شراً تلقَ ” ولكن قُل: ” خيراً تعمل أجراً تلقَ ” قد ينسى الناس ولكن الله لا ينسى ..

الديان لايموت..و لاينسى وعند الله تجتمع الخصوم

تيقن انه من أبكاكَ سيجدمن يُبكيه؛ومن ضرك سيضره شخص ذات يوم ؛فالأرض دائرية والصفعة التي يُهديها اليوم ستعود له بنفس الحِدّة غداً فلا تشوه طهر قلبك بردّ السوء…! وثق بأن لك اله مطلع وشاهد ولا ينسى و يوم القيامة سيقولون كما قال القرآن: ﴿ مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين لأ نعمه .الحافظين لحدوده…
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى