كُلما زاد العمر ، أيقنا أن تلك الحياة لا تستحق كُل هذا التكالب والتصارع والألم ، ترحل متاعب وتأتي غيرها ، تموت ضحكات. وتُولد أُخرى ، يذهب البعض ويأتي أخرون هى الحياة الدنيا لاشيء فيها دائم …ولا شيء يبقى على حاله .فرحلة الحياة مليئة بالتناقضات كفصول العام ..بطون تدفع ..وقبور تبلع ….ومابين هذا وذاك .يمرض الصحيح ..ويفتقر الغنى ..ويشيب الرضيع وتزول المناصب .وتهلك امم وتنتهى حضارات … ويموت الحى . والحقيقة المطلقة ان( كل من عليها فان ).. (وكل شيء هالك الا وجه له الحكم واليه ترجعون) ..
والجميع يبحث فى دروب الحياة عن السعادة .ولن نجد فى الدنيا السعادة المطلقة ..فالسعادة المطلقة فى الآخرة عندما نشرب من حوض المصطفى ﷺ وعندما ناخذ كتابنا بأيماننا وتثقل موازننا بالاعمال الصالحة وندخل الجنة ..ونتمتع بالنظر الى وجه الله الكريم …اما سعادة الدنيا التى نكتب عنها هى سعادة نسبية على قدر الدنيا .وهى الموصلة الى سعادة الآخرة اذا ربطتها بحب الله وطاعته فى كل ماأمرك به وانتهت عن كل مانهاك عنه…والسعادة ليست بالمال او الجمال الخ.
فإن كانت السعادة بالمال مثلاً فالجبال والمناجم فيها الخزائن أقوى وأكثر منا سعادة.
وإن كانت بالجمال والزينة والنُضرة فالورود أجمل وأتم زينة.
وإن كانت بالبطش والقوة والطغيان وجهارة الصوت، أو قوة الشباب والجنس، أو كثرة الأكل أو فورة الغضب فالوحوش والبهائم أقوى وأتم سعادة منا.
أما إن كانت السعادة في الأخلاق العالية، والروح المهذبة، والقول الرشيد، والصنعة الرفيعة، فإن الإنسان هو الأجدر بها لانه مكرم من قبل المولى عز وجل .
من اسباب السعادة
١- أعظم هبة يهبها الله للانسان ان يرزقه بنفس راضية مطمئنة . وقلب سليم ونية طيبة … والإخلاص في القول والعمل.
هذه النفسية السوية تتمنى للناس الخير والرحمة والصحة والزيادة من الطاعة والبر والرزق وتكون لديها صفاء داخلي.ومتسقة مع نفسها ،راضية بقدر ربها فيها .شاكرة لأ نعمه .. فلا حقد ولا حسد ولا غل ولا فساد..ولاشح ولا مكر. ولا مكائد ، عقيدتهم ..ما شاء الله كان .. وماكان لك سوف يأتيك ….
٢- صانع السعادة انسان لين القلب ،رحيم بالناس وهذه علامة على محبة الله له فمن علامة حب الله لك ان يستعملك فى الخير ..عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» قَالَ: فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ»
٣- صانع السعادة قدوته الانبياء والرسل وخاتمهم سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام
بان تملك قلب صافى نقى يحب الخير والسعاد للجميع ..ويكفيك شهادة السيدةِ خديجةَ للنبى صلى الله عليه وسلم التى قالت
:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”.
سيدنا عليًّ بنَ الحسينِ كان كثيرَ الصدقةِ بالليلِ، وكان يقولُ: صدقةُ الليلِ تطفئُ غضبَ الربِّ، وتنورُ القلبَ والقبرَ، وتكشفُ عن العبدِ ظلمةَ يومِ القيامةِ،
٤- صانع السعادة يعلم بإن فعل الخير ونفع الناس يعود عليه بالخير فى كل امور حياته قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ”.
٥- صانع السعادة لايكون ظالم لنفسك او لغيرك حتى يكون ..مرتاح الضمير فى كل افعاله لانه لا سعادة تعادل راحة الضمير ..فاحذر من الظلم .لأنه ظلمات..و قوَل المظلوم (حَسبي الله وَ نِعم الوَكيل ) أي نَقل مَلف القَضية مِن قاضِي الأرض إلى قاضِي السَماءيقول تعالى(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)..
روافد السعادة
واعلم ان السعادة لها روافد كثيرة فالرضى سعادة ، والعطاء سعادة ، وإدخال السرور على من حولك سعادة ،وجبر الخواطر سعادة ، واللقمة ترفعها الى فم زوجتك سعادة وضحكة طفلك سعادة ، والتصدق ولو بشق تمرة سعادة، وكل امر يبهجك هو سعادة ، وادخال السرور على اخيك هو سعادة ….فابحث داخلك عما يسعدك، واصنع سعادتك بيدك.
وابتعد عن الهموم والاحزان وكل مايقلقك اويزعجك ، وماعليك الا السعى والاخذ بالاسباب موقنا بأن الله يكتب لك ألافضل حتى ولو كان الاسوأ من وجهة نظرك ..
وكن مصدرا للتفاؤل والأمل لمن حولك والمتعاملين معك .. فواهب السعادة سيُمنحه الله أضعاف ما يرجو ويتمنى يقول تعالى ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ”) .
وتذكر أن الله يراك ويعلم كل خطوة تخطوها في سبيل الخير.
لايصدنك عن اسعاد الناس ناكرى المعروف
نعم قد ينسى كثير من الناس معروفك، وقد لا يحمدك البعض على جهودك التى بذلتها ولم يقدر عطاؤك ..، ولكن الله لا ينسى. فهو القائل سبحانه “وَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانَ….فالمعروف لا يضيع وإن ضاع عند الناس فلن يضيع عند الله ابدا….
فإذا كان بوسعك مساعدة شخص في أي شيء كان فلا تتردد لعلك تكون منجاته الوحيدة بعد الله
وتذكر دائماً أنك مهما كنت في وضع آمن قد يتغير عليك الزمان ويتحول بك الحال لتحتاج العون يوماً من الأخرين…!
وكن واثقًا أن كل خير تفعله، وكل إحسان تقدمه، سيعود إليك بشكل أو بآخر. وقد يكون الجزاء في لحظة لا تتوقعها، وفي صورة لم تخطر على بالك.
وقد يكون في لحظة ضيق تحتاج فيها إلى من يقف بجانبك، أو في ساعة حزن تجد فيها من يخفف عنك..
اسعاد الناس وفعل الخير من الايمان
تذكر دائما أن صنع السعادة والمعروف من صفات المؤمن وأن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ..وأن ما تقدمه من السرور والسعادة تقدمه لنفسك قبل غيرك..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”
والسعادة التى تهديها للناس هى افضل الاعمال واحبها الى الله من ناحية الميزان الدينى ..فعندما تكون مصدرا للسعادة فانت حبيب الله .. عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا ، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، شَهْرًا “ ).
لذلك لا تتوقف عن العطاء، ولا تتردد في مساعدة الآخرين. حتى لو تم خذلانك ..او لم يتم تقديرك من البعض ..فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، والإحسان لا يضيع أبداً عنده ..
وستبقى تلك اللحظات التي ساعدت فيها، وتلك الوجوه التي رسمت عليها الابتسامة، ذخراً لك في الدنيا والآخرة.
وقد جاء في السنن_النبوية أن الراحمون يرحمهم الرحمن وان الله يرحم اللَّه من عباده الرحماء
وان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه…
ومـن يصنع لك السعاده أو يصنع لك معروفا حتى يرى إبتسامتك يستحق منك الشكر والثناء ومحبة قلبك بـاكمـله ….يقول تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ )..
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش