أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : مقارنة بين العفو الالهى والعفو البشرى ( نفحات الجمعة)

العَفْوُ من مكارم الأخلاق السامية، ،والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوتُ عن الحق أي أسقطته….
ونحن فى شهر رمضان شهر العفو .. .وهو .خلق محبب فى الاسلام. لكن اذا ترتب عليه اصلاح… اما اذا ترتب عن العفو .. مفسده ..فلامجال هنا للعفو ..
ويختلف مفهوم العفو..فى علاقة الانسان بربه .عن مفهومه فى علاقة الانسان .باخيه الانسان ..

فمفهوم العفو فى علاقة الانسان بربه ..يكون ذلك عن طلب ودعاء.. وهذا الطلب والدعاء ليس كلاما فقط .. ولكنه مشفوع بحسن سريرة ..وتوبة صادقة ..يبرهن العبد فيها على شدة ندمه ورغبته المخلصة فى العودة الى حظيرة ربه..

والجميع يحتاج الى هذا العفو الالهى ..
لان الانسان مذنب ومقصر فى حق نفسه ..وفى حق ربه سواء بالتقصير فى العبادات..او قلة الشكر النعم . وكلنا مقصرون فى عبادتنا او الوقوع فى المعاصى وارتكاب المحرمات وكلنا خطاؤون ..

فطلب العفو من الله هو دعاء مرفوع من العبد الضعيف الى الله القادر على العفو…. بأ ن يمن عليه بالصفح والرحمة والمغفرة والعفو ..عن التقصير فى العبادات وشكرها وعن وقوعه فى المعاصى واتيانها…وجعل هناك مواسم. للاحسان واوقات للتفضل بالعفو والغفران كشهر رمضان وليلة القدر

ويكن العبد هو الجانب الضعيف والمفتقر ..والحق سبحانه هو الذى يملك العفو ..وهو القوى المقتدر..
فإن عذب فيكون ذلك بميزان العدل .. وان عفا فيكون بميزان الاحسان والفضل ..ولذلك دعاء الطيبين يقولون ياربنا عاملنا بالفضل لا بالعدل .وعاملنا بالإحسان لا بالميزان …

اما مفهوم العفو بين البشر فهذا يعنى وقوع إساءه او تعدى من طرف على طرف اخر … .
فقد يكون من وقعت الاساء فى حقه هو الجانب الاضعف ..فالعفو هنا ليس فيه عزة ولا كرامة من الضعيف ..لانه لايتأتى العفو الا مع القدرة على تنفيذ العقاب ..
ولذلك لا يعفو اهل القتيل الا اذا حمل القاتل كفنه على يده وذهب اليهم فهذا اعتراف منه على الخطأ ومكنهم من القدرة على تنفيذ العقاب ..فيأتى العفو ..فى هذه اللحظة ..ويكون له مردودا جيدا يريح النفس للطرفين ..

وكذلك لايكون العفو مجديا الا اذا ترتب على العفو …إصلاح للأ مور والاحوال ..واستمرار لحالة الود والحب ..
اما اذا كان العفو ..سيؤدى الى زيادة الاساءة والظلم والتطاول فيكون العفو فى هذه الحالة ليس فى محلة والافضل منه احداث العقاب او مايسميه الشرع القصاص والمعاقبة على الاساءة والتعدى والظلم ..
لأن العفو إحسان، والإحسان لا يكون هناك إحساناً حتى يخلو من الظلم والشر والفساد؛ فإذا تضمن هذا الإحسان شراً وفساداً أو ظلماً، لم يكن إحساناً ولا عدلاً،

وعلى هذا الذى اخطأ… او ارتكب جرما حتى فى القتل ممن عرف بالشر والفساد فإن القصاص منه أفضل. لقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ،
والسؤال هنا هل العافي عن المجرم الظالم المعتدي، المعروف بالعدوان، مُصلح؟! بالطبع ألاجابة ستكون لا.
لأنه إذا عفي عنه اليوم، فسوف يخطأ أو يقتل واحداً أو عشرة غداً، فمثل هذا لا ينبغي أن يعفى عنه،
ولاينبغى ان تاخذنا به شفقة لان الشفقة او العاطفه إذا خلت من التعقل جرفت بالإنسان .. ويقال أن العاطفة عاصفة.
فالذى لايعاقب ولايقتص منه يتمادى فى اسائته ولذلك قيل ليست المشكلة فحسب فى أن من أمن العقاب أساء الأدب.بل إنه من أمن العقاب أساء الأدب وشجع الآخرين على إساءة الأدب. وبالتالى فان فلسفة العقوبه تحمل شقين:
ردع خاص… وردع عام
فالردع الخاص…وهو العقاب الموقع على شخص الجانى مرتكب الفعل المُجَرَّمْ إقتصاصا لحق المجنى عليه والمجتمع.
والردع العام…وهو ترهيب الآخرين حتى. لا يرتكبوا مثل هذا الفعل المُجَرَّمْ. وهذا ما ورد في قوله تعالى ” لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “….

وبلاشك ان الشريعة الاسلامية التى ترتقى بمنظومة الاخلاق. تربى اخلاق العفو عند المؤمنين ..الذين يعرفون الحقوق ويقدرون قيمة العفو .. فيقول تعالى لنبيه { فاصفح الصفح الجميل} والصفح الجميل الذى يؤدى الى اصلاح العلاقات وليست الصفح الذى يؤدى الى مفسده والتشجيع على التعدىوالظلم ويقول تعالى: { وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } ( آل عمران: 134) .ويقول تعالى: {وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” و يقول تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
وسنجد ان الانبياء عفو لكن مع قدرتهم على تنفيذ العقاب واعتراف بالخطأ لمن اساء اليهم
فقد عفا يوسف عن اخوته الذين رموه في البئر وأبعدوه عن أبيه يقول تعالى { قَال لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف: 92] ولكن بعد قدرته على العقاب وطلب اخوته بالصفح عنهم
وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، صفح عن قريش يوم فتح مكة وأطلقهم، وقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء..بعد مارضخوا وقالوا أخ كريم وابن. اخ كريم وكان قادرا ان يقتص منهم…

فالعفو عند المقدرة يكسب الفرد نعمة أن يعفو الله عنه لأنه قد عفا عن إخوانه المسلمين اذا طلبوا منه العفو …وفي العفو رحمة بالمسيء اذا اعترف بخطأه وتقديرا لجانب ضعفه البشري و يكون سببا للتقوى، قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم .
وفى النهاية مااحوجنا جميعا إلى العفو الإلهى …
وعلينا أن نكثر فى كل ليلة من ليالى رمضان بقولنا
اللهم انك عفو كريم حليم تحب العفو فاعفوا عنا …فهذه وصية النبى صلى الله عليه وسلم لامنا السيدة عائشة رضى الله عنها …
اللهم بلغنا جميعا ليلة القدر
جمعتكم طيبة مباركة

ا.د / ابراهيم درويش





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى