الدكتورة امنية العوسى تكتب : الكوليستين عقار الملاذ الأخير
نشأت المضادات الحيوية عندما اكتشف الكسندر فلمنج البنسلين وكما هو الحال مع الاكتشاف الاولي للبنسلين تم اكتشاف معظم المضادات الحيوية نتيجة للمصادفة. ومع البحث والتحسين شهد مجال انتاج المضادات الحيوية تطورا كبيرا وبزيادة ظهور سلالات بكتيرية مسببة للامراض مقاومة للمضادات الحيوية زاد الالحاح لتمويل البحث و التطوير بشأن المضادات الحيوية والرغبة في انتاج مضادات حيوية جديدة اكثر فعالية.
وتنقسم المضادات الحيوية طبقا لطريقة عملها الى عدة مجموعات:
- مضادات حيوية تمنع تكون جدار الخلية : البنسلينات ,السيفالوسبورينات،الفانكومايسين، كربابينيم،ازيتريونام، باسيترسين.
- مضادات حيوية تمنع تكون البروتين : الجنتامايسين، تتراسيكلين، ماكرولايدز، الكلورامفنيكول، كليندامايسين، لينزولايد، ستربتوجرامين
- مضادات حيوية تمنع تكون الـ DNA : الفلوروكينولونز، مترونيدازول.
- مضادات حيوية تمنع تكون الـ RNA :الريفامبين .
- مضادات حيوية تمنع تكون حمض الميكوليك: ايزونيازيد .
- مضادات حيوية تمنع تكون حمض الفوليك : ترايميثوبريم ، سلفوناميد
وعلى الرغم من اهمية المضادات الحيوية الا ان الافراط في استخدامها وكذلك سوء الاستخدام يعتبران عاملان اساسيان في ظهور مقاومة المضادات الحيوية .
وبالحديث عن مجموعة البوليميكسين فهي مجموعة قديمة من المضادات الحيوية التي تم اكتشافها عام 1947. وتشمل هذه المجموعة أدوية مختلفة polymyxins A∼E ، منها بوليميكسين E (المعروف باسم كوليستين) و هو مركب كاتيوني متعدد الببتيد يختلف عن polymyxin B فقط بحمض أميني واحد و انه أقل سمية منه. تنتجه بكتيريا Paenibacillus polymyxa subspecies colistinus
يستهدف الكوليستين البكتيريا سالبة الجرام و ولكنه غير فعال ضد البكتيريا إيجابية الجرام، والبكتيريا اللاهوائية، والميكوبلازما. له نشاط قوي لذلك يمكن استخدامه لعلاج الالتهابات البكتيرية سالبة الجرام المقاومة للأدوية المتعددة التي تسببها E. coli و Klebsiella pneumoniae و Pseudomonas aeruginosa و Acinetobacter baumannii. في بعض الأحيان يعتبر خط العلاج الأخير للعدوى بمسببات الأمراض سالبة الجرام . يتم استخدامه عادة عندما تكون خيارات العلاج الأخرى غير ممكنة. ومع ذلك ، لا يستخدم الكولستين إلا في ظروف محدودة بسبب آثاره الجانبية السامة للكلية والأعصاب. حيث تم اكتشافه بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية ,على الرغم من فعاليته ضد العدوى المعوية البشرية ، سرعان ما تم استبداله بسبب سميته لكن بظهور مقاومة الأدوية المتعدد (MDR) ، والتي تشكل خطرًا شديدًا على صحة الجمهور والمسؤولة عن الالتهابات الشديدة أدى إلى عودة ظهور الكوليستين في ترسانة الأطباء كملاذ أخير لمضادات الميكروبات ضد هذه “الجراثيم الخارقة.
تظهر Polymyxins تأثيرها المضاد للبكتيريا بشكل أساسي عن طريق الارتباط بالدهون جزء من LPS من جدار خلية البكتيريا الذي يتبعه إدخال طرف N الكارهة للماء (hydrophobic N-terminal ) في الغشاء الخارجي و يؤدي هذا إلى تسهيل مرورها إلى الغشاء الداخلي الذي يتبعه في النهاية تدمير طبقة ثنائية فسفوليبيد (phospholipid bilayer ) للغشاء الداخلي مما يؤدي إلى تحلل الخلية وموتها .
مقاومة مضادات الميكروبات و مفهوم الصحة الواحدة (One Health concept AMR and) :
يموت ما يقرب من مليون شخص كل عام بسبب الالتهابات البكتيرية التى لا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية الشائعة، وهذا أمر مخيف لأنه ليس لدينا أى بديل لهذه المضادات الحيوية فى الوقت الحالى.
ووفقاً للموقع الطبى الأمريكى Medical X press تحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تتغير البكتيريا بطريقة تمنع المضاد الحيوى من العمل، وتأتى التغييرات فى البكتيريا المعروفة باسم آليات المقاومة، بأشكال مختلفة ويمكن مشاركتها بين البكتيريا المختلفة. وأشار الباحثون إلى أن مقاومة المضادات الحيوية تخاطر بعودتنا إلى عصر يمكن أن تصبح فيه “الخدوش مميتة” . في ولاية بنسلفانيا الأميركية اكتشفت حالة لبكتيريا مقاومة لمعظم المضادات الحيوية المتوفرة، و هذه البكتيريا التي اكتشفت أثارت المخاوف لسببين، الأول أن عقار كولستين هو مضاد حيوي يعد الملاذ الأخير للعلاج عندما تفشل المضادات الأخرى في علاج البكتيريا, أما السبب الثاني فهو أن جينة هذه البكتيريا قادرة على التحرك والانتقال من فصيلة بكتيريا إلى أخرى, ويخشى العلماء قدرة جينة البكتيريا المكتشفة على استيطان أنواع أخرى من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وتحولها إلى بكتيريا خارقة تطوّر مناعة ضد جميع أنواع العقاقير.
لذا تعد مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) مشكلة مستمرة تتعلق بمفهوم الصحة الواحدة (One Health) و ذات أبعاد عالمية . كما ان نقص المضادات الحيوية الجديدة لها احتمالات مقلقة للبشرية جمعاء لذا تم استخدام المضادات الحيوية من الملاذ الأخير ، على سبيل المثال ، polymyxins و carbapenems ، لعلاج الالتهابات التي تسببها الأمراض البكتيرية سالبة الجرام. واخيرا ظهرت مقاومة علاجات الملاذ الأخير بشكل متزايد ، الأمر الذي دق ناقوس الخطر بشأن خيارات العلاج المحدودة المحتملة في المستقبل القريب. يعتبر كوليستين أو بوليميكسين B مضادًا حيويًا أخيرًا ضد عدوى MDR ، وخاصة البكتيريا المعوية المقاومة للكاربابينيم . كما يستخدم كولستين على نطاق واسع في الخنازير لعلاج الالتهابات المعوية التي تسببها الإشريكية القولونية خاصة الإسهال بعد الفطام . أسباب مقاومة مضادات الميكروبات ((AMR :
- الانتخاب الطبيعي: إذ إن تعرض البكتيريا للمضادات الحيوية يؤدي إلى موت السلالات الضعيفة وبقاء السلالات القوية، والأخيرة وإن كانت نادرة في السابق فإنها تتكاثر لتصبح هي الشائعة والمنتشرة وينتج ذلك من :
- الأخطاء في التشخيص:إذ يتم وصف المضاد الحيوي لعدوى فيروسية لا بكتيرية، وكلما زاد تعرض الجسم والبكتيريا التي فيه للمضادات الحيوية زاد احتمال حدوث طفرات وظهور سلالات مقاومة للمضادات.
- سوء استخدام المضادات الحيوية: عدم إكمال المدة العلاجية كاملة وهذا يعني بقاء بكتيريا لم يتم القضاء عليها بالمضاد الحيوي تكون قد تعرضت له وطوّرت مقاومة له، وفق المثل الشائع “الضربة التي لا تقتلك تقويك”.
- المضادات الحيوية التي تعطى للحيواناتمثل الأبقار والخراف والدواجن في المزارع تؤدي إلى ظهور سلالات مقاومة من البكتيريا، كما أن هذه المضادات تصل إلى أجسام البشر عندما يتناولون لحومها وألبانها، وبالتالي تؤدي لظهور سلالات مقاومة من البكتيريا.
- الطفرات الجينية:إذ إن البكتيريا تمر بتغيرات في مادتها الوراثية قد تؤدي إلى زيادة قدرتها على مقاومة المضادات الحيوية، وبالتالي تحولها إلى سلالات مقاومة.
مقاومة الكولستين : يستخدم كوليستين، في السنوات الأخيرة كدواء الخط الأخير غالبًا لعلاج التهابات الجهاز التنفسي بسبب MDR-GNB. ، لكن اصبحت هناك زيادة ملحوظة في حدوث العدوى المقاومة للكوليستين. ظهرت العديد من استراتيجيات لاكتساب مقاومة البوليميكسين من قبل البكتيريا فمؤخرًا تم اكتشاف جين مقاومة محمل على البلازميد (conjugative plasmid-mediated resistance gene) . يُعرف باسم mcr . الذي تسبب في مقاومة الكوليستين بين الأنواع سالبة الجرام المقاومة للأدوية المتعددة في قارات مختلفة. و في مسببات الأمراض من مصادر مختلفة مثل الإشريكية القولونية من الخنازير في الصين الدواجن في الأرجنتين.بعد اكتشافه في عزلات بشرية ، تم فحص سلالات الحيوانات لوجود mcr-1 ومن المثير للاهتمام ، أن اكتشاف mcr-1 في E. coli التي تُعزى إلى استخدام colistin في المجال البيطري كمضاد حيوي علاجي أو مضافات الأعلاف مما يشير إلى أن مقاومة mcr-1 للكوليستين ظهرت لأول مرة نتيجة لاستخدامها المكثف في الإنتاج الحيواني منذ منتصف الستينيات ، والتي يتم نقلها بعد ذلك إلى مسببات الأمراض البشرية. وقد كانت مقاومة الكوليستين نادرة ، ولكن تم وصفها. اعتبارًا من عام 2017 ولقد عرف أول جين لمقاومة الكوليستين في البلازميد والذي يمكن نقله بين السلالات البكتيرية ( mcr-1 ) الذي تم العثور عليه في عام 2011 في الصين في مزرعة للخنازير حيث كان الكوليستين يستخدام بشكل روتيني وأصبح معروفًا في نوفمبر 2015. و تم تأكيد وجود هذا الجين المحمول بالبلازميد ابتداءً من ديسمبر 2015 في جنوب شرق آسيا ، وعدة دول أوروبية و الولايات المتحدة. وما يزيد الامر خطورة انه حتى عام 2015 ، كان المعوف ان مقاومة الكوليستين ناتجة عن طفرات في جينات تحمل على الكروموسوم مما يجعلها محدودة الانتشار وقد لوحظ أنه بعد هذا التاريخ بدأ ظهور جينات مقاومة للكولستين mcr)) تحمل بواسطة البلازميد مما يؤدي الى سرعة وزيادة انتشار المقاومة للكوليستين التي تتطلب مزيدًا من الدراسة والبحث.
في مجال الدواجن و الطب البيطري يستخدم كولستين في علاج البكتريا المعويه, كما يستخدم في فتره التحضين للوقايه والحماية من البكتريا المعويه مثل الايكولاي والسالمونيلا و تلجأ معظم مزارع الدواجن لاستخدمه لتسريع نمو الدجاج, في حين استخدامه لعلاج مرضى الحالات المستعصية وقد ادى هذا السوء في استخدام هذا العقار لوضعنا امام سيناريو العودة الى ما قبل ظهور المضادات الحيوية، وأمام عودة الأمراض التي كان يمكن علاجها بالمضادات إلى أمراض مميتة مرة أخرى، وهذا من «أكبر الأخطار التي تهدد الصحة العالمية والأمن الغذائي»، وقد يتسبّب بوفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً بحلول سنة 2050، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وتعد الحيوانات المنتجة للغذاء مستودع مهم للبكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة لذا فإن خطورة اكتشاف تلك السلالات في دجاج التسمين يمثل تهديدًا للصحة العامة عن طريق السلسلة الغذائية.
توصيات :
يجب ان تقوم السلطات المعنية باتخاذ الإجراءات الإدارية المناسبة في محاولة من السلطات لخفض استخدام المضادات الحيوية قدر الإمكان في تربية الحيوانات التي تستخدم من أجل لحومها، وذلك لمنع تأثير هذه المضادات على صحة الإنسان نفسه.
المراجع
- Calnek, B.W.; Barnes, H.J.; Beard, C.W.; McDougald, L.R.; Saif, Y.M. Diseases of Poultry, 10th ed.; Iowa State University Press: Ames, IA, USA, 1997.
- Haider, M.G.; Hossain, M.G.; Hossain, M.S.; Chowdhury, E.H.; Das, P.M.; Hossain, M.M. Isolation and characterization of enterobacteria associated with health and disease in sonali chickens. Bangl. J. Vet. Med. 2004, 2, 15-21.
- Yeh, J.C.; Chen, C.L.; Chiou, C.S.; Lo, D.Y.; Cheng, J.C.; Kuo, H.C.: Comparison of prevalence, phenotype, and antimicrobial resistance of Salmonella serovars isolated from turkeys in Taiwan. Poult. Sci. 2018, 97, 279–288.
- van den Bogaard, E.; London, N.; Driessen, C.; Stobberingh, E.E.: Antibiotic resistance of faecal Escherichia coli in poultry, poultry farmers and poultry slaughterers. J. Antimicrob. Chemother. 2001, 47, 763-771.
- Yu, Z., W. Qin, J. Lin, S. Fang, and J. Qiu: Antibacterial mechanisms of polymyxin and bacterial resistance. Biomed Res Int, 2015. 2015: 679109.
- Olaitan, A.O., S. Morand, and J.-M. Rolain: Mechanisms of polymyxin resistance: acquired and intrinsic resistance in bacteria. Frontiers in microbiology, 2014. 5: 643.
- Arcilla MS, v.H.J., Matamoros S: Dissemination of the mcr-1 colistin resistance gene. Lancet Infect Dis 2016. 16: 147–49.
El-Mokhtar et al. / Colistin resistant E. coli, Volume 28 / No. 2 / April
- Garcia-Menino I, Diaz-Jimenez D, Garcia V, de Toro M, Flament-Simon SC, Blanco J.: Genomic characterization of Prevalent mcr-1, mcr-4, and mcr-5 Escherichia coli within swine enteric colibacillosis in Spain. Front Microbiol. 2019;10:2469.
9- مقال بعنوان مقاومة المضادات الحيوية تهدد الجنس البشري – موقع – صحة / شرق أسيا.
مقال مقدم من ط.ب. امنية احمد محمد كمال العوسي
باحث بمعهد بحوث الصحة الحيوانية معمل الزقازيق – مركز البحوث الزراعية – مصر