الدكتور ناصر أبو عرب يكتب : حفظ الأغذية بالتشعيع
يظن البعض أن تشعيع الأغذية من أجل حفظها وإطالة فترة صلاحيتها يسبب تلوث إشعاعى وخطورة على الإنسان والكائنات الحية ، والحقيقة أن تكنولوجيا تشعيع الغذاء من أجل حفظه تختلف عن التلوث الإشعاعى والذى قد يكون سبباً فى الكوارث النووية كالتى حدثت فى هيروشيما ونجازاكى باليابان ومفاعل تشرنوبل فى الإتحاد السوفيتى وكذلك تختلف الأغذيه المشععه عن الأغذيه المشعه الملوثه بعناصر مشعة وقاتلة .
وعلى هذا فتشعيع الأغذية هى إحدى عمليات حفظ الأغذية الحديثة فى كثير من دول العالم والتى لا تغنى عن غيرها من طرق حفظ الغذاء وإطالة فترة صلاحيته وهى عملية يتم فيها تعريض المادة الغذائية الى كمية من الأشعة المؤينة وهى ثلاثة أنواع : أشعة جاما وأشعة إكس وبيتا وأشعة الحزم الإلكترونية .
1ـ أشعة جاما وهى أشعه كهرومغناطيسية مثل الضوء العادى تنتج من مادة مشعة هى الكوبالت 60 أو السيزيوم 137 وتنتج طاقة عالية من أشعة جاما بشكل مستمر كما أن لها القدرة على اختراق المادة الغذائية الى مدى عميق وتحطيم الأحياء الحية بها وذلك عن طريق إحداث خلل فى الحمض النووى DNA .
2ـ أشعة إكس وأشعة بيتا وتنتج من جهاز مسرع للإلكترونات وعند التشعيع ترتكز على جزء صغير من المادة الغذائية وهى أشعة ذات طاقة عالية ” إلكترونيات “ناتجة عن تحطيم الذرة وتحمل شحنة سالبة وذات سرعة عالية جداً ولها استخدام محدود فى حفظ الأغذية لفشلها فى أختراق المادة الغذائية .
3ـ أشعة الحزم الإلكترونية وتنتج بتسريع الإلكترونات وتستطيع اختراق المادة الغدائية إلى مسافة 2 بوصة ويتم تشعيع الغذاء عن طريق تغليفه وإدخاله إلى غرفة ذات جدران سميكة حيث تتعرض المادة إلى الأشعة حسب نوعها. فتتعرض لأشعة جاما لفترة من ربع ساعة إلى حوالى ثلاثة أرباع الساعة أولأشعة الحزم الإلكترونية لمدة ثوانى وخلال عملية التشعيع يجب أن تكون الأشعة والغذاء فى وضع متحرك دائماً حتى يتم اختراق الأشعة بشكل كامل ويتم بعد ذلك غمر القضبان المشعة فى مسبح مائى تحت الأرض إذا كان التشعيع بأشعة جاما أما إذا كان من خلال الحزم الإلكترونية فيتم قفل المصدر الإلكترونى من الكهرباء فقط.
وتعتبر معالجة الأغذية بالإشعاع من أحدث التقنيات للقضاء على ملوثات الغذاء والحصول على أغذية عالية الجودة وخالية من الميكروبات المرضية والفطريات المفرزة للسموم والطفيليات الضارة بصحة الإنسان ويستخدم الإشعاع المؤين من العناصر الإشعاعية مثل السيزيوم 137 والكوبالت 60 والستروتيتوم 90 والأجهزة التى تطلق إشعاعات بيتا أو الأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية لمعالجة الأغذية الطازجة وذلك لمنع التعفن وقتل الميكروبات والحشرات والديدان والطفيليات من أجل حفظ الأغذية أطول فترة ممكنة حيث يقوم الإشعاع بإختراق المادة الغذائية بدرجات متفاوتة فتزيد الفعالية الكيميائية بسبب حدوث التأين للذرات والجزيئات وتكوين الجزور الحرة وتكون جزيئات كبيرة قاتلة داخل خلايا البكتيريا وتحطيمها مما يساعد على حفظ الأغذية ومنع الفساد والتسمم الغذائى فى الأغذية الطازجة سريعة التلف كالأسماك والدواجن وخفض البكتيريا الممرضة فى الحبوب والتوابل وإطالة فترة صلاحية الفواكه والحبوب والتمور ، كما تساعد هذه التقنية على إطالة صلاحية الغذاء كالبطاطس والبصل والثوم ومنع تزريعه والقضاء على الأطوار الحشرية المختلفة فى الحبوب والبقوليات والتوابل والقضاء على الطفيليات والفطريات الموجودة بها وتأخير نضج الفواكه.
وتتميز المعالجة بالإشعاع بقلة النفقات والسرعة حيث لا تحتاج إلى رفع درجة حرارة الغذاء وهو ما يسمى التعقيم البارد وهى إحدى طرق التشعيع وتسمى كذلك طريقة البسترة وتكون باستخدام الجرعات المنخفضة من الإشعاع ، أما الطريقة الثانية فهى طريقة التعقيم وتكون باستخدام جرعات مرتفعة من الإشعاع . وقد يكون حفظ الأغذية بإختلاف أنواعها بطريقة التشعيع أفضل من حفظها بالمواد الكيميائية بسبب ما تسببه من تلوث بيئى وأضرار صحية تصيب المستهلك .
وكما سبق القول أن الحفظ بالإشعاع يتميز بالسرعة وقلة النفقات وانعدام الأثر الضار للإشعاع على الإنسان وبدون رفع درجة حرارة الغذاء ، أما إذا زادت نسبة الإشعاع على الغذاء فيمكن أن تتأثر البروتينات والفيتامينات وتتغير طبيعتها حيث تنفصل بعض الجزيئات وترتبط ببعضها مرة أخرى وقد يكون الإشعاع قوياً إلى حد ترسيبه للبروتين وبالتالى يتسبب فى تغير الطعم فى الأغذية المحتوية على البروتين كاللبن والبيض ، وكذلك تتلف بعض الفيتامينات ومضادات الأكسدة والكربوهيدرات بتأثير الإشعاع بدرجات متفاوتة .
وقد أجازت كثير من الدول الحفظ بالتشعيع للحبوب والدواجن وغيرها مع بيان أن هذه المنتجات الغذائية مشععة وقد أعلنت لجنة دستور الاغذية (Codex) أن الأغذية المشععة آمنة على صحة المستهلك. وقد أثبتت الدراسات من إدارة الغذاء والدواء ووزارة الزراعة ووزارة الطاقة الأمريكية والعديد من جامعات العالم أن الغذاء المشعع أمن للإستخدام كما أن منظمة الصحة العالمية صادقت على استخدام تشعيع الأغذية وهذه التقنية مستخدمة الأن ومرخص بها فى أكثر من 60 دولة حول العالم لمنتجات مختلفة وتباع الأغذية المشععة بأسعارأعلى عن نظيرتها غير المشععة فى البلاد التى تشعع الغذاء وذلك لخلوها من الكائنات الدقيقة والحشرات والفطريات وغيرها مع فترة صلاحيتها الطويلة وعدم ظهور الإنبات أو التزريع فى المنتجات كالبصل والثوم والبطاطس .
ومع ذلك تظل المخاوف وعدم الراحة عند الكثير من المستهلكين من استهلاك الأطعمة المشععة مع هواجس وجود أثار جانبية لها ولوعلى المدى الطويل ولذلك تختلف تشريعات الدول فى تحديد جرعة الإشعاع وطريقته ونوع الغذاء المسموح بتشعيعه وفى جميع الأحوال تنص سياسات الدول على ضرورة ذكر أنه طعام مشعع فى بطاقات الإنتاج وهى السياسة التى لا يلتزم بها الكثيرمن المنتجين. وبسبب الغموض الذى يحيط بهذه العملية مع تلاعب المنتجين والشكوك والرفض من تناول هذه المنتجات المشععة من قبل المستهلكين ينبغى السعى إلى تقنين هذه العملية وتنظيمها من خلال التشريعات والقوانين مع تكثيف الدراسات البحثية حول تأثير الغذاء المشعع على صحة الإنسان على المدى الطويل وذلك من خلال المؤسسات البحثية والعلمية حول العالم لجنى فوائد هذه الطريقة من طرق حفظ الغذاء واجتناب مضارها.
د. ناصر محمد محمد أبو عرب
باحث أول صحة الأغذية
معهد بحوث الصحة الحيوانية – معمل بنها – مركز البحوث الزراعية- مصر