العلاقات بين البشر متباينة.. فالناس فيهم الكريم وفيهم اللئيم
فالكريم هو: من إذا أحسنت إليه شكرك وعرف لك الجميل وذكرك بالذكرالحسن وكافأك على المعروف متى وجد الفرصة ..أو سنحت له فرصة ولو بكلمة طيبة. وإذا لم يجد يدعو لك عن ظهر الغيب .
واللئيم هو: الذى مهما احسنت اليه لاتجد منه إلا الغدر والخيانة ونكران المعروف والجميل ..
فيقابل المعروف بالإساءة ويقابل الجميل بالنكران والجحود ..
وكأنه لم يقرأ قوله تعالى ( هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ) ويرسخ بافعالة الجاحدة المثل الذى يقول ( إتق شر من احسنت إليه )
وقيل فى شأن ناكر الجميل ..
ناكر الجميل هوأسوأ مخلوق على وجه الأرض لأنه صاحب قلب خبيث ونوايا سيئة ..يبيع الغالى بالرخيص…مهما فعلت أو قدمت له فأنت له عكازه الذى يتسلق به إلى الناس على اكتافك حتى يصل إلى مبتغاه . فناكر الجميل كالأعمى الذى يكسر عصاه بعد أن يبصر ..
وبالتالى هو أسوأ الناس خُلقاً
لانه يصد المجتمع عن فعل المعروف بسبب جحوده..
فمن مساوئ ناكرى الجميل والمعروف أن يجعل الشخص يراجع نفسه ..بل ويعاتبها ويؤنبها على ماقدمه من معروف أو جميل
فعندما تخلص لشخص وتقدم له يد المعونة والمساعدة وتنشله من الحضيض حتى يقف على رجليه
ويصبح له قيمة بين الناس .. ثم تجد هذا الشهص قابل إحسانك بخسه وأنكر فضلك .. وأفشى سرّك .. وجحد عشرتك . وقال عنك ما ليس فيك….هذا يحزنك ويصدمك. وتكره نفسك ! وما أكثرهم على جميع المستويات حتى داخل البيوت وفى المؤسسات .
وكل ناكرى الجميل لايحب أن يراك لانك تذكره بلحظات ضعفه واحتياجه ،وهذا شائع فى المجتمع حتى بين الأب وابنه والرجل وزوجته و بين الأساتذة والطلاب وهذا شائع .فتجد أن الطالب بمجرد أن يحصل على مبتغاه نسى فضل استاذه و لايقدر عاطفته ولا مشاعره .ولا عطاؤه اوتضيحاته من أجله، بل فيكون استاذه بالنسبة له لم يكن شيء له فى حياته سوى كـعابر سبيل ! وفى بعض المؤسسات تحد من تزرعه يكون هو السبب فى خلعك من المؤسسة ..!
ولذلك ناكر الجميل والمعروف شخص عديم الادب عديم الوفاء أنانى يعبد نفسه وذاته ..هو أحقر الناس خُلقاً. إذا شبع منك أنكر فضلك. فهو لا يأتمن ولا يعاشر ..
وهو أسوء من المنافق لأنه يدور مع مصلحته فقط إذا وجد من يسعده اليوم ، نسي من أسعده بالأمس . .حتى قيل لا تصنع المعروف فى غير أهله واستشهدوا بحكاية الاعرابى الشهم .. فيُحكى أن جماعة من العرب خرجت للصيد، فعرضت لهم أنثى الضبع فطاردوها، وكان العرب يطلقون عليها أم عامر، وكان يومها الجو شديد الحر، فالتجأت الضبع إلى بيت رجل أعرابي، فلما رآها وجدها مجهدة من الحر الشديد، ورأى أنها استنجدت به مستجيرة، فخرج شاهراً سيفه، وسأل القوم: ما بالهم؟. فقالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي الشهم الذي رقّ قلبه على الحيوان المفترس: إنها قد أصبحت في جواري، ولن تصلوا لها ما دام هذا السيف بيدي، فانصرف القوم، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدّم لها الحليب، فشربت حتى ارتدّت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة.
وفي الليل نام الأعرابي مرتاح البال فرحاً بما فعل للضبع من إحسان، لكن أنثى الضبع بفطرتها المفترسة نظرت إليه وهو نائم، ثم انقضت عليه، وبقرت بطنه وشربت من دمه، وبعدها تركته وانصرفت.
وفي الصباح حينما أقبل ابن عم الأعرابي يطلبه، وجده مقتولاً، وعلم أن الفاعلة هي أم عامر أنثى الضبع، فاقتفى أثرها حتى وجدها، فرماها بسهم فأرداها قتيلة.
وقد أنشد أبياته المشهورة التي صارت مثلاً يردده الناس حتى وقتنا هذا:
ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله
ِ يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ امِّ عامر
أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ
طعاماً وألبان اللـــقاح الدرائـــــــر ِ
وسمـَّـنها حتى إذا مـــــا تكاملــــتْ
فـَـرَتـْهُ بأنيابٍ لها وأظافــــــــــر
فقلْ لذوي المعروفِ هذا جزاء منْ
بدا يصنعُ المعروفَ في غير شــاكر ِ…
علينا أن نراجع علاقاتنا مع بعض الأشخاص الذين لم يقدروا قيمتنا أو مواقفنا معهم ..ولا ننتظر أن تأتينا منهم صدمات اكبر ..
أصعب شيىء على نفس الإنسان أن يعيش على الشك والريبة فى كل من حوله أنهم خونه وغير اوفياء ..لأن إنسانجاحد .تصادفه ..قد يجعلك تخسر معظم اصدقائك بنظرة الشك والريبة لهم ..
وعليك أن تتعمد بعض الأخطاء .مع من يحيطون بك أو ممن تتعامل معهم …حتى ترى ردود ألافعال تجاهك بدون نفاق .. وستندهش من النتائج.. .. المهم ألا تنصدم !! تلك معادن البشر وتلك معادنهم الحقيقية ..فالناس منهم الذهبٌ ومنهم الخشب ….
وإذا أردت أن تكتشف نوعية المحيطين بك: إرمِ العظام و ستظهر الكلاب ..وارمِ البذور ستظهر العصافير…وارمِ نفسك سيظهر الأصدقاء !..فالمواقف هى الكاشفة والأيام لمن يحسن قراءتها كفيلة بأن توضح لك مشاعر الآخرين تجاهك..
موقف صغير يحدث أو كلمة عابرة تقال بدون تحفظ تكشف لك حقيقة مافى القلوب حتى قيل (ما فى الوجدان تظهره فلتات اللسان )..
و فى كل الأحوال .نحن جميعا فى معترك الحياة وسنجابه فيها بشتى أصناف المنغصات: خوف، مرض، فقر، غربة، وحشة، فقد الأحبة، غدر الناس خيانة الاصدقاء ، أذية الاعداء والحاقدين والمتعالين، والقائمة لا تنتهي
فما أجمل أن تقول بعد كل شدة وبعد كل موقف عصيب يمر بك الحمدلله الذي أعاد إليّ بصَري..
وتحلى بسلاح الصبر ورباطة الجأش .وتعلم أن .لا نغتر بحسن الأقوال ولكن إنتظر …حسن الأفعال.. ….
ومهما غدر بك إياك أن تنظر إلى الدنيا بمنظار اسود ..ولكن بعين المتفائل بنصر الله وتوفيق الله طالما صادق النوايا ولا تحمل الا الخير للجميع
وإياك أن يصدك من تصادفهم من ناكرى الجميل عن صنع المعروف . أو تقول الكل مايستاهلش فأنت بذلك ستكون أكثر سوداوية من هؤلاء ..ولكن افعل المعروف فأنت لأجلك انت .. وابتغاء الاجر والثواب من رب العالمين ..فقد قيل ..إصنع المعروف في أهله وغير أهله ، فإن أصبت أهله فهم أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله .وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك
واعلم بانك لن ترتقي المراتب
الا بالصبر على مرارة المصائب!
وصنائع المعروف تقي مصارع السوء.
وكل شي قابل للتعويض، وما لايتم تعويضه يتم استبداله وما لا يمكن استبداله يمكن الاستغناء عنه والتأقلم على غيابه ومهما كان حجم الخسارة تظل الخيرة فيما اختاره الله لك…
وتبقى أفضل الأمنيات لنا جميعا هي أن يجد كل منا فى الحياة انسان يقدر قيمة الصحبة ويحفظ ود العشرة ويكون صادق الوفاء… يحبنا ونحبه فى الله ولله ..
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش
استاذ المحاصيل وكيل كلية الزراعة بالمنوفية