يسألونك عن الأحزاب، قل: منها من يمشي على بطنه، ومنها من يمشي على رجلين ، ومنها من يمشي على أربع، ومنها الكسيح، ومنها من ليس له في العير ولا في النفير، ومنها من يجدع ولا يجيب الحجارة، على الرغم من تمتعها بأسماء رنانة؛ مثل أحزاب “القوى الجديدة”، و”حركة الحسم المجيدة”، و”حركة الأناء العنيدة”،” وحركة الأيام السعيدة”، ولكن ما هي سوى أسماء سَمَّوْها، ما أنزل الله بها من سلطان.
وإذا نظرنا إلى واقع الأحزاب، وجدنا أن منها مالديه من عضوية وجمعية عمومية ما لا يزيد عن عدد ركاب أوتوبيس أو ميكروباص.
عاشت مصر أربع مرات مع الأحزاب:
– الأولي: في مطلع القرن الماضي حتي جاءت حركة يوليو ١٩٥٢وقضت عليها.
– الثانية: في منتصف سبعينيات القرن الماضي مع الرئيس السادات، واستمرت خلال فترة الرئيس مبارك، وكانت مجرد ديكور لتجميل وجه النظام، لإيهام العالم بأن لدينا أحزابًا وتجربة حزبية ديمقراطية حقيقية.
– الثالثة: بعد ثورة ٢٥يناير؛ حيث تشكل أحزاب لا حصر لها نتاج ما تم في عام ٢٠١١، ولكن لم نر لها وجودًا أو مشاركة فعالة بتقديم أي شيء يذكر.
– الرابعة: بعد يونيو ٢٠١٣؛ حيث زاد عددها بشكل لا يُصدَّق؛ حتى إن السياسي المخضرم لا يعرف عنها شيئًا؛ إذ لاتعدو مجرد حراك على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فليس لها أدنى معارضة للحكومة حتى ولو شكلية، مثلما كانت الأحزاب في فترة مبارك .
وما دعاني للحديث عن الأحزاب، الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلد، والارتفاع الفاحش في الأسعار؛ فلم نسمع لها عن برنامج يبين كيفية الخروج من الأزمة، ولم نسمع لها صوتًا أو رأيًا، بل إنها لم تحرك ساكنًا بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، غير أنها تتسابق على المرشح الذي لا يحتاج إلى تأييد لعلمهم أنه مستمر في منصبه.
وقد سألت بعض المواطنين عن دور الأحزاب، وعمليات التنسيق فيما بينها لمناقشة مشاكل البلد والعباد، وما يجري حولنا، فأجابوا بأنهم لا يعرفون عنها شيئًا، بل لا يعرفون حتي أسماءها إلا من خلال تأييد وتصفيق رؤسائها على مواقع التواصل الاجتماعي.
إنَّ من يتابع واقع الأحزاب خلال السنوات الماضية، لايجد لها شيئًا ملموسًا شاركت فيه، أو ورقة عمل حول رؤيتها لمستقبل البلد؛ لذا فإن من شارك في عضوية تلك الأحزاب لم ينل غير وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب؛ فهي لا تشبه حتى مسدس الصوت.
وعلى الرغم من ذلك، إذ استمعت إلى بعض قياداتها أوهمتك بأنها تمتلك الشعب كله، وأنها قادرة على تحريك الرأي العام.
وهذا ما نراه الآن في تسابقها على التأييد وليس المحاسبة والمراجعة والمناقشة والحوار مع مرشحين في انتخابات يعلم الجميع نتائجها.
ولا تخجل هذه الأحزاب من عمليات المبايعة العلنية، والإعلان في وسائل الإعلام التي لا يتابعها المواطن ولاتعنيه في شيء؛ لأنها لا تعبر عن مشاكله، ولا تتبني قضاياه، ولا تسعي لتقديم خدمات له.
إنَّ عدم معرفة رجل الشارع باسم حزب واحد، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تطحن معظم أفراد الشعب، لدليل قاطع علي هشاشة الحياة الحزبية، بالرغم من الزيادة العددية لتلك الأحزاب، وتاريخ البلد في الحياة السياسية والحزبية.
ليس للأحزاب أدنى حضور سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، بل لا وجود لها في أذهان العامة؛ إذ لا تقدم النموذج الفعلي للأحزاب الجادة التي تشارك في تنمية بلادها، فإذا ما واجهتها بحقيقة عدم شعور المواطن بها، اتهمتك بأنك مُغرِض، ووصفتك بأسوأ الأوصاف.
حين أسست الأحزاب في بداية القرن الماضي على يد الزعيم مصطفي كامل، كان همها الاستقلال وطرد المحتل، وحصول الشعب على حريته، وتوعية الناس.
وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي كان همها بعد الحرب، تحقيق الديمقراطية، وبناء البلد وتنميته، ثم بعد يناير ٢٠١١ تحدثت عن العيش والحرية والكرامة الإنسانية، ولكنها بعد يونيو ٢٠١٣ لم تفعل شيئًا، بل خالفت كل قواعد قيام الأحزاب في العالم؛ إذ لاذت بالصمت ولم يعد لها دور سواء بالإيجاب أو بالسلب، وكأن كل همها هو الحصول على مقاعد لدخول مجلسي النواب والشيوخ، والحصول علي رضا النظام على حساب الشعب.
وهنا نسأل الأحزاب- لو كانت أحزابًا بالفعل – لماذا لا نسمع لكم صوتًا في قضايا بلادكم، ولماذا لا تساعدون الحكومة في إحداث التنمية والتقدم؟ فالأحزاب في الخارج تتحرك كالزلزال وتجري كأمواج البحر، وتقف كالجبال؛ من أجل مصالح بلادها والمشاركة بفاعلية في تنميتها، وليست عالة على الشعب إلا أنك لن تجد من يجيب.
إن المراقب لوضع الأحزاب، يري مدى عجزها عن التواصل مع الجماهير، وعدم قدرتها على مناقشة النظام لتصحيح الأخطاء التي تحدث، وتصويب بوصلة الحكومة لتحقيق طموحات الشعب؛ بدليل أنها لم تبدِ رأيًا في أية قضية تهم المواطن، ولم تطرح حتى رؤية واحدة للتطوير أو تحقيق التنمية، أو حل أية أزمة سواء على المستوي الداخلي أو الخارجي.
فكيف إذًا تطلب الأحزاب من الجماهير الوقوف خلفها لتأييد أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية، دون أن تقدم لها شيئًا؟
على الأحزاب إعادة هيكلتها، والنزول إلى الشارع ومشاركة المواطن والحاكم في إدارة البلاد، وأن يكون لها أرضية حقيقية بين الجماهير؛ لكي تعمل لها الحكومة حسابًا.
فإن سألوك عن الأحزاب فقل: أحزاب ديكور هشة معرضة للانهيار في أية لحظة لغياب القاعدة الشعبية لها.