وقف العضو العربى فى الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة رئيس ” قائمة الجبهة العربية للتغيير” على المنصة الرئيسية ليلقى كلمة أمام النواب، فى أعقاب الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على مخيم جنين بالصفة الغربية المحتلة، فإذا به يفاجئ الجميع بكلام كالرصاص، عبر من خلاله عن إدانته للاحتلال، وتعاطفه بكل قوة مع المقاومة الفلسطينية، مما أثار استفزاز نواب الأحزاب اليمينية المتطرفة والمستوطنين، ودفع رئيس المجلس نسيم فاتوري إلى استدعاء الحرس لإنزاله من على المنصة، وإغلاق الميكروفون عليه، حتى لا يسمع صوته، وقد وثقت الواقعة المثيرة فى مقطع فيديو مازال متاحا على الـ ” يوتيوب “.
افتتح عودة كلمته قائلا : ” قتلى في جنين.. جرحى في تل أبيب.. جندي قتيل.. دمهم جميعا على احتلالكم الملعون.. الاحتلال يُعمي.. القوة تُعمي.. أنتم تتصرفون ليس فقط كمحتلين وإنما أيضا كأغبياء.. جولة جديدة من العدوان، انظروا ماذا حدث فى مخيم اللاجئين فى جنين، كلهم فخورون في جنين، وهم محقون، محقون، والآن سينضم آخرون للمناضلين ضد هذا الاحتلال الملعون، أنتم لستم فقط مجرمين، لكنكم أغبياء”.
وأضاف عودة : ” الشعب الفلسطيني سيواصل النضال، ونحن فخورون بجنين، يعيش مخيم جنين، يعيش النضال العادل للشعب الفلسطينى، الاحتلال غير شرعي والمقاومة شرعية، إن لكل فعل رد فعل، هذا هو قانون الطبيعة، مادام الاحتلال موجودا فالمقاومة موجودة ومشروعة، والشعب الفلسطينى سيواصل النضال وتقديم التضحيات، لأن نضاله عادل، لأنه يناضل من أجل حريته، إن المصلحة الحقيقية للشعبين هى السلام، السلام يعنى الاعتراف بالحق الشرعى للشعب الفلسطينى، وإقامة دولته إلى جانب إسرائيل”.
بهذه الكلمات الصارخة أثار عودة استفزاز عدد من أعضاء الكنيست، فوقفوا يعلنون اعتراضهم عليه، وأخذوا يلوحون بأياديهم ويصرخون، ويطالبون بإنزاله من المنصة، لكنه واصل حديثه مؤكدا : ” أنظروا إلى شجاعة الشعب الفلسطيني فى مواجهة الاحتلال، وفى مواجهة الولايات المتحدة، الشعب الفلسطيني يناضل لوحده، بإمكان حرس الكنيست إنزالى عن المنصة، لأن المستوطنين والمحتلين والظالمين لايريدون سماع كلمة الحق، لكن الحقيقة ستبقى ساطعة وأبدية، الاحتلال غير شرعى، والمقاومة شرعية “.
عندئذ توجه عدد من النواب اليمينيين صوب عودة، وحاولوا الاعتداء عليه جسديا وإنزاله بالقوة، لكنه تصدى لهم مع مجموعة من زملائه فى ” قائمة الجبهة العربية للتغيير”، وهنا تدخل رئيس الكنيست، وأمر الحرس بإنزال النائب عن المنصة، وهو ينهى حديثه قائلا : ” تنزلوننى، لكن الشعب الفلسطينى سيواصل نضاله، يعيش مخيم جنين.. يعيش الشعب الفلسطيني.. يعيش نضاله العادل.. تعيش المقاومة .. الخزي لكم “.
هذه الواقعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد كانت هناك وقائع مشابهة لنواب فلسطينيين داخل الكنيست، أثبتوا أن هويتهم الفلسطينية العربية أقوى من أى انتماء آخر، وأن مايسمون بـ ” عرب إسرائيل ” ليسوا إلا ” عرب فلسطين “، ومنهم من هو أشد انتماء لفلسطين ممن لايزالون يناضلون بالميكروفونات، وعلى الشاشات، خارج نطاق المواجهة، ويتكسبون من قضية بلادهم.
وهناك كثيرون فى فلسطين والعالم العربى يرفضون دخول أى عربى إلى الكنيست، أو إلى أية مؤسسة إسرائيلية، وهناك متطرفون يرون فى ذلك خيانة، تنطوى على التعاون مع المحتل وإعطائه شرعية لا يستحقها، بينما يرى آخرون أن هذا نوع من الاجتهاد الوطنى، ومجرد رؤية لتكامل الأدوار فى النضال من أجل تحرير فلسطين وشعبها، وقد جاءت واقعة النائب أيمن عودة لتثبت أن هؤلاء الفلسطينيين المسيسين قادرون على أن يقولوا فى بيت إسرائيل ” الكنيست ” مالم يعد يقدر على قوله أقرانهم وهم طلقاء فى بيوتهم.
ومن المتفق عليه أن العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى لن يتوقف، وبعد مجزرة جنين بالضفة الغربية اتجهت الآلة العسكرية الإسرائيلية إلى نابلس فى قطاع غزة، وأوقعت فيها الكثير من الشهداء والجرحى، ودمرت الكثير من المبانى، وواجهت مقاومة عنيفة عنيدة، أوقعت خسائر فى قوات الاحتلال.
وفى كل مواجهة تزداد المقاومة الفلسطينية قوة وصلابة عما كانت عليه، وإن لم تصل اليوم إلى توازن فى القوة مع العدو، فالمؤكد أن عدالة القضية والقوة المعنوية والتصميم، وروح التحدى التى عبر عنها عضو الكنيست، هذه العناصر مجتمعة تشكل تعويضا لفارق القوة المادية بين محتل غاصب متجبر، وشعب شجاع، يقاوم من أجل حريته وحرية أرضه، ويثق بأن النصر حليفه فى النهاية مهما طال الزمن، فهذا هو وعد الله للمستضعفين فى الأرض، أن ينصرهم ولو بعد حين.