فى كتابه “تهذيب التراث الإسلامى” يقول الدكتور محمد عمارة رحمه الله : تراثنا الإسلامي هو الميراث الذي امتلكته الأمة، وعاشت عليه، وأضافت إليه وطورته، في مختلف ميادين العلم والمعرفة والفكر والآداب والفنون، منذ ظهور الإسلام وحتى العصر الذي نعيش فيه، وهو التراث الذي أحيا واستوعب الكثير من مواريث شعوب الأمة في المراحل الحياتية التي سبقت ظهور الإسلام، وهذا التراث منه ما هو وحي إلهي مقدس ومعصوم، وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة إذا كانت متواترة قطعية الثبوت، أو عملية تجسدت في أرض الواقع، وشهدت عليها الأمة، ومارستها جيلا بعد جيل.
وهذا التراث المقدس لا يسمى فكرا، لأن الفكر عملية بشرية وإبداع إنساني، وثمرة للتفكر والتدبر والتعقل والتأمل، وجميعها من صفات الإنسان التي يتنزه عنها الله سبحانه وتعالى، فالتراث المقدس علم إلهي كلي مطلق ومحيط، وهو مصدر الوجود، بينما الفكر البشري هو معارف إنسانية، منها الديني الذي هو ثمرة التفكر في الوحي الإلهي، ومنها الدنيوي الذي هو ثمرة للتفكر في الوجود.
ومن الأمثلة على هذا التمييز في التراث ما يتعلق بالشريعة والفقه، فالشريعة وضع إلهي ثابت، بينما الفقه اجتهاد بشري محكوم بإطار الشريعة وقواعدها، ولذلك كان الشارع هو الله، ولا يوصف بالفقيه، وكان الفقيه هو الإنسان المجتهد في الأحكام الشرعية، ولا يسمى شارعا.
ولأن إبداع الأمة الإسلامية، الذي كون تراثنا الإسلامي، هو فكر غير مقدس ولا معصوم، دخل جميعه في باب الاجتهاد الذي لا عصمة له، والذي تجوز مراجعته، بل قد تجب هذه المراجعة لهذا اللون من التراث في كثير من الأحيان.
ولقد عرف تراثنا الإسلامي منذ أن استوى فن التدوين في حضارتنا قبل أكثر من ألف عام فنا من فنون تحقيق التراث، هو فن تهذيب هذا التراث، أي مراجعته، وإعادة إخراجه في صورة أفضل، سواء من حيث الشكل أو المضمون، وهو ما يؤكد حقيقة أن تهذيب التراث فن قديم وأصيل فى التعامل مع التراث.
لذلك فإننا لا نغالي إذا قلنا إننا نحتاج في واقعنا الفكري المعاصر إلى نهضة في تهذيب التراث، لترشيد فكرنا الإسلامي المعاصر، ولإقامة المصالحة الحقيقية بين هذا التراث وبين حقائق الوحي الإلهي المعصوم من جانب، وبينه وبين الحقائق العلمية من جانب آخر.
XXX
فى 15 أبريل 1935 نشرت مجلة “الرسالة” بالعدد 93 مقالا للأديب توفيق الحكيم بعنوان «الدفاع عن الإسلام» جاء فيه : ” الإسلام لم يخاصم العلم، وهو الذي اتسع صدره لكل شيء يصلح لمعالجة أزمات العالم الحاضر، الروحية والاجتماعية والاقتصادية، إذا قيض الله للإسلام رجالًا ذوى نظرة نافذة وذهن مستنير واطلاع واسع، يبرزون فضائله بأساليب جديدة، ويتولون إذاعته والدفاع عنه بأقلام ذكية قديرة.
ولئن كان على الأرض نبى أحب العلم، ولم يخش دينه العلم، ولم يضطهد العلماء، فهو محمد الذي قال: «فضل العلم خير من فضل العبادة»، وقال:«اطلبوا العلم ولو في الصين»، وكثيرًا من الأحاديث التى تثنى على العلم وتحض عليه.
وإنى قد قلتها وأقولها دائمًا: ليس الدفاع عن الإسلام أمر عقيدة وديانة، إنما هو إلى جانب هذا واجب قومى، يتعلق بحياة تلك الكتلة التى يسميها الغربيون (الشرق)، وما الدفاع عن الإسلام إلا الدفاع عن الشرق.
XXX
يقول الفيلسوف الأمريكى جارى ويلز فى محاضرة عامة متاحة على (يوتيوب): ” أنا كمسيحى أعتبر عيسى نبيا مرسلا من قبل إله واحد لاشريك له، وأنا كمسيحى أعبد الله، لكن كم منكم قرأ القرآن، أقلية بالتأكيد، إن علينا جميعا أن نخجل، نحن نهيمن على عالم ربع سكانه من المسلمين، ومع ذلك لا نعرف ماهو الإسلام الحقيقى، ولم نحاول قراءة كتابه.
فى القرآن الناس سألوا الله من خلال محمد كيف ينبغى أن يصلوا، وهذه واحدة من العقائد العديدة فى القرآن، وكانت الإجابة فى الآية 136 من سورة البقرة : ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
هذه عقيدة شاملة للغاية، اليهودية تقول إن المختارين هم المختونون، وفى المسيحية المؤمنون يقولون إن المختارين هم المعمدون، لكن القرآن يقول إن أهل الله المختارين هم جميع الموحدين منذ بداية الخلق، منذ آدم الذى وقع فى الخطيئة ثم تاب، وجعله الله أول نبي، ويقول الله فى القرآن إنه أرسل رسلا فى كل مرحلة من مراحل الخلق، وأنزل إلى جميع خلقه رسالة منه باللغة التى يستخدمونها، بالعبرانية للعهد القديم، وباليونانية للعهد المسيحى، وبالعربية للعهد الإسلامى، لأنهم جميعا خلق من خلقى.
وعندما تفكر فى تسلسل الأنبياء تجدهم حظوا بمديح كبير، وكلهم أرسلوا من الله مباشرة، فالقرآن يمدح موسى، وعيسى حصل على اعتراف أكبر من الأنبياء الآخرين، وجعل القرآن يوحنا المعمدان نبيا، ومريم والدة عيسى هى المرأة الوحيدة التى ورد اسمها صريحا فى القرآن، لم يذكر فيه اسم زوجة لمحمد، ولم يذكر اسم حواء، وقد حملت بعيسى وهى عذراء ومبرأة من الخطيئة، وتم تكريمها فى القرآن بشكل كبير.
كل ما آمله أن تستغلوا حريتكم للقيام بأشياء بسيطة مثل قراءة القرآن بدلا من كراهية المسلمين.
XXX
يقول د. أحمد عيسى المعصراوى: لا تبحثوا عن ليلة القدر بين أعمدة المساجد فحسب، وإنما ابحثوا عنها فى رضا أب وأم وأخ وأخت، فى صلة رحم وإطعام مسكين وكسوة عار وتأمين خائف ورفع مظلمة وكفالة يتيم ومساعدة مريض، ابحثوا عنها فى رضا الرب والإقلاع عن الذنب، فى ضمائركم قبل مساجدكم، فصنائع المعروف تقى مصارع السوء.