مؤمن الهبـاء يكتب : فرملة الذكاء الاصطناعى ( شهادة)
لى صديق مهووس بالذكاء الاصطناعى، لا يتحدث فى أي مجلس إلاعن إنجازات هذه التكنولوجيا المبهرة التى وصلت إلى كتابة المقالات والتقاريرالعلمية والصحفية والمعلوماتية، وكتابة الشعر والقصص الخيالية، وأداء أغنيات جديدة بأصوات مطربين راحلين، ثم يعرج على المستقبل، وكيف سيغير الذكاء الاصطناعى وجه الكوكب الأرضى، بل سيغير من طبيعة الإنسان وتركيبته العقلية والنفسية والبيولوجية، ويتحكم فى معلوماته وميوله واختياراته وعواطفه وأحكامه على الأشياء.
ولكثرة ما أبهرنى هذا الصديق ـ الديجيتال ـ بإمكانات الذكاء الاصطناعى، طلبت منه ـ على سبيل التجربة ـ أن يأتينى بمقال من هذا الذكاء عن شخصية أدبية مصرية معروفة، تتوافر عنها معلومات غزيرة على جوجل ومحركات البحث المتاحة، ولفرط ثقته أجرى التجربة فى دقائق، وجاءت النتيجة صادمة، فالمقال من حيث الشكل والتنسيق والأسلوب مقبول، ويمكن أن يدخل على القارئ، لكن المعلومات التى تضمنها ليس فيها شيء صحيح غير اسم الأديب، وما دون ذلك أخطاء بشعة، مثيرة للضحك، ابتداء من تاريخ الميلاد والوفاة والنشأة والشهادات العلمية، وانتهاء بالإنتاج الأدبى المعروف للكافة.
كان تبرير صديقى لهذا ” الهجص ” أن الذكاء الاصطناعى مازالت إمكاناته محدودة فى المجالات المكتوبة باللغة العربية، أما فى مجالات اللغة الإنجليزية فقد بلغ درجة عالية من تمام الاحترافية، لكننى تشككت كالعادة، وحتى لو صحت الفرضية فسيكون خطر هذا الذكاء عظيما، إن لم توضع له ضوابط وكوابح، ولا تؤخذ نتائجه على محمل الصواب الكامل، وفى كل الأحوال يجب على العقل الإنسانى أن يقود هذا الذكاء الاصطناعى، ولا ينقاد له.
القضية لم تعد بسيطة كما كنا نتصور، وهناك متخصصون يرون أن الذكاء الاصطناعي صار يشكل خطرا وجوديا محتملا على البشرية، ولذلك لابد من أخذ الأمر بجدية لتحديد حجم هذا الخطر والتعامل معه بما يستحق.
ونشرت صحيفة ” التايمز ” البريطانية تحذيرا لـ ” مات كليفورد ” مستشار رئيس وزراء بريطانيا للذكاء الاصطناعي، يؤكد فيه ” أن الوقت ينفد بسرعة، وأنه ربما يكون أمامنا سنتان فقط لإنقاذ العالم من خطر الذكاء الاصطناعي، حيث ستكون نظم الذكاء قد حققت القدر الكافي من القوة التي تمكنها من قتل الكثير من البشر، إذا فشلت البشرية في إيجاد طريقة للسيطرة على هذه التكنولوجيا”.
كما نشرت الصحيفة تحذيرا وجهه 350 شخصا من كبار المسؤولين في قطاع الذكاء الاصطناعي، يؤكدون فيه إنه ” على المدى المتوسط يمكن لهذه التكنولوجيا أن تؤدي إلى “انقراض البشرية “، عندما نتمكن من تطوير فصائل جديدة، ذكاؤها يفوق ذكاء البشر، وإذا حاولنا تطوير ذكاء اصطناعي أذكى من البشر، ولم نعرف كيف يمكننا السيطرة عليه، فسوف يجعلنا ذلك عرضة لجميع المخاطر المحتملة الآن وفي المستقبل، لذا من الضروري أن يكون هذا الأمر على رأس أجندة أولويات صناع السياسات، وما يجعل المشكلة أكثر خطورة هو أن مطوري تلك التكنولوجيا أنفسهم يعترفون بأنه لا يمكنهم التنبؤ بسلوك تطبيقات الذكاء الاصطناعي”.
وتقول ” التايمز ” إن هناك جهودا من قبل الحكومة البريطانية لجعل بلادها الرائدة فى مجال السيطرة على الذكاء الاصطناعي، ووضع وتطبيق القواعد والقوانين التي تحكمه في المستقبل على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك من خلال إنشاء مركز عالمي للرقابة على الذكاء الاصطناعي وتنظيم العمل به، يكون مقره بريطانيا.
وفى الأسابيع القليلة الماضية اجتمع مسؤولون بريطانيون وأمريكيون للتباحث فيما يمكن القيام به للتحكم في ذلك الخطر المحتمل، كما عقد اجتماع مشابه الأسبوع الماضي في السويد استهدف ” صياغة ميثاق أخلاقي للذكاء الاصطناعي”.
لم يعد التخوف من الذكاء الاصطناعي يتوقف عند تقليد صوت مطرب لأغنية لم يغنها، ولايمكن التفرقة بين الصوت الأصلى والصوت الاصطناعى، أو عند تأليف قصيدة من ألف بيت شعر، أو تأليف كتاب عن أى موضوع ونسبته إلى من لا يجيد كتابة سطر فى كتاب، فيكثر المدعون، ويضيع المبدعون الحقيقيون، وإنما التخوف الأكبر من دخول الذكاء الاصطناعى ميدان العدالة مثلا، فيتم تقليد صوت شخص ما فى الإعداد لجريمة، أو تقليد توقيعه على شيك أو مستندات، أو تقليد برديات آثار وغيرها .
لهذا ظهرت دعوات قوية لفرملة الاندفاع نحو كل ماهو رقمى وديجيتال وإليكترونى، والعودة إلى زمن ما قبل الشاشة الزرقاء والعالم الافتراضي، إلى العقل البشرى النسبى والصحافة الورقية والكتاب، وكتب التعليم التقليدية.
ففى السويد ـ مثلا ـ أعلنت وزيرتا التربية والثقافة العودة إلى استعمال الورق والكتب الورقية والأقلام فى مجالات التعليم والمعرفة، بدلاً من الشاشات الرقمية، وبررتا ذلك بأن مستوى الطلاب أصبح ضعيفا في مهارات القراءة والكتابة بعد الاعتماد على اللابتوب والأجهزة اللوحية كأداة تعليمية أساسية.
وهكذا فإن الإنسانية تستعد للعودة إلى جذورها.