أخبارمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : كن ذا قدر فى ليلة القدر ( نفحات الجمعة)

بداية من المعلوم أنه من دوام الطرق فتحت له الابواب ..ومن لزم الأعتاب فتحت له الأبواب . ومن أخذ بالأسباب ..كان من جملة الاحباب ومن تعرض للرحمات حلت عليه النفحات..
قرارك بيدك إذا تقربت إلى الله شبرا تقرب إليك ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة
وشهر رمضان شهر المنح الربانية والنفحات الإيمانية ..وهو موسم الطاعات وفرصة للتزود بالحسنات ..وشحن الهمم والطاقة الإيجابية .. ومصالحة للنفس واقلاعها عن الذنوب والعصيان وإعادتها إلى حظيرة الايمان .. وتزكيتها بأخلاق الاسلام .. والعشر الاواخر بما فيها من ليلة القدر هى من أعظم المنح الربانية للمسلمين .التى أعطت خصوصية للأمة المحمدية ..بمضاعفة الأجر مع قلة العمل ..فهى أمة أعمارها قصيرة بالمقارنة بالامم السابقة لكن فضل الله عليها عميم ورحمته بها واسعة .فمنحها شهر كريم وليلة هى خير من الف شهر .. قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ : ” أنَّ النبيَّ ﷺ ذكرَ رجلًا مِن بنيِ إسرائيلَ لَبسَ السلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهرٍ، قال: فَعَجبَ المسلمونَ مِن ذلك، قال: فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ سورة القدر : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }
وهى سورة القصيرة لكنها سورة مباركة وتحمل معانى جليلة نستخلص منها الاتى ..

أن سورة القدر سورة مكيّة. وهى تتحدث عن بدء نزول القرآن الكريم وهى (رقم ٩٧ ) فى ترتيب سور القرآن البالغ عددها ١١٤ سورة …وعدد حروفها ١١٤ حرف بعدد سور القرآن وعدد كلماتها ٣٠ كلمة بعدد ايام شهر رمضان
وقد سُبقت بسورة العلق وجاءت بعدها سورة البينة وسوف نلاحظ أن آخر سورة العلق قوله تعالى (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) ويأتي بعدها (إنا أنزلناه في ليلة القدر) كأنها إشارة إلى أن هذه الليلة هى اهم ليلة فى السجود والإقتراب من الله.

كما نلاحظ أن سورة البينة التى جاءت بعدها توضح ضمير المنزِل و المنزَل عليه فى قوله ( إنا انزلناه ) فيقول تعالى (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً .. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) رسول من الله هو المنزَل عليه والله المنزِل إذن بين ضمير المنزِل بـ (الله) والهاء في انزلناه هى الصحف المطهرة وهو القرآن الكريم .

كما نجد أن سورة القدر( خمس آيات) بعدد الليالي الوترية فى العشر الاواخر التي نتلمس فيها ليلة القدر والتى دل عليها الرسول الكريم وهي خمس ليالي (٢٩,٢٧,٢٥,٢٣,٢١ ).. (ليلة القدر) تسعة أحرف تكررت ثلاث مرات في هذه السورة المجموع ٢٧ حرفاً ولذا قيل أرجى أن تكون ليلة هي ليلة الـ٢٧… أيضاً كلمة (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) وكلمة (هي) هي الكلمة الـ ٢٧ من الثلاثين فقيل لعلها إشارة إلى أنها تُرجى في ليلة السابع والعشرين.
وسورة القدر تعظم من ليلة القدر
حيث قال الحق سبحانه (إنا أنزلناه) بضمير التعظيم المؤكد وذكر الهاء لم يقل القرآن وذلك للوضوح بأنه القرآن الكريم ..
ونضرب مثال لذلك يقول تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ) سورة فاطر….. ظهر ماذا؟ الأرض، فلم يذكرها لوضوحها…
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) والقدر قد يكون من أشهر معانيها الشرف والمكانة، والمنزلة لم يقل فيها قدر بل هي القدر نفسه، هي الشرف نفسه، و كلمة القدر لها دلالتان ليلة القدر هي ليلة الشرف والمكانة وهي ايضا ليلة يتم فيها تقدير الأمور كلها للعام كله كما قال تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) سورة الدخان(وَمَا أَدْرَاكَ) تعني ما أعلمك وتقال في الأمور العظيمة في الأمر الذي يراد به التفخيم والتعظيم والله سبحانه وتعالى يعلمه …

وهناك لفتة طيبة إذا استخدم القرآن كلمة (وما يدرك ) فى المضارع فإنه لن يخبرك أو يعلمك لكن إذا ذكر (وما ادراك) فإنه سيعلمك ..كما أن
عبارة ليلة القدر كررت ثلاث مرات (ليلة القدر خير من ألف شهر) وهذا لم يرد فى القرآن الكريم قبل ذلك
فكان التكرار ياتى مرتين فقط مثل قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ… النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) فلم يقل الطارق النجم الثاقب…
(خير من ألف شهر) مراد على الحقيقة أي أكثر من 83 عاماً… اى ليلة واحدة الطاعة فيها خير من 83 عاماً ليس فيها ليلة قدر.فالساعةُ الواحدةُ فيها تساويِ ثمانِ سنواتٍ مِن عمرِ الزمانِ، والدقيقةُ تساوِي خمسينَ يومًا عبادة
.قال تعالى (تنزل الملائكة) على المؤمنين تصافحهم وتسلم عليهم وتشجيع جو السلام فى الارض …
ولاحظ شتان الفارق بين تنزل الملائكة وتنزل الشياطين …فالملائكة تتنزل بالرحمات والعطايات على المؤمنين الطائعين . والنفحات .والشياطين تتنزل بكل مايفرق الجماعات على أصحاب القلوب الخبيثة
يقول تعالى (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )..

وهذه الليلة ليس فيها سلام بل هى كلها سلام بدليل أن قدم كلمة (سلام ) الخبر واخر كلمة (هى). وهى المبتدأ
يقول تعالى (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)
والمطلوب منا فى الليالى المتبقية من شهر رمضان حتى نكون اصحاب قدر فيوفقنا الله إلى ليلة القدر ..ويكتب لنا حسن الختام ..
١- أن نصوم صيام مودع والقيام قيام محتسب وقراءة القرآن بتدبر مع كثرة الدعاء وأفضل الدعوات الدعوات الجامعة وطلب العفو من الله فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: ” اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”. .
٢- وان نتجرد من الشحناء والبغضاء والعزم على إصلاح البين . وهذه الليالى دعوةٌ لكلِّ المتخاصمينَ والمتشاحنينَ والمتحاسدينَ والمتباغضينَ أنْ يُصطلحُوا حتى تتنزلَ المغفرةُ والبركاتُ والرحماتُ؛ لأنَّ البغضاءَ والشحناءَ سببٌ في رفعِ الرحماتِ. فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ :” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ” . (صحيح البخاري ) .
٣- وأن نتخلق بخلق السماحة والتواد والتضامن والتعاطف والتراحم وصلة الأرحام ويترجمها السلوك العملى فى عدم المغالاه فى الأسعار والتصدق بزكاة أو صدقة الفطر ..
٤- وان نحرص على أداء صدقةَ الفطرِ.
فهى لمصلحةِ الغنيّ والفقيرِ على السواءِ،فهي طهرةٌ للصائمِ مما اجترحَهُ في صيامهِ مِن لغوٍ ورفثٍ وإثمٍ، وطعمةٌ للمساكين بإدخالِ الفرحِ والسرورِ عليهم، وتكريمٌ للفقيرِ وإعلاءٌ مِن شأنهِ أنَّهُ أوجبَ عليه زكاةَ الفطرِ فيشعر بلذة العطاء كالغنيِّ تمامًا؛ لأنَّها تجبُ على مَن عندَهُ قوتٌ يكفيهِ يومَ وليلةَ العيدِ، وهو بلا شك تجتمعُ عندَهُ زكواتُ الحيِّ كلِّهِ، فأصبحتْ واجبةً عليهِ كالغنيِّ تمامًا،
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ.”

وهي واجبةٌ على كلِّ فردٍ مِن المسلمين، علي الصغيرِ والكبيرِ، الذكرِ والأنثى، الحرِّ والعبدِ، صامَ أم لم يصمْ لعذرٍ أو مرضٍ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” فرَض رسولُ اللهِ ﷺ زكاةَ الفِطرِ، صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ، من المسلمينَ”..
وتجبُ ، عن نفسك ، وعمَّن تلزمك نفقته ..
وزكاة الفطر فيها تيسير للمزكى ونفع للمزكى عليه ..فهى من غالب قوت البلد أو يمكن أن يجزئها الأموال ..
ومقدارُ زكاةِ الفطرِ صاعٌ مِن القمحِ، أو الشعيرِ، أو التمرِ، أو الزبيبِ، أو الأقطِ، أو الأرزِ، أو الذرةِ أو العدسِ أو اللوبيَا أو الفاصوليَا أو نحو ذلك مِّما يعتبرُ قوتًا، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ” (متفق عليه)..

وقد حددتْ دارُ الإفتاءِ المصرية قيمةَ زكاةِ الفطرِ هذا العام بـ 30 جنيهًا كحدِ أدنَى، ومَن زادَ فهو خيرٌ، فلماذا ترضَى بالحدِّ الأدنَى وانت تطلبُ الفردوسَ الأعلَى مِن الجنةِ فى دعائك ؟!!
٥- أن تحرص على حسن الخواتيم فالاعمال بالخواتبم وكن ذا قدر أى صاحب شرف وعلو همة ولا يراك الله حيث نهاك وان لا يفتقدك حيث أمرك وان تكون اخلاقك كريمة وسلوكيات مقدرة وموزونة بميزان الشرع وبما فيه صلاح نفسك واسرتك و أمتك ..
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وصالح الاعمال واجعلنا من عتقائك فى هذا الشهر الكريم .ومن المقبولين .واحفظ بلادنا يارب العالمين واعاد الله علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة .
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د ابراهيم حسينى درويش





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى