الدكتور عوض محمد عوض يكتب : تجارة النحل المصرية الخليجية الأضخم على سطح الكوكب
• مصر على قمة مصدري النحل بالعالم
• السعودية هي أكبر مستوردي النحل بالعالم
• يصدر قطاع النحالة المصري لنظيره الخليجي بقيمة حوالي نصف مليار جنيه مصري.
• النحل المصري هو الأرخص على مستوى الكوكب!
• يجب حوكمة خطوات تصدير طرد النحل من مصر
بنهايات الثمانينات عرف المصريون تصدير النحل حياً يُرزق إلى بلاد الخليج. بدأ تصدير النحل معبئاً في صناديق مخصصة للنحل، صناديق محكمة الغلق. ولضمان سرعة وصول النحل وسرعة إطلاق سراحه في البلد المستورد، كان ولا زال الطيران هو وسيلة نقل النحل الوحيدة من مصر إلى دول الخليج.
ازدهرت حركة التصدير شيئاً فشيئاً بتراكم الخبرات على مدار الأعوام، وبتوسع سوق النحل المستورد من مصر بدول الخليج. تطورت الخبرات في كل حلقات العملية بدءاً من ثراء خبرات النحال المنتج للطرود بمصر في ممارسات إنتاج طرد النحل الأفضل، بالتكلفة الأقل، في التوقيت الأنسب.
صُقلت مهارات مصنعي مستلزمات تعبئة وتغليف الطرود بأوعية من خامات خشبية وبلاستيكية ومعدنية. ونشأت سوق لتصدير الطرود على الجانب المصري ضمت سماسرة ومصدرين، وأسواق أخرى بالجانب الخليجي ضمت مستوردين وموزعين. وبين السوقين تعلمت مصر للطيران سلوك النحل واستطاعت استضافته على رحلاتها وتجنب لسعاته وايصاله إلى وجهته الخليجية بسلام! حتى الحلقة الأخيرة من عملية تسفير النحل من مصر والتي تضم النحال الخليجي. فقد اكتسب مهارة ضبط التوقيت الأنسب لاستلام النحل من الموزع، وتنفيذ طريقة تسكينه بمنحله الجديد بالأساليب الأمثل.
على مدار عشرات السنوات نشأت أرزاق وفُتحت بيوت على الجانب الغربي من البحر الأحمر بمصر، بيوت نحالين وسماسرة ومصدرين وعمال ونجارين وسائقين و.. و.. و… واستُحدثت وظائف ونشأت تجارات واستثمارات على الجانب الشرقي من البحر الأحمر بدول الخليج، ضمت قائمة المستفيدين مستوردين وموزعين ونحالين وغيرهم.
ضمت القائمة الخليجية لمستوردي النحل من مصر دول السعودية والإمارات، والكويت وقطر والبحرين. أما سلطنة عمان فلديها أنظمة تمنع استيراد النحل لتوجهها للحفاظ على سلالتها المحلية من النحل.
خلال عام 2021 بلغت قيمة صادرات النحل لدول الخليج الخمسة حوالي 400 مليون جنيه!!! هي قيمة حوالي 1.3 مليون طرد !!!
وكان ترتيب مستوردي طرود النحل من مصر بالخليج تنازلياً كالتالي:
1. السعودية
2. الإمارات
3. الكويت
4. قطر
5. البحرين
بهذا العدد الضخم من طرود النحل حجز سوق تبادل النحل المصري الخليجي قمة هرم السوق العالمي لحركة تصدير واستيراد طرود النحل!
لمصر مميزات نسبية جعلتها ولازالت صاحبة الحظ الأوفر في فرص تصدير النحل للخليج، وجعلتها الوجهة الأمثل للنحال الخليجي لاستيراد ما يلزمه من نحل. من هذه المميزات:
• قرب المسافة بين مصر ودول الخليج يقلل كثيراَ تكلفة سفر النحل جواً.
• تشابه الظروف الجوية لمصر ودول الخليج، والتطابق الموسمي لمنحنى تكاثر النحل في مصر ودول الخليج.
• النحل المصري هو الأرخص على مستوى العالم!
• ما تم سرده من خبرات بمصر في تجهيز وتصدير الطرود. خبرات ربما لا تتوفر لأحد خارج حدود مصر!
إنتاج الطرود المصدر الأساسي للعوائد وليس إنتاج العسل
إن حوالي ثلث نحالي مصر يعتبرون “طرد النحل” هو منتج مناحلهم الأساسي. يأتي إنتاج الطرود لدى هؤلاء النحالين سابقاً في الأولوية وفيما يحققه من عائد قبل إنتاج العسل، نعتبر هؤلاء النحالين متخصصين في إنتاج الطرود. ومصر تتميز باتساع كبير جداً لممارسات النحالة هذه. الممارسات التي تعتمد إنتاج الطرود المصدر الأساسي للعوائد وليس إنتاج العسل.
حوالي ثلاثة أرباع النحل الساكن بمناحل السعودية هو نحل مصري المنشأ تم نقله جواً من مصر للسعودية، أما الربع الآخر فهو نحل من السلالة المحلية بالمملكة. أما دول الخليج الأربعة – الإمارات والكويت وقطر والبحرين – فحظ النحل المصري بمناحلها يزيد عن ثلاثة أرباع بكثير!
تستورد دول الخليج هذه الكميات الضخمة من النحل بسبب قساوة فترات شح المرعى لديها التي تتسبب في فقد غالب طوائف النحل. وبسبب الارتفاع المغري لأسعار العسل المنتج محلياً من مواسم المراعي المحددة في فترات معينة من العام. ولأسباب أخرى متعلقة بقساوة الطقس في بعض الأمكنة والأزمنة، وبغلاء تكلفة العمالة اللازمة لاستدامة طوائف النحل وغيرها.
مميزات النحل المستورد من مصر :
يتميز النحل المستورد من مصر عن النحل المحلي بدول الخليج بعدة ميزات، منها:
1. سعره أرخص (من 100 – 140 ريال سعودي للطرد المرزوم).
2. تكلفة العناية به خلال فترات شح المرعى أقل.
3. إنتاجه من العسل أكثر.
هذه المميزات تدفع غالب نحالي دول الخليج الخمسة المستوردة للنحل من مصر لتفضيل نحل مصر على نحل سلالة الخليج المحلية (واسمها العلمي النحل اليمني)!
لكن الأمر لم ولن يخلو من التحديات. فشكوى بعض النحالين بالجانب الخليجي (على الأقل بالسعودية) من النحل المستورد من مصر لا تتوقف، ومطالبات بعضهم بوقف الاستيراد لن تتوقف. أما ذووا الخبرات العميقة منهم فيطلبون تنظيم أدق لعملية الاستيراد، وربما خطة طويلة الأجل – مدتها حوالي عشر سنوات مثلاً- للاكتفاء الذاتي من النحل المحلي قبل وقف استيراد النحل من مصر.
هذا التنظيم المطلوب ربما يقيد أو يمنع الاستيراد خلال فترات معينة من العام، وربما يقيد أو يمنع الاستيراد إلى أماكن معينة. أما الخطة طويلة الأجل المقترحة، فحال تنفيذها ستُغلق أبواب السعودية أمام نحل مصر خلال سنوات قليلة!
وقد شهدتُ واشتركتُ في عشرات المناقشات بالسعودية حول حسنات وسيئات النحل المستورد من مصر، وجدوى وضرر جلبه للملكة، وضوابط استيراده الحالية والمأمولة. كان ذلك خلال فترة عملي داخل عمق قطاع النحالة بالسعودية.وطُلبت مني المشورة في الأمر. كانت شكوى البعض من قلة جودة الطرد. أما البعض الآخر فيعترض على استيراد النحل من مصر أو حتى من غيرها بدعوى ضرورة الحفاظ على سلالة النحل المحلية بالسعودية.
وتطور الأمر حتى طُلب مني – وأنا مصري مكتمل الوطنية وباحث نحل منضبط المهنية- عام 2015 اقتراح دول أخرى غير مصر كمصادر لاستيراد النحل!!
في مطلع عام 2021 اجتاحت مناحل السعودية موجة موت بالنحل لم تكن معلومة الأسباب في بداية الأمر. دفع ذلك الكثير من النحالين بالمملكة (من معارضي استيراد النحل من مصر) لاتهام النحل المستورد من مصر بالتسبب في الجائحة. أتُهم النحل المستورد من مصر بنقل أمراض أهمها مرض النوزيما. ورغم إنه أمر لم يثبت أبداً بدليل ولم يُرجحه منطق، إلا إن السلطات بالمملكة استجابت للمطالب وأصدرت قراراً بتعليق استيراد النحل من مصر! التعليق لم يدم إلا أسابيع قليلة. وتم إصدار قرارات باستئناف استيراد النحل من مصر لكن بضوابط تم استحداثها. ضوابط ترتكز أساساً حول تدقيق فحص طرود النحل بمصر قبل السماح بتصديرها للسعودية.
المآخذ على دقة فحص الطرود قبل سفرها كبيرة، وأنا بما أعلمه أتفق مع أغلب هذه المآخذ. وإن لم يتم تدارك الأمر بحوكمة خطوات تصدير طرد النحل من مصر فعلينا تحمل ردود فعل من الجانب الخليجي أقوى من مجرد تعليق الاستيراد لعدة أسابيع.
لحركة تصدير النحل من مصر للخليج عمليات تصدير ثانوية تابعة لها. تضم تصدير لوازم النحالة من خلايا وشمع أساس وبراويز وفرازات للعسل وغيرها. لم أستطع الوصول لبيانات عن حجم هذه الصادرات، ولا أظن أن مثل هذه البيانات متوفرة أساساَ. لكن ربما يمكن تقديرها بناءاً على ما تراكم لدينا من خبرات بمقدار 5% من قيمة طرود النحل المصدرة. وبذلك ربما يتم تصدير ما قيمته حوالي 20 مليون جنيه من لوازم النحالة من مصر للخليج.
ربما صدرت مصر للخليج مستلزمات نحالة بقيمة حوالي 20 مليون جنيه.
أما ما صدرته مصر من العسل لدول الخليج فبلغت قيمته خلال عام 2021 حوالي 63 مليون جنيه.
وبذلك فعلى الأرجح قد صدرت مصر خلال عام 2021 لدول الخليج من النحل ومستلزمات النحالة والعسل بقيمة تقارب النصف مليار جنيه مصري.
تصدير الخبرات المصرية :
لا يمكن إغفال جانب تصدير الخبرات، فأغلب الخبرات النحلية الوافدة بالخليج هي خبرات مصرية. والحقيقة فقط – وليس التحيز – هي التي تقودني لتقرير أن الخبرات المصرية هي صاحبة الدور الأهم في نقل النحالة بالخليج من الممارسات التقليدية إلى الممارسات الحديثة منذ عدة عقود! والحقيقة فقط -وليست المجاملة- هي التي تقودني لتقرير أن المهارات الخليجية بالنحالة بلغت حالياً حد الندية مع المهارات المصرية. ندية في مهارة إدارة النحل ومعرفة سلوكه. لكن تظل كفة النحال المصري هي الراجحة بقبوله بأجر أقل وبصبره على ما بمهنة النحالة من مشقة.
إن حركة التبادل النحلي بين مصر من جهة ودول الخليج من جهة أخرى هي حركة التبادل النحلي الأضخم على خريطة العالم. حركة التبادل التي تأخذ مساراً واحداً فقط يتجه من مصر إلى دول الخليج. وتضم هذه الحركة عناصر أربعة أساسية: النحل ومستلزماته وخبراته وعسله.
حركة التبادل النحلي المصري الخليجي هي الأضخم باعتبار كمية النحل التي يتم تصديرها. ومصر هي أولى العالم باعتبار كمية النحل التي يتم تصديرها. أما باعتبار القيمة النقدية فمصر متأخرة جداً. إن العائد الذي تناله مصر من تصدير عدة طرود تحوي عدة ملكات وعشرات الآلاف من الشغالات تحققه سلوفاكيا أو بلجيكا من تصدير ملكة واحدة فقط! علينا في مصر الالتفات لجودة الطرود، وعلينا تطوير محطات انتخاب وإنتاج الملكات لدخول سوق تصدير الملكات.
إن أرزاق عشرات الآلاف من العاملين بالنحالة بمصر مرتهنة بما يحدث بحركة تجارة النحل المصرية الخليجية. فما يُصيب هذا المسار التصديري من خير فللنحالين المصريين منه الحظ الأوفر. وما يُبتلى به هذا المسار من شرّ فهو ضرر واقع على النحالين المصريين لا محالة. دائرة التأثير تتسع لتضم فئات مهنية أخرى مرتبطة بمهنة النحالة مثل العاملين بنجارة خلايا النحل والبراويز، والعاملين بسمسرة وتصدير طرود النحل ومستلزمات النحالة، وغيرهم.
المصادر :
• بيانات معلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء
• بيانات معلنة من وزارة الزراعة والاستصلاح الأراضي
• بيانات موقع Trade Map
د. عوض محمد عوض
باحث وخبير نحل
مؤسس ومدير شبكة النحال العربي
awad.apiculture@outlook.com