أخبارمقالات

الدكتور عوض محمد يكتب : أين النحل المصري ؟

دخلتُ مجتمع النحالة المصرية في بداية هذه الألفية. وقد سألتُ الداني والقاصي عن مكان وجود بقايا النحل المصري، وعن مدى نقاوته.

كانت الإجابات تشير إلى مواضع لوجود النحل المصري بأحد مراكز محافظة أسيوط وبإحدى الواحات. لكنى لم أقتنع يوماً بأن النحل المصري لا زال بنقاوته الوراثية التي كان عليها قبل دخول السلالات الأوربية. حتى إنني كنتُ ولا أزال أشك في وجوده حتى بنصف نقاوته الوراثية!!!

كانت ولا زالت بعض الإجابات تشير الى وجود النحل المصري بخلاياه الطينية في أحد مراكز محافظة أسيوط. والمنطق يجيب أن الخلايا ربما تكون لا زالت بهيئتها التي كانت عليها قديماً. لكن المنطق يأبى أن يقبل بإمكانية احتفاظ النحل المصري بنقاوته الوراثية وسط فوضى انتشار السلالات الأوروبية معه في كل ركن. والمنطق لا يتغافل عن اعتبار طبيعة سلوك التزاوج لدى النحل، لكن بعضنا يتغافل عن اعتبار هذه الطبيعة!!!

كانت إجابات بعض ممن استفسرتُ منهم عن النحل المصري تشير إلى “مشروعات” للحفاظ على سلالة النحل المصري. مشروعات تم تنفيذ بعضها وانتهت، والبعض الآخر لا يزال قيد التنفيذ. لكن ظني أن نشاط هذه المشروعات في الدفاتر ومكاتب المسؤولين أكبر من نشاطها في المناحل المزعومة للحفاظ على النحل المصري.

بيولوجياً لا يمكن استعادة جينات النحل المصري حال فقدها. فما انقرض منها فقد انقرض إلى الأبد.

يا تُرى ما الذي لا زال محفوظاً من جينات النحل المصري؟؟؟

أين “النحل المصري”؟؟؟

أول سلالات نحل العسل في العالم يتم تربيتها داخل المناحل!!!.

إنه “النحل المصري”

قبل حوالي 4700 عام، في وادي النيل نشأت النحالة، وتم اختراع أول خلية للنحل، وتم تصميم وانشاء وإدارة أول منحل، وعرفت البشرية النحال الأول، وانتقل النحل للسكن من “الجبال والشجر” إلى “ما يعرش” النحال المصري!!

الإسم العلمي:
Apis mellifera lamarckii

الأسماء العلمية لكل سلالات نحل العسل تحمل نفس المقطعين الأول والثاني (Apis mellifera ). وتتميز كل سلالة باسم مميز في المقطع الثالث. فسلالة نحل العسل المصري تتمايز عن كل سلالات نحل العسل بأن اسمها العلمي يحمل كلمة (lamarckii).

كان عالم النحل الأمريكي Theodore Cockerell هو من صنف النحل المصري وأعطاه اسمه العلمي المعروف. وقد اختار أن ينسب الاسم العلمي للنحل المصري إلى عالم فرنسي إسمه Lamarck عاش خلال القرنين الـــ 18 و الـــ 19. وذلك تقديراً لإسهاماته المميزة في العلوم البيولوجية.

النحل “مصري”، لكن الذي سماه “أمريكي” والذي نُسب له “فرنسي” !!!!!

الاسم الإنجليزي:
Egyptian honey bees

نشأ النحل المصري وازدهر في وادي النيل بمصر والسودان قبل أن يسكن البشر هذا الوادي بكثييير!!!

لم يعرف النحل المصري أي أرض غير وادي النيل. فلم تتم تربيته بعيداً عن وادي النيل أبدا.

كان الفراعنة هم أول من استأنسوا النحل في خلايا ومناحل صمموها بأنفسهم. وقد كانت سلالة النحل المصري هي السلالة سعيدة الحظ بنيل هذه الأسبقية قبل حوالى 4700 عام!!!

كانت تتم تربية النحل المصري على مدار ما يقرب من خمسة آلاف عام في وادي النيل في خلايا اسطوانية مصنوعة من طمي النيل والقش وروث البقر. يتم صناعتها بشكل دقيق بحيث تتحقق بها القوة والمتانة.

كان نحالو مصر قديماً يجمعون عشرات أو مئات وربما آلاف من هذه الخلايا في منحل واحد. حيث يتم ترتيب الخلايا فوق بعضها البعض لتشكل بناء هرمي له جمال وهيبة ووقار!!!!

كان النحل المصري في القلب من النحالة المصرية بثرائها ورسوخها ورونقها. جذب النحل المصري بخلاياه ومناحله ونحاليه Eva Crane لزيارة مصر عدة مرات لتوثيق وتأريخ النحل المصري والنحالة المصرية. و Eva Crane هو أول وأهم مؤرخة للنحالة العالمية.

ولا زالت المؤسسة التي تحمل اسم Eva Crane تحتفظ بتوثيق مصور للنحالة المصرية. توثيق ربما لا يوجد له مثيلا داخل مصر حالياً!!

كان شيوخ النحالة المصرية يسمون النحل المصري “النحل البلدي”. ولا زال بعضهم إلى يوم كتابة هذا المقال يذكره ويذكر ما له وما عليه!

تميز النحل المصري بمقاومة ممتازة لأعداء النحل بوادي النيل، وعلى رأسها الدبور الأحمر والنمل. كما تميز بتأقلم ممتاز على مناخ المنطقة ومراعيها. تأقلم جعل النحل المصري ذو كفاءة ممتازة في الرعي وجمع الرحيق وحبوب اللقاح في ظروف مناخ وادي النيل من نباتات وادي النيل المميزة!!!

ولكن للنحل المصري وجهُ آخر معيوب غير محبوب. حيث إنه شرس لدرجة العدوانية الشديدة. ويعشق التطريد فربما تنتج الطائفة الواحدة عدة طرود بالعام الواحد، وربما حتى عشرات الطرود!!!

وصلت ملكات النحل الإيطالي مصر في منتصف القرن التاسع عشر على يدي الشاعر والطبيب والنحال أحمد زكي أبو شادي. ثم بعد عدد من السنوات تم استيراد ملكات النحل الكرنيولي.

انبهر النحالون بهدوء النحل الإيطالي والكرنيولي وبغزارة انتاجهما من العسل. تزامن ذلك مع التوسع في استعمال الخلية الخشبية الحديثة بديلاً عن الخلية الطينية! كل ذلك بالتزامن مع دخول موجات من الشباب الجدد إلى مهنة النحالة. شباب ليس لهم دراية ولا سعة صدر للتعامل مع النحل المصري بشراسته!!!

كل ذلك أدى إلى التوسع في تربية النحل الكرنيولي والإيطالي، وانكماش سريع في عدد خلايا النحل المصري.

حالياً اختفى النحل المصري من مناحل مصر، وحلت محله سلالات النحل الأوروبية (الكرنيولي والإيطالي).

يكاد النحل المصري يختفي وينقرض تماماً من أرضه ووطنه إلى الأبد (إن لم يتم تنفيذ برنامج جاد ومهني للحفاظ عليه).

أين النحل المصري؟؟؟

لو كان بعض النحل المصري لا زال حاضراً .. ما مدى نقاوته الوراثية؟؟؟؟

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى