الدكتور محمد حجازي يكتب : المؤشرات الحيوية للإجهاد التأكسدي في أنثى الجمال البدوية
ظهرت في الأونة الأخيرة مجالات أخري بعد السيطرة علي الأوبئة وإتزان العلائق كان هناك حاجة لمعرفة الأجهاد التأكسدي من كل نواحيه وقياساته وهو مجال نشط وحديث لموضوعات البحث في الطب البيطري وذلك لترجمة المعرفة إلي تطبيقات ذات صلة بصحة وإنتاج المجترات وخاصة الإبل في الفترة المحيطة بالولادة وذلك للعناية بالأم ووليدها لهذا يقال أن الأجهاد التأكسدي هو حالة أختلال التوازن بين العوامل المؤكسدة (الشوارد الحرة) والعوامل المضادة للتأكسدantioxidants حيث تصبح كمية الشوارد الحرة الموجودة في الجسم عالية عن كمية مضادات الأكسدة ويصبح الجسم أقل قدرة علي التعامل مع الشوارد الحرة وتحييدها أو التخلص منها حيث أن الفترة المحيطة بالولادة يزداد فيها عملية الأجهاد التأكسدي طويل الأمد المرتبطة بتلف الخلايا والأوعية الدموية
ومن المعروف أن الشوارد الحرة وخاصة الأكسجين النشط تكون علي درجة عالية من التفاعل يتم أنتاجها بشكل رئيسي في داخل المتقدرات (Mitochondria) الخلوية (وهي جسيمات داخل الخلية، تقوم بأكسدة الجلوكوز لإنتاج الطاقة). أثناء عملية الأيض خاصة في الخلايا التي تبطن الأوعية الدموية والأنسجة العضلية والأنسجة الضامة تحديداً ولهذه الجزيئات أنواع مختلفة منها فوق الأكسيد (Super oxide) والهيدروكسيل (Hydroxyl) وفي الحالات الطبيعية تقوم خلايا الجسم بأنتاج الشوارد الحرة،
تعمل هذه الشوارد علي دعم جهاز المناعة وتسهيل عمليات التواصل بين الخلايا لكن قد تسبب زيادة كميتها عن المستويات الطبيعية في أحداث تلف في الأنسجة بسبب تأثيرها الضار علي الجسم فقد يرفع الأجهاد التأكسدي من فرص الأصابة بالعديد من الأمراض حيث أن أكسدة الغذاء للحصول علي الطاقة تحتاج إلي أكسجين ونواتجها الجذور الحرة فتقوم بأكسدة جزيئات الخلية وتدميرها من خلال سلسلة من التفاعلات كما تدمر الأحماض الدهنية الموجودة في الخلية مما يجعل الحيوان عرضة للعديد من الألتهابات والفيروسات والجذور الحرة عبارة عن جزئ أو ذرة تحتوي علي ألكترون غير مزدوج في مداره الخارجي
وقد تكون تلك الشوارد عضوية أو غير عضوية ويطلق عليه بعض العلماء مصطلح العامل المؤكسد علي الجذر الحر حيث أنه في الحالة العادية تبقي الألكترونات في المدار الخارجي مزدوجة وحين يفقد الجزئ أحداها فإنه يصبح في بحث دائم ونشط عن الألكترون المفقود ليكون مزدوجاً من الألكترونات المستقرة وهذا ما يجعله ينتزع الكتروناً من الجزيئات المجاورة مما يسبب أتلاف جزيئات الخلية الطبيعية في الجسم وبالرغم من قصر فترة حياة الجذر الحر التي لا تتجاوز أجزاء من الثانية إلا أن جذراً حراً واحداً قد ينشر حالةمن الفوضي أو عدم التوازن وبالتالي نشوء الأمراض وتم التعرف علي أنواع الجذور الحرة حيث أنها مواد مؤكسدة قوية تنتج خلال عملية الأيض في كلاً من الخلايا الدموية الحمراء ومعظم خلايا الجسم مثل جذر فوق الأكسيد (O2o-) SuperOxideوفوق أكسيد الهيدروجين (H2o2) وجذر الهيدروكسيل (oHo) hydroxyl.
مضادات الأكسدة غير الأنزيمية التي تقطع سلسلة تفاعلات الجزور الحرة القابلة للذوبان مثل مضادات الأكسدة التي تذوب في الماء مثل فيتامين سي (Ascorbic acid) لذلك فإن مضادات الأكسدة هي عبارة عن جزيئات يمكنها التفاعل بأمان شديد مع الجذور الحرة ومن ثم أنهاء التفاعل المتسلسل قبل أن تتلف الجزيئات الحيوية وعلي الرغم من وجود العديد من أنظمة الأنزيمات داخل الجسم فإن نظام الأكسدة في الجسم هو مجموعة من الأليات التي تمنع الأكسدة الذاتية في الخلية.
الألبيومين هو أحد مضادات الأكسدة القوية ويعمل كجندي في البلازما بفعل مجموعة الفينول التي تحمي الأهداف الحيوية من الجذور الحرة الناتجة عن تفاعل فيتون (H2o2) بين كاتيونات الحديد و النحاس كما أمكن تقسيم مضادات الأكسدة الداخلية إلي مجموعتين رئيستين تشمل المجموعة الأولي علي مضادات الأكسدة الأنزيمية بما في ذلك السوبر أكسيد وديسموتيز (SOD) والجلوتاثيون بيروكسيديز (GSH-px) والكاتاليز وتمثل الشكل الرئيسي للدفاع المضاد للأكسدة فيما يتم تمثيل المجموعة الثانية بمضادات الأكسدة غير الجزيئية ذات الوزن المنخفض غير الأنزيمية مثل ألناتوكوفيرول والبيتاكاروتين وحمص البوريك الذي هو منتج خامل لتحلل البيورين والبيليروبين وهذا الحمض موجود بشكل أساسي في البلازما وفي السوائل خارج الخلية وداخلها.
نظراً لأن الأجهاد التأكسدي يدل علي عدم التوازن بين الموارد المؤكسدة ومضادات الأكسدة ونظراً لصعوبة قياس كل مكون من مضادات الأكسدة بشكل منفصل وتفاعلها في البلازما أو السوائل الخلوية ثم تطوير عدة طرق لتعيين أجمالي سعة مضادات الأكسدة (TAC) وبأخذ قياس قدرات مضادات الأكسدة في الأعتبار التراكمي لجميع مضادات الأكسدة الموجودة في البلازما وسوائل الجسم مما يوفر مقياس متكامل وقد تبين كذلك أن الأجهاد التأكسدي قد تورط في العديد من العمليات المرضية بما في ذلك ألتهاب الصرع وألتهاب الأمعاء والألتهاب الرئوي وأمراض الجهاز التنفسي والمفاصل.
لذلك كان ولابد من تشخيص الأصابة بالأجهاد التأكسدي في أثناء الفترة المحيطة بالولادة من خلال فحص مستويات الأكسدة في بلازما الدم وقد لا يكفي تزويد الجسم بعد ذلك بمضادات الأكسدة في مقاومة الضرر الذي أحدثه الأجهاد التأكسدي في أنسجة الجسم فإن التبكير بمد الحيوان بمضادات الأكسدة التي تعمل علي تجييد الشوارد الحرة أو طردها خارج الجسم لحماية أنسجة الجسم المختلفة من التأثير الضار لهذه الشوارد أو للتقليل من فرص نشأة الأجهاد التأكسدي علاوة علي ذلك يمكن تقليل الأجهاد بتجنب الأعلاف المحتوية علي بقايا بروتين حيواني الذي يحفز الألتهاب والبعد بقدر الأمكان عن الشمس الحارقة وقت الظهر وعدم أرهاق الحيوان في ترحاله وتجنب المزيد من المواد المطهرة أو القاتلة للحشرات مثل المبيدات الحشرية
كما أن تغذية الحيوان علي النباتات وهي تحتوي علي الفلافونويدات وهي صبغة صفراء منتشرة بالنباتات وهي مسئولة عن تلون الأزهار والثمار وأحياناً الأوراق ومن خواصها أنها مضادة للحساسية والألتهابات والطفرات الجنينية والفيروسات والورم السرطاني ومضادة للتخثر ولها دور في توسيع الأوعية الدموية ونشاط مضاد للأكسدة بدورها في أزالة الجذور الهيدروكسيلية وأيون فوق الأكسيد كل ذلك يكون منظور ضمن الرعاية الصحية بالنسبة لصحة الأم خلال الفترة المحيطة بالولادة التي تستمر في فترة الرضاعة حيث أن الفترة المحيطة بالولادة تمثل نصف الوفيات قبل الفطام وبالتالي فإن فترة ما حول الولادة تشمل قضايا الصحة والخسارة الأقتصادية المحتملة لذلك فمن المهم أن نكون علي دراية بالتغيرات الفسيولوجية المرضية أثناء مرحلة ما حول الولادة من أجل التعرف علي المشاكل المرضية في تلك الفترة وما بعدها.
يرجع أسباب الأجهاد في الولادة إلي الألم المصاحب للولادة وأي موقف جديد أو غير شائع يمكن أن يؤدي إلي الأجهاد لذلك فإن الأجهاد الناجم عن الولادة يمنع أطلاق الأوكسيتوسين وبالتالي يمكن للألتهاب أن يقلل من تقلصات عضل الرحم ويؤخر أفراز اللبا (السرسوب) الذي هو عنصر غذائي ومناعي للرضيع كما أن أثناء الأنتقال من أواخر الحمل إلي الرضاعة المبكرة (فترة ما حول الولادة) تتعرض الحيوانات للأجهاد الأيضي إذا فشلت في التكيف مع الزيادة العميقة في متطلبات المغذيات المرتبطة بنمو الجنين والولادة والرضاعة الطبيعية وذلك لحدوث تغيرات هرمونية وأيضية كبيرة تنعكس علي فسيولوجية الجسم في صورة الدم والتمثيل الغذائي.
الجمل وحيد السنم هو نوع مهم من الناحية الزراعية له قيمة أجتماعية وأقتصادية عالية برزت في الأعوام السابقة وتحمل الإبل أنماطاً وراثية تختلف عن المخلوقات الأخري تشتمل الأيض والتكيف مع البيئة القاسية ومن المثير للأهتمام أن الجمل يستخدم أليات المناعة والجزيئية الرائعة ضد العوامل المسببة للأمراض والحالات المرضية.
حليب الإبل يسمي كنز الصحراء الأبيض الذي يحتوي علي بوتاسيوم وحديد ونحاس ومنجنيز فيتامين سي وكالسيوم وبروتين وكربوهيدرات وأحماضه دهنية طويلة السلسلة وحمص اللبنوليك والأحماض الدهنية غير المشبعة التي قد تدعم صحة الدماغ والقلب ويخفض نسبة سكر الدم في الأنسان ومحسن لحساسيه الأنسولين ويحتوي علي بروتينات شبيهة بالأنسولين كما
تشير الدراسات أن حليب الإبل يوفر ما يعادل 52 وحدة من الأنسولين لكل 4 أكواب (لتر) ويحتوي علي نسبة عالية من الزنك مما قد يساعد علي تحسين حساسية الأنسولين كما يحتوي علي اللاكتوفرين والجلوبيولين (Globulin) المناعي واللاكتوفرين يحتوي علي خصائص مضادة للبكتريا والفطريات والفيروسات ومضادات الإلتهاب والأكسدة. يتمتع الإبل بقدرة فريدة علي التحكم في معدلات التحلل الدهني ومعدل السكر بالدم كما تتمتع بمستويات أعلي من الجلوكوز مقارنة بالأغنام والماشية في ظل ظروف متنوعة تزداد فيها متطلبات الأيض كل ذلك كان الدافع والمطالبة لمزيد من الأبحاث للمحافظة علي صحة الأم ووليدها في الفترة المحيطة بالحمل خاصة أن في الأونة الأخيرة زادت أهمية تربية الإبل في مصر ومع ذلك فإن أحد القيود الرئيسية في هذه الصناعة هي الكفاءة الأنجابية والأنتاجية المنخفضة للغاية.
إذا كان هناك القليل المتوفر من المعلومات حول تكاثر الإبل فإن من المعقول أن نقول أنه حتي أقل من القليل معروف عن الفترة المحيطة بالولادة في الإبل والتي تتميز ببعض المقاييس المختلفة عن باقي المجترات والتي لم تجد إلا القليل جداً من الأهتمام بالمقارنة مع المجترات الأخري.
قد يساعد الفهم الأفضل لحالة الأجهاد التأكسدي أثناء الفترة الأنتقالية في الجمال في تسهيل التعرف علي الفسيولوجيا المرضية وتوفير معرفة أعمق عن حالة التمثيل الغذائي والحالة المناعية للحيوان لهذه الفترة مما يؤدي إلي أستنباط وتفعيل بعض الطرق البيطرية الفعالة علي أسس علمية والتي تؤدي إلي تحسين صحة الإبل وزيادة طاقتها الأنجابية والأنتاجية وتفادي الخسارة الأقتصادية المحتملة.
دكتور/ محمد حجازي راتب – باحث أول بمعهد بحوث الصحة الحيوانية معمل فرعي أسيوط – مركز البحوث الزراعية – مصر