الدكتور أحمد زكى أبو كنيز يكتب : فى عيد الشمس الخريفى بأبى سمبل.. قال الراوى
فى منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد وعلى بعد 1169 كم جنوب قاهرة المعز والتى لم تكن موجودة أنذاك اختار فرعون المجد و الانتصار الملك رمسيس الثانى كتلتين صخريتين ضخمتين بينهما مسافة 100 متر تقعا على الضفة الغربية للنيل في موضع غاية في السحر الجمال لينحت فيها مجمع معابد ويخلد بهما ذكرى انتصاره فى معركة قادش. و معبدا أبوسمبل هما أكبر معبدين نحتا في الصخر في العالم، ويعتبران آية في العمارة والهندسة , فقد تم نحت كليهما في قطعة صخرية واحده.
والمعبد الصغير او معبد نفرتارى او معبد حتحور ونفرتاري و كلها اسماؤه يقع إلى الشمال الشرقي من المعبد الكبير وقد خصص لعبادة الثالوث حتحور و رمسيس الثانى و زوجته نفرتارى. الجدير بالذكر ان هذه هي المرة الثانية فى التاريخ الفرعونى التى يكرس فيها معبد لملكة, وكانت السابقة الاولى عندما خصص الملك امنحتب الرابع و الشهير بأخناتون معبداً لزوجته الملكة الجميلة نفرتيتى.
أما عن المعبد الكبير او معبد رمسيس الثانى بابى سنبل و الذى استغرق تشييده و ان شئنا الدقة نقول نحته عشرين عاماً منذ 1264 ق م وحتى 1244 ق م. هو معبد غاية فى الفخامة والعظمة و الجمال وهو اكثر معابد مصر احتفاظاً بحالته الاصلية فلم يتعرض للتخريب او الهدم فيما عدا سقوط جزء من احد تماثيله القابعة فى واجهته وان تعرض لسرقة محتوياته الثمينة التى تمكن من حملها لص الاثار الايطالى بلزونى و الذى يعتبره كثيرون (خطأ) انه مكتشف للاثا.ر وربما ساعد انطمار المعبد تحت الرمال منذ القرن السادس ق م و حتى اكتشافه فى بداية القرن التاسع عشر الميلادى على حفظه بحالته الاصلية.
أما اطلاق اسم ابى سمبل على مجمع المعابد و فيما بعد المدينة بالكامل فهناك روايات عدة تتشابه أو تختلف و لكن ما يمكننى الاطمئنان اليه هو رواية احد المسنين المثقفين من السكان المحليين بالمنطقه حيث ذكر ان الرحالة السويسري يوهان لودفيج بوركهارت، و الذى عرف فيما بعد بابراهيم بوركهارت كان يجوب فى المنطقة ليستكشفها و عند غروب الشمس اراد ان يعود ادراجه حيث يقضى ليلته و لكنه فقد ابنه الذى كان بصحبته فبدأ بالبحث عنه و فى النهاية وجده يلهو مع طفل آخر من اهل المنطقة بالقرب من ابيه الذى كان يقوم بعمل ما. و فى هذه البقعة شاهد بوركهارت اجزاء من رؤوس التماثيل الاربع فتأملها و لعله تفحصها و ادرك ان هنا شىء ما من الاثار الفرعونية و لم يستطع ان يكمل لبهوط الظلام , ومع شروق الشمس عاد ادراجه مسرعاً ليكمل ما بدأه بالامس الا انه لم يستطع الوصول الى المكان, فكان سؤاله لكل من قابله اين اجد والد الطفل الصغير ولعله قالها نصف عربى و النصف الاخر انجليزى فخرجت منه (اين ابو سمبل؟) فكانت التسمية,,, و العهده على الراوى.
و نعود فنتحدث عن مناسبة عيد الشمس فى معبد ابى سمبل الكبير فنقول هى معجزة هندسية فلكية إذا كان يومي تعامد الشمس مختارين ومحددين عمداً قبل عملية النحت, لأن ذلك يستلزم معرفة تامة بأصول علم الفلك .وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق بجانب المعجزة الانشائية بأن يكون محور المعبد مستقيم لمسافة 200 متراً تمتد ما بين البوابة الرئيسية وحتى قدس الاقداس, هذا اذا كان المعبد تم بناءه و لكن الواقع أن المعبد منحوت في صخرة غالية فى الضخامة, اذن الله اوجد هذه الصخرة فى هذا الموقع على دائرةعرض 22°20′13″ شمالاً و خط طول 31°37′32″ شرقاً و استغل العبقرى المصرى الموقع ليبدع لنا ظاهرة حارت فى تفسير كنهها الالباب فيأتى التعامد يوم 21 اكتوبر و فبراير من كل عام منذ نحت المعبد و حتى تم نقله الى اعلى بحوالى 66 متراً و الى الغرب بنحو 180 متراً وهذا ادى الى تحرك موقعه الجديد عن الاصلى فى خطوط الطول الجغرافية بـمقدار 1/12 من البوصة من المكان الأصلى مما نجم عنه تأخر التعامد التعامد مدة 24 ساعة.
اذن كل علوم و تقدم و تكنولوجيا القرن العشرين لم تمككنا من الحفاظ على دقة ما أبدعه المعمارى المصرى فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. أن هذه الظاهرة متكررة فى مواقع أخرى فى الاقصر و الفيوم و ان كانت ابو سمبل هى الاكثر شهرة و على العموم هى تُجسد التقدم العلمي و التقنى الذي وصل إليه اسلافنا القدماء فى كافة العلوم و الفنون ، وخصوصاً فى علم الفلك، والنحت، والتخطيط، والهندسة.
فقد صمم المهندس المصرى القديم منذ 33 قرنا من الزمان هذا المعبد المنحوت و فى ذهنه حقيقة ان أى نقطة على سطح الكره الارضية يحدث ان تتعامد عليها اشعة الشمس مرتين فى العام وذلك لادراكه حقيقة فلكية مفادها ان محور الارض يميل على مستوى دورانها حول قرص الشمس و الذى يستغرق سنة شمسية. و بالتالى يحدث التعامد مرتين فى العام فى ذات النقطة على سطح الارض .
اما كيفيتها فعند شروق الشمس تقذف باشعتها المقدسة الى التحفة التليدة التى نحتها فى الصخر فرعون المجد و الانتصار و تدلف من بوابة السؤدد الى قاعات النصر و دهاليز العزة لتنتهى الى قدس الاقداس حيث يقبع تمثال أقوى حكام مصر على الاطلاق الملك العظيم رمسيس الثانى فى معيه آلهة الشمس عند الفراعنه أبيه الآله امون رع الى يساره و على يمنيه الآله رع حور أختى يليه بتاح اله العالم السفلى والظلام عند الفراعنة و الذى لاتصله الشمس أبداً فى هذه الظاهرة الفلكية التى حيرت الافهام فتلامس اشعة الشمسة الذهبية المشرقة فى تعامدها المعجز وجوه التماثيل الثلاثة فى المقصورة الملكية بقدس الاقداس دون التمثال الرابع الراكد فى ظلمته السفلية ..لتخرج من المقصورة بعد 20 دقيقة بالتمام والكمال