الدكتور إسماعيل مقلد يكتب : فى مواجهة البلطجة الإثيوبية..لا بديل سوى قصف سد النهضة
ابدا اولا بالاعتذار عن الاطالة لان موضوع هذه الرسالة هو من الاهمية بمكان…….
وبداية اقول دعونا نراجع ما يحدث علي ارض الواقع في العالم شرقا وغربا لنحكم بعده ان لنا او علينا عندما نجد انفسنا متورطين وبصورة لم يسبق لها مثيل في التعامل مع خطر وجودي داهم ينذر بقطع شرايين حياتنا المائية والنزول ببلدنا تحت خط الفقر المائي وبكل ما يمكن ان يكون لذلك الوضع المائي الصعب من نتائج حياتية كارثية ، وهو خطر لا تقتصر تداعياته الفظيعة والمدمرة علي حاضرنا فقط ، وانما سوف تمتد بطبيعة الحال الي اجيال اخري قادمة من الآن وحتي نهاية التاريخ وربما باضرار اكثر فداحة مما قد نتصوره في الوقت الحاضر ، واعتقد ان هذا الخطر الوجودي القاتل لا يتهددنا وحدنا هنا في مصر ، وانما يتهدد ايضا اشقائنا في السودان بتداعيات حياتية مخيفة هم ادري بها منا بحكم تقييمهم الدقيق لها ووعيهم العميق بحقيقتها وتحذيرهم الدائم منها ..وهذا الدمار الشامل المحتمل هو اشد ما يتخوفونه في السودان ويحسبون حسابه مثلنا من جراء اكتمال بناء هذا السد الاثيوبي دون التوصل الي اتفاق دولي قانوني ملزم حول قواعد ملئه وتشغيله…..
دعونا نقول اولا ، ولنبدا من الآخر ، ان اسرائيل دمرت غزة ودكت مبانيها علي رءوس قاطنيها ، واشعلت فيها الحرائق ولوثتها بالغازات السامة المحرمة دوليا ، واغتالت من كوادرها القيادية من استطاعت يدها ان تصل اليهم، ودخلت الي غزة وهي جاهزة بما اسمته ببنك الاهداف ، وراي العالم لعدة ايام من مشاهد الرعب والفزع والدمار الصادمة والمؤلمة ما قدر له ان يراه ، ولم يتدخل لا باللوم ولا بالشجب ولا بالادانة لهذه الجرائم الاسرائيلية الممنهجة ضد الانسانية والتي ترقي الي مستوي الابادة الجماعية لشعب تحت الاحتلال ، بل جاءت دول كبري لتعذر دوافع اسرائيل في ما فعلته ولم تري فيه انتهاكا لقواعد القانون الدولي ، وانما اعتبرته حقا مشروعا لها في الدفاع عن امنها القومي المهدد ، بكل ما يجيزه ذلك لها من حرية تصرف غير مشروطة باية قيود او التزامات كقوة احتلال ، والي الحد الذي دعا وزير الدفاع الاسرائيلي بني جانتس الي التهديد بالرغم من سريان اتفاق وقف اطلاق النار بين بلده وفصائل المقاومة ، باعادة احتلال غزة بريا وتصفية من بقي من القيادات العسكرية والسياسية المستهدفة فيها علي قيد الحياة معتبرا ذلك اجراءا مشروعا تحمي به اسرائيل امنها وقال اننا وراءهم حتي يتم القضاء عليهم وسوف ننجح في ذلك .، ولم نسمع تنديدا دوليا واحدا بما جاء علي لسانه من تصريحات عدوانية مستفزة ولا تصدر عن حكومة دولة متحضرة في العالم ومع ذلك التزم مجلس الامن الدولي الصمت التام ولم ينذر او يحذر او يتوعد علي نحو ما كان متوقعا منه. .. هذا عن اسرائيل وما تفعله علي مراي ومسمع من العالم كله ، وهي التي لم تكن تواجه في حربها علي غزة خطرا وجوديا ساحقا علي حياة شعبها كهذا الذي تواجهه مصر والسودان بسبب هذا السد الاثيوبي …سد الخراب الاقتصادي والدمار البيئي والفقر المائي الممتد بلا حدود….
ومن قبلها غزت امريكا وحليفها البريطاني العراق واحتلته ودمرته وارجعته عشرات السنين للوراء بذريعة كاذبة وملفقة وفحواها ان نظام صدام في العراق كان يشكل تهديدا خطيرا للسلم والامن الدوليين بعلاقاته المشبوهة مع تنظيم القاعدة الارهابي في افغانستان وبسعيه الي امتلاك اسلحة دمار شامل ليهدد بها جيرانه والعالم. … وكانت كلها ذرائع وهمية لا اساس لها من تلفيق اجهزة مخابراتها التي برعت في اختلاق مثل هذه الذرائع والاسباب لتبرير تدخلاتها العدوانية ، ولم يكن العراق تحت حكم صدام، ولا تحت اي نظام حكم آخر بعثي او غير بعثي ، ليشكل خطرا يخشي منه علي امن اكبر قوة عسكرية في التاريخ ، ولا علي حياة الشعب الامريكي حتي تذهب الي العراق بجيشها واساطيلها لتحتله في اهدار صارخ لسيادة دولة مستقلة وعضو في الامم المتحدة ولم تشكل تهديدا لامن امريكا من قريب او بعيد… ومع ذلك لم يدنها العالم علي انتهاكاتها الصارخة لحقوق الانسان في العراق ولم يعاقبها علي جرائمها ، بل واعترف بما خلفه هذا العدوان الامريكي من نتائج وآثار.. وتعامل معه كامر واقع رغم قسوته وبشاعته وخروجه علي كل قواعد الشرعية الدولية ، وعلي كافة معايير الشرف والعدالة والاخلاق…
وعندما غزا الناتو ومعه فرنسا ليبيا واسقطوا الدولة الليبية ودمروها ونثروا فيها الفوضي والعنف والخراب وعدم الاستقرار وفتحوها امام جحافل الارهاب الدولي ، بحجج واهية وذرائع كاذبة لا تنطلي علي احد وكان لهم ما ارادوه ، وعندما ذهبت تركيا الي العراق وسوريا وليبيا واحتلت مناطق واسعة من اراضي تلك الدول وبقيت فيها حتي الآن ، وفرضت الامر الواقع الذي رات فيه ضمانا لامنها القومي ضد الخطر الكردي الذي بالغت في تصويره ، فان السؤال هو : اين هو هذا الخطر الذي يبرر غزو دول واحتلال اراضيها والانطلاق منه الي محو معالمها العربية واستيطانها بنية عدم الخروج منها كما فعلت تركيا ، وكل ذلك علي مراي من العالم باسره ؟ وهل كان في ما يجري في هذه الدول الثلاث ما يشكل تهديدا لوجودها او لشرايين حياة شعبها كما هو حالنا الآن ونحن نواجه خطر سد الخراب الاثيوبي وحدنا وبلا ظهير دولي مساند لنا ؟ واين العالم ومجلس الامن الدولي من كل ما جري حولنا منذ سنوات ؟ وما الذي اعجزه عن التحرك بقوة وايجابية ليسجل موقفا واضحا ومحددا له ؟ وهل كان يري في ما فعلته كل هذه الدول المعتدية حقا مشروعا لها ؟ ام ان منطق القوة هو الذي يفرض نفسه في نهاية الامر، وان هذا هو الواقع الذي علينا ان نتعامل معه؟
عربدة إسرائيلية
كذلك عندما تهدد اسرائيل بقصف المفاعلات النووية الايرانية، وبحرب علي لبنان تعيده الي العصر الحجري اذا كان ذلك ضروريا لاجتثاث خطر حزب الله علي امنها وسلامة مستوطنيها، وعندما يتم تدمير كل المرافق والبني التحتية في اليمن لاكثر من ست سنوات من القصف الجوي العنيف والمستمر بذريعة الدفاع عن الامن القومي للدول المتدخلة ، ولا يمارس المجتمع الدولي دوره في وقف هذه الحرب المدمرة ، وعندما تهاجم المدمرات الامريكية بصواريخ توما هوك كروز مواقع عديدة داخل الاراضي السورية بحجة احتوائها علي اسلحة كيميائية محظورة كما فعلت ادارة ترامب وبعنف زائد ، وذهب ضحيتها مدنيين ابرياء، فاين كان الخطر علي امن امريكا في هذا كله وسوريا مدمرة بصورة شبه تامة ولم يثبت بالدليل القاطع انها استخدمت هذه النوعية من الاسلحة ، والاهم هو ماذا كان رد فعل المجتمع الدولي من كل هذه الافعال العدوانية الصارخة ؟ لا شيئ ثم لا شيئ ثم لا شيئ ، فمنطق القوة كان هو الذي فرض نفسه بالنتائج التي كان يتحرك بها علي الارض بصرف النظر عن شرعيتها او عدم شرعيتها.. …..
واذا كان هذا هو حال العالم في كل مكان ، فماذا عن حالنا ونحن نوشك علي اجتياز الخط الفاصل بين الحكمة الزائدة والصبر الطويل ، وبين الوصول الي نقطة الفعل والحسم لاجتثاث خطر سد الخراب الاثيوبي الذي لا يمكن ان يقارن به اي خطر آخر في العالم من جذوره ، وهو ما لن يتحقق الا بتدميره ودفنه في موقعه ليختفي تهديده لنا الي الابد…وبدون ذلك فسوف يستمر هذا التهديد الي ما شاء الله وربما باخطار مستقبلية اعنف واشد….
لا مكان لخطاب العقل مع اثيوبيا
لقد تجاوزنا مع الاثيوبيين مرحلة امهالهم ومخاطبة العقل فيهم ، الي المرحلة التي سقطت معها كل المحاذير والتحفظات بشان استخدام الخيارات الصلبة او الخشنة بعد ان خرجت الدبلوماسية الرشيدة والهادئة نهائيا من الصورة ، ومعها وصلنا الي المرحلة التي لم تعد فيها خطوط حمراء او زرقاء حتي نتوقف عندها، وليبقي الدفاع عن حقنا في الحياة وفي الوجود والبقاء واجبنا ومسئوليتنا اولا واخيرا… فالعالم لن يتحرك من اجلنا حتي وان كان في هذا السد الشيطاني الملعون هلاكنا ودمارناوكمجتمعاتوقابلة للحياة… …
وفي النهاية، اقول انه في مواجهة البلطجة الاثيوبية، وفي مواجهة تحديات الحياة والموت، والفناء او البقاء ، فان الكلمة الفاصلة الآن لم تعد للدبلوماسية ولا لمد حبال الصبر الي ما لا نهاية ، وانما للقوة التي يمكن ان تعيد للنظام الاثيوبي صوابه، وترغمه علي التوقف عن حماقاته وان يلزم حدوده ويمتنع عن تهديد حياة الغير بمثل هذه السلوكيات العدوانية المستفزة التي لا يريد ان يتراجع عنها…. …..
هذه لحظة تاريخية للحسم بلا تردد او تساهل ، ويبقي الامل معقودا علي عزيمة وجسارة رجالنا الابطال في مصر والسودان من العسكريين القادرين علي انجاز المهام الصعبة مهما كلفتهم من تضحيات ، والتي سوف يدخلون بها التاريخ من اوسع ابوابه… وهم قادرون عليها بعون الله…..
__________________________________
الخبير القانونى وعميد كلية الحقوق جامعة أسيوط سابقا