لم يجد الإسلام فرصة ولامناسبة لنشر السلام فى الأرض إلا أخذ بها وحث عليها بل واستثمر بعض المعتقدات والعادات التى تحث على صيانة الدماء فى الجاهلية إلا وأصلها واعلى من شأنها ، ولا عجب فى ذلك فالدين الذى عظم من شأن النفس البشرية وجعل لها قدسية أكبر من الكعبة لأن الإنسان بناء الله وملعون من هدم هذا البنيان ، وجعل من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ، جعل هناك خصوصية لبعض الأماكن والأزمان لتأمين هذا الإنسان وجعل ذلك نهجا اسلاميا مغلفا بالعقيدة وعندما نشير لذلك نجد أن الله يقول (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص: 68]، فالله -تعالى- خالق المكان وخالق الزمان وخالق الأيام والليالى وخالق الإنسان الذى كرمه وأعلى من شأنه وسخر له مافى السموات والأرض.
ولحكمة من الله وفضل ، وارساء لمبدأ السلام فى الأرض من أجل كف ايدى الظالمين عن هذا الإنسان فضل بعض الشّهُورِ كالاشهرالحرم و شَهْر رَمَضَانَ وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ اللّيَالِيِ، والجمعة من الأسبوع، وَمَكّةُ مِنْ الْأَرْضِ، وسيدنا َمُحَمّدٌ -صلى الله عليه وسلم- خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ المبعوث بالرحمة للعالمين لصيانة هذا الإنسان وحفظه دنيا وآخرة .. كل هذه التفضيلات كى يدفع الإنسان إلى طاعة الله والإحسان إلى خلق الله ويمتنع عن كل مايضر بنفسه وأخيه الإنسان
نعم الإسلام دائما يقر الفضائل وينهى عن الرزائل وكل مايؤدى إلى القتل والظلم والاعتداء ، فالعرب فى الجاهلية كانو يحرمون أربعة اشهر وهى المحرم ذو القعدة ووذو الحجة والمحرم ورجب مضر الحرم ، وسبب تحريمهم القعدة والحجة ومحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهراً ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم. وحرموا شهر رجب في وسط العام لأجل زيارة البيت والإعمار، فيأمن قاصدُ البيت الغارةَ فيه
لذلك أقر الإسلام الأشهر التى حرَّمها العرب في الجاهلية هذه الاشهر الاربعة وانزل فيها قرءانا فقال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة: 36،وبيَّنت السنة هذه الأربعة، كما ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات؛ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان” وسُمِّي رجب مضر نسبة إلى قبيلة مضر؛ لأنهم كانوا أشد تعظيمًا له من غيرهم. وقد كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهرَ الحرم وخاصة شهرَ رجب، فكانوا لا يقاتلون فيه، حتى إن الرجل يلقى قاتلَ أبيه فلا يمسه بسوء في هذه الأشهرِ المحرمة، وفسِّر الظلم بأنه فعل المعاصي وترك الطاعات، وهو يشمل ظلم العبد لنفسه بالشرك والمعصية، وظلم العبد لغيره من الخلق بأنواع المظالم.ومن هذه الشهور – المفضلة شهر رجب الذى يهل فهو أحدُ الأشهر الحرم قال ابن عباس: “خص الله من شهور العام أربعةَ أشهر فجعلهن حرمًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم“.
فينبغي لنا مراعاة حرمة هذه الأشهر ومنها شهر رجب هذا؛ لما خصها الله به من المنزلة، والحذرُ من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرًا لما لها من حرمة؛ لأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله.
وأما القتال في هذه الأشهر الحرم فتحريمه من بقايا دين إبراهيم –عليه السلام- الذي تمسك به العرب في جاهليتهم، وحكمه في شرعنا أن القتال على نوعين: قتال دفع كما لو هوجم المسلمون من قبل أعدائهم، فهنا يقاتل المسلمون ولو كانوا في الأشهر الحرم باتفاق العلماء. وقتال هجوم وابتداء، فهذا محرم بقوله -تعالى- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217]، يعني عظيم عند الله، وبقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) (المائدة: 2)
فما أجمل أن نستقبل هذه الأيام الطيبة بتجديد التوبة والعهد مع الله والصدق فى القول والإخلاص فى العمل والبعد عن الظلم و المعاصى والمنكرات وكل فعل يؤدى إلى الشقاق والإختلاف واراقة الدماء وفعل الطاعات التى تعود بالخير على الإنسان والوطن
كل عام ونتم بخير
أ.د / ابراهيم درويش – وكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة