أخباررئيسيمقالات

الدكتور على عبد الرحمن يكتب : التخطيط البيئي والاقتصاد

التخطيط البيئي والاقتصاد

يكتسب التخطيط البيئي أهميته من أهمية حماية البيئة ذاتها، بوصفه أحد أهم الوسائل المستخدمة في حماية البيئة. وعلى الرغم من أن هناك من كان يعتقد بأن حماية البيئة ما هو إلا ترف ومعرقل للنمو الاقتصادي، إلا أن التجارب الواقعية أثبتت خطأ تلك الأفكار، ففضلاً عن إن استفحال مشكلات بيئية، أجبرت البلدان على اتخاذ إجراءات حماية البيئة سبيلاً لا مفر منه، فقد وجد أن حماية البيئة ليست معرقلة للنمو الاقتصادي، بل إنها تؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي.
• مثالاً على ذلك، نجد في بعض البلدان، أن الاهتمام بحماية البيئة من التلوث قد حقق نتائج متقدمة مثال:
1. الوصول إلى مياه نقية
2. صرف صحي كاف
3. تصريف النفايات
4. تحسن نوع الهواء
5. انخفاض المواد الكيمائية الدقيقة بالنسبة 60%
6. انخفاض أكاسيد الكبريت بنسبة 38 %
7. انخفاض أكاسيد الرصاص بنسبة 50 %

• يؤدي التخطيط البيئي عموماً عن طريق مباشر أو غير مباشر إلى تحقيق وفرة اقتصادية، ومن أمثلة ذلك :
1. إن التخطيط البيئي من خلال معالجته للمشكلات البيئية، وتقويمه لمختلف المشروعات، وجعلها لا تنتج آثاراً بيئية سليمة، يؤدي في نهاية الأمر إلى خلق بيئة صحية آمنة، يعيش فيها أفراد أصحاء بعيدون عن ضغوطات المشكلات البيئية، وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد يكونون أكثر قدرة على العمل والإنتاج، ما يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي، كما أنه يقلل من النفقات المصروفة على العلاج الصحي.
2. إن تطبيق المبادئ التي تقوم عليها عمليات التخطيط البيئي من شانها أن تدفع إلى تحقيق وفرة اقتصادية. فمثلاً لتحقيق مبدأ الوقاية خير من العلاج، يستلزم إعداد دراسات تقييم الأثر البيئي للمشروعات الجديدة، بحيث يُتعرف على الأضرار البيئية التي قد ينتج عنها، وذلك لتفاديها مسبقاً، ومن ثم تفادي النفقات المالية التي كانت ستتطلب لمواجهة تلك الأضرار.
3. وأن مبدأ الاعتماد على الذات يساعد على تحقيق وفرة اقتصادية، فهو يدفع نحو الاعتماد على الخبرات والتقنيات المحلية بدلاً من صرف أموال طائلة في استيراد الخبرات والتقنيات الأجنبية.
4. وكذلك بالنسبة لمبدأ العودة إلى الطبيعية، الذي يدفع إلى الاعتماد على الحلول الطبيعية المنخفضة التكاليف.
5. التخطيط البيئي يؤدي إلى وقف استنزاف الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها، وفي ذلك منافع اقتصادية كبيرة لا شك فيها .
6. التخطيط البيئي يهتم بكفاءة استخدام الطاقة، وتقليل الفاقد منها، بما يؤدي إلى تحقيق وفرة اقتصادية. كما أن الاهتمام بالبحث عن مصادر بديلة متجددة للطاقة يؤدي إلى خلق فرص اقتصادية.
7. يضم التخطيط البيئي في طياته مشروعات تحقق أرباحاً اقتصادية، وخير مثال على ذلك مشروعات الاستفادة من المخلفات، وإعادة تدويرها، فبدل التخلص من المخلفات والتكبد في سبيل ذلك نفقات مالية، وآثاراً بيئية سالبه، فإنه يتعامل معها بوصفها مورداً اقتصادياً بإعادة تدويرها لإنتاج العديد من المنتجات.
• ولتوضيح الأهمية الاقتصادية للتخطيط البيئي في الواقع العملي، سوف نتناول هنا نموذجين من الولايات المتحدة الأميركية، ونعرضهما مثالين عن الخطط والمشروعات التي أخذت البعد البيئي بعين الاهتمام ما أدى إلى نجاحها وتحقيقها وفرة اقتصادية. وهما الآتي:
1- خطة إعادة تدوير مدابغ الجلود: قام بوضع هذه الخطة صندوق حماية البيئة، وهي مؤسسة أمريكية تهدف إلى التوفيق بين حماية البيئة وبين النمو الاقتصادي، فهي تضع أمام صاحب المصنع خيارات في صالحه؛ لأنها تؤدي إلى تخفيض التكاليف، أو زيادة الدخل، وفي الوقت نفسه يصب في مصلحة البيئة. فمثلاً كان أصحاب مدابغ الجلود يتخلصون من مخلفاتهم الصناعية، التي تحتوي على كميات من عنصر الكروم، بالإضافة إلى الدهون، التي تزيد من نمو البكتيريا والطحالب، وانتشار الأمراض، وذلك برميها في الأنهار، ما يشكل مشكلة بيئية. فقام الصندوق بعد إجراء الدراسات اللازمة بوضع خطة تهدف إلى إعادة تدوير المخلفات، واستخراج ثلاثة أرباع عنصر الكروم للاستفادة منه مرة أخرى في الصناعة، وهذا أدى إلى تقليل كميات الكروم التي تشتريها المدينة، وأدى من ثم إلى زيادة الأرباح، إلى جانب أن البيئة صارت أنظف.

2- خطة الخيار – صفر للمخلفات الصناعية: وضعت هذه الخطة لإنشاء مدينة صناعية جديدة، وذلك في إطار سعي مدينة تشاتانوغا الأمريكية أن تنال السبق والريادة في النظافة البيئية. حيث تم التخطيط لإنشاء تلك المدينة الصناعية الجديدة، بحيث تكون مخلفات كل مصنع مواد أولية للمصنع المجاور. فمثلاً مصانع البيرة وعصير الفواكه تنشأ بجوارها مزارع الأسماك، لأن مخلفات صناعة البيرة والفواكه غذاء مثالي للأسماك. ومصنع النسيج النباتي، أو مواد استصلاح التربة، ينشأ بالقرب من ورش النجارة ومصانع الأثاث، بحيث تستفيد الأولى من أطنان نشارة الخشب التي تتخلص منها الثانية. وبجانب هذين المصنعين يبنى مصنع لنوع جديد من الطوب؛ حيث إن المخلفات البلاستيكية ونشارة الخشب يمكن استخدامها مواد أولية لصنع طوب جديد، خفيف الوزن وقوي جداً، ويتحمل وسائل التعرية كافة. وتمتد الخطة لتشمل كل ما يخرج من المصانع حتى السلع ذاتها، بحيث تصنع بطريقة تسهل إعادة تدويرها، أي أن الشركة الصانعة مسؤولة عن السلعة من المهد إلى المهد مرة أخرى. فعندما يرغب المستهلك مثلاً بالتخلص من جهازه التلفاز، فإن الشركة المصنعة لذلك الجهاز تأخذه لتعيد تدويره وتصنيعه، لأن الاستفادة منه ستكون أرخص من شراء المواد الخام. وبهذا فإن خطة، صفر، للمخلفات تؤدي من جانب إلى تحقيق وفرة اقتصادية من خلال الاستفادة من المخلفات بدلاً من شراء مواد خام جديدة، وتؤدي من جانب أخر إلى الحفاظ على البيئة؛ حيث تُعفى البيئة من عبء تحمل تصريف المخلفات، والتخلص منها.

• كيف يساهم التخطيط البيئي في توسيع الفرص الاقتصادية للشباب: بما أن أثر التخطيط البيئي لا يتوقف عند تحقيق أهداف حماية البيئة فقط وإنما أيضاً يمتلك أهمية اقتصادية، لكونه يساهم في تحقيق وفرة اقتصادية، وخلق فرص اقتصادية جديدة. ومن هذا المنطلق، فإن الشباب بصفة خاصة يمكنهم، أيضاً، الاستفادة من التخطيط البيئي في خلق فرص اقتصادية لهم. لعل النقاط الآتية أدناه توضح الكيفية التي يسهم فيها التخطيط البيئي في توسيع الفرص الاقتصادية للشباب وهي:
1- عند تطبيق التخطيط البيئي السليم في بلد ما، فإن الشباب في هذا البلد يحظون بالعيش في بيئة نظيفة وصحية، ومن ثم يكونون خالين من الأمراض المرتبطة بالتلوث البيئي، ومن هنا يكونون أكثر قدرة على العمل وتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
2- إن نجاح التخطيط البيئي في تحقيق هدفه في الحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم استنفاذها، واستغلالها استغلالاً رشيداً، يقدم خدمة جليلة للشباب؛ إذ يجدون الموارد الطبيعية متاحة أمامهم؛ لاستخدامها في بناء قدراتهم الاقتصادية وتعزيزها، وعلى الضد من ذلك عند غياب التخطيط البيئي يجد الشباب الموارد الطبيعية مستنفذة، ولا يبقى لهم إلا البكاء على الأطلال.
3- إن فلسفة التخطيط البيئي والمبادئ التي يقوم عليها، تربي في الشباب قيماً لها مدلولاتها الاقتصادية، إذ يدفع بهم التخطيط البيئي إلى الاعتماد على قدراتهم الذاتية، والتكيف مع أوضاع مجتمعاتهم المحلية، والاستفادة من الطبيعة المرتبطة بهم. ومن هذا المنطلق، يسعى الشباب في توسيع الفرص الاقتصادية أمامهم، بالاعتماد كثيراً على ذواتهم ومجتمعهم المحلي، دون انتظار وصول دعم الحكومة المركزية، أو المنظمات الدولية والاتكال عليها.
4- إن حرص التخطيط البيئي على دمج عنصر المشاركة الشعبية عند إعداد مختلف الخطط التنموية والبيئية وتنفيذها، أكثر ما يفيد فئة الشباب، إذ يجدون من خلال ذلك فرصة المشاركة والعمل في المشروعات المدرجة في تلك الخطط.
5- إن الخطط البيئية تضم العديد من المشروعات غير التقليدية التي تهدف إلى حماية البيئة، ويمكن من خلالها أيضاً الحصول على دخل اقتصادي.

• ومن هنا يعطي التخطيط البيئي مجالاً واسعاً للشباب، لتبني مثل تلك المشروعات. فمثلاً، قد تضم الخطط البيئية المشروعات الآتية:
1. مشروعات إعادة تدوير المخلفات الصلبة
2. مشروعات لإنشاء محطات معالجة المخلفات السائلة
3. مشروعات إنشاء المحميات الطبيعية
4. مشروعات السياحة البيئية والحفاظ على الآثار التاريخية والتراث العمراني
5. مشروعات التكنولوجيا الصديقة للبيئة والإنتاج الأنظف
6. مشروعات زيادة المساحات الخضراء
7. مشروعات الطاقة البديلة
8. مشروعات إعادة تدوير المخلفات
9. مشروعات العمارة الخضراء. ومن هنا يعطي التخطيط البيئي مجالاً واسعاً للشباب لتبني مثل تلك المشروعات.


أ.د/علي عبدالرحمن علي – رئيس الاتحاد الدولي للاستثمار والتنمة والبيئة





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى