أخبارخدماترئيسيزراعة عربية وعالميةمجتمع الزراعةمحاصيلمشروعكمقالات

الدكتور وائل غيث يكتب : ماذا نحتاج لكي نقطع المفازة ؟؟!!.. صور

من قديم الزمان يطلق العرب على الصحراء لفظ البيداء وذلك لأنها تبيد كل من يحاول أن يقطعها أو يتحداها بلا زاد أو دراية وكانوا لميلهم إلى التفاؤل والاستبشار يطلقون على الأشياء المخيفة أسماء تحمل دلالة عكسية فأطلقوا على البيداء لفظ “المفازة ” وذلك تيمنًا بأنهم في تنقلهم وترحالهم عبرها سيكتب لهم الفوز والنجاة من مهالكها.

وللتغلب على تحديات مفازة استثمارك الزراعي حينما تنتوي ان تتصدى لذلك وتستزرع ارضا صحراوية واعدة مفعمة بالتحديات وهي بالمناسبة النوع الغالب والاعم المتاح في أراضي الاستصلاح الجديدة فأنت لا محالة سوف تحتاج إلى مجموعة من الأسلحة والتدابير والمفاهيم المختلفة لكي تنجح في قطع مفازة هذا الاستثمار الخطر وسوف تحتاج لجهد اكبر لكي تكلل جهودك بالنجاح والربح الوفير الذى يرضيك من هذه العملية الزراعية سواء كانت زراعاتك هذه مروية او مطرية او تتلقى مع المطر ريات تكميلية محسوبة والنمط الأخير هو النمط الأكثر شيوعا وانتشارا في جميع اقاليمنا الصحراوية والتي تفوق مساحتها ال 95 % من أراضينا المصرية.

ماهي تحديات البيئات الصحراوية؟

أعظم تحديات البيئات الصحراوية وأخطر مهالكها هو الجفاف ..فالأراضي الصحراوية عموما أراضي جافة وقاحلة وأهم سمات المناخ الصحراوي هو ارتفاع الحرارة وشدة سطوع الشمس وقلة الأمطار وشدة الرياح وتغير إتجاهاتها وفقر الحالة الغذائية لتربتها وهو ما يعزز سطوة الجفاف على أي مزروعات تتواجد في مثل هذه البيئات ولأن الماء هو سر الحياة ستجد أن أهم أسلحتك التي سوف تعينك على قطع المفازة هي قدرتك الفذة في التعامل مع هذا الوحش الكاسر وترويضه لذا فيجب عليك منذ اللحظة الاولى أن تختار تركيبك المحصولى القادر على التصدي لهذا المحدد الشرس فأشجار المناطق الصحراوية لابد أن تتميز بطبيعة وشكل خاص جدا .. أغصان مرنة قوية؛ مسطح خضري محدود؛ أوراق جلدية صغيرة وجذور وتدية وليفية متشعبة ومتعمقة كما ينطبق على الزيتون والنخيل والتين والعنب والرمان والسدر وما شابه من أنواع كما أن الأصناف البستانية التي تميل إلى التبكير في النضج هي الأنسب بكل وضوح للمناطق الصحراوية لقصر فترة تحملها لأعباء المحصول ومتطلباته مقارنة بغيرها من اصناف.
اما عن ثاني المحددات الصحراوية هي الظروف البيئية شديدة التطرف حيث المدى الحراري الواسع لاختلاف درجات الحرارة بين الليل والنهار وشدة سطوع الشمس والرياح الحارة المثيرة للأتربة والمتغيرة في اتجاهات مناطق الهبوب وكذلك ندرة الأمطار والتي تضع على عاتق مزروعاتك حملا ثقيلا من النتح والبخر والجفاف وفقد الرطوبة والضرر الميكانيكي والمسببات المرضية المتنوعة مما يضعف من إنتاجيتها كمًا وكيفًا في غالب الأحيان.

اما ثالث هذه المحددات هو الفقر الغذائي للتربة الصحراوية التي لا تتعدى أن تكون تربة رملية أو تربة جيرية أو تربة تحتوي على نسب متفاوتة من المكونين السابقين والأنواع السابقة تعاني مشاكل عدة في مسك المياه والحفاظ عليها ومشاكل أخرى في خصوبتها ومشاكل أخرى نوعية مثل الطبقات الصماء واخرى لا يتسع المقام هنا لذكرها بالتفصيل.

أما المحدد الرابع فهو انخفاض جودة المياه المتاحة للاستخدام في الزراعة في هذه المناطق حيث أن معظم مصادر المياه الجوفية ستكون بنسبة كبيرة مرتفعة الملوحة وبها زيادة من بعض العناصر المعدنية التي قد تضر النبات عند استخدامها في الرى المستديم.
وخامس هذه المحددات يكمن في شراسة أحياء البيئات الصحراوية على اختلاف أنواعها سواء كانت كائنات حية دقيقة ممرضة للنبات أو حشرات او قوارض أو طيور او ما شابه فحينما تقرر هذه الكائنات أن تهاجم مزروعاتك وتتغذى عليها فانت امام مشكله حقيقية وسبب هذا أن الكساء الخضري محدود في الجوار وتوفر الرطوبة الأرضية بعد طول انتظار يغرى هذه الكائنات ان تتجمع وتنظم صفوفها لكى تحصل على الغذاء والرطوبة والظل بشراسة غريبة لاسيما بعد ان طال انتظارها لهذه اللحظة السعيدة ويمكن ان نضع قطعا بجوار هذه المحددات الكبرى مجموعة أخرى من المحددات الصغرى التي نذكر منها للذكر فقط وليس الحصر صعوبة المواصلات وارتفاع أسعار العمالة وغلو أسعار الطاقة ووعورة الطرق وبعد الأسواق وارتفاع تكاليف نقل المحاصيل وغيرها الكثير والكثير من المحددات.
أهم الأسلحة والتدابير التي سوف تعينك على إنجاح مشروعك الزراعي تحت ظروف المفازة وإجراءات تعظيم الاستفادة من مقننات المياه المحدودة وحسن إدارة العملية الزراعية:
1-اختيار التوقيت الأنسب لمنح مزروعاتك المطرية الريات التكميلية المدعمة للرطوبة الأرضية ومن المعلوم أن الرطوبة الأرضية تتزايد في موسم الأمطار بداية من ديسمبر وحتى مارس وتظل التربة تحتفظ بالرطوبة الأرضية حتى أبريل ومايو وتبدأ معاناة الأشجار في التعاظم كلما تقدمنا نحو أشهر الصيف وأشارت دراسات عديدة أن ريتين تكميليتين في بداية يوليو وبداية أغسطس بمعدل 150 لتر ماء / لشجرة الزيتون مع إضافة 200 جم هيوميك أسيد لكل شجرة يرفع من إنتاجية تلك الشجرة بنسبة تفوق 100ا% وقد تصل أحيانا إلى 250% وهذا تحول درامي في إنتاجية اشجارك حصلت عليه بإضافة ريتين فقط.
2-الحرث ثم الحرث ثم الحرث والحرث في الصحراء هو سلاحك السري الجبار الذي سوف ينجيك من مهالك البيداء فالحرث المتعامد والعميق قبل سقوط الامطار وبعد سقوطها بخمسة عشر يومًا أو حين تكون الأرض مستحرثة يساعد التربة على استيعاب كميات أكبر من مياه الأمطار كما أنه يحفظ مخزون التربة الرطوبي من هذه الامطار فترات أطول عن طريق تكسير الخاصية الشعرية ومنع البخر لذا فتنفيذ ثلاث إلى أربع حرثات على الأقل في موسم المطر آخرهم تلك التي تجري في شهر أبريل ويمكن ان تتبع هذه الحرثات الربيعية بحرثة صيفية متأخرة للتخلص من الحشائش الضارة سوف يرتفع بإنتاجيه اشجارك لمستويات غير مسبوقة مقارنة بالأراضي التي تهمل هذه العملية الجبارة
3-معاملات تقليل البخر من سطح التربة والنتح من المسطح الاخضر وذلك عن طريق تغطية التربة أعلى الجذور بمواد عضوية او غير عضوية والتي يمكن أن تقلل من معدلات بخر التربة كما أننا ننصح بتطبيق تقليم متوسط إلي شديد نسبيًا لتقليل المسطح الأخضر للأشجار الصحراوية وتحجيمه إلي أقل حد ممكن حتى نجبر النباتات علي عدم فقد كميات كبيرة من الرطوبة الأرضية المخزونة عن طريق النتح وندلل على اهمية ذلك الاجراء بأن “التقليم الصيفي” للنموات الخضرية الجديدة وتقصيرها في كرمات العنب وأشجار التين يعزز بشكل كبير من الإنتاج و خصائص جودة الثمار بشكل بالغ الوضوح والتأثير مقارنة بالأشجار الغير مقلمة ويمكن أيضًا استعمال بعض المواد المقللة للنتح رشًا علي الأوراق مثل الكاولين وسيليكات البوتاسيوم وماشابه ذلك من مواد أيضا .
4-يجب علي المزارع الرشيد أن يحسن اختيار الصنف النباتي الملائم لبيئته الصحراوية ويجب عليه أن يتحيز بقوة إلى الأصناف المبكرة حتى يتجنب الأعباء الزائدة مائيًا وغذائيًا والتي سوف تستلزمها الأصناف المتأخرة وكمثال نجد أن صنف الخوخ المطري (ايرلي جراند ينضج في شهر 5) في سيناء هو بكل تأكيد صنف أكثر ملائمًة من أصناف مثل (فلوريدا برنس وسويلينج اللذان ينضجان في شهر 7) تحت الظروف الصحراوية
5-يجب أن يراعي البرنامج السمادي المستخدم مع الزراعات الصحراوية مواعيد الامطار وإضافة الريات التكميلية وتيسرها ويجب أن تنتمي المواد المستمد منها عناصر البرنامج الغذائي والسمادى المطبق على الأشجار الصحراوية للشقوق الحامضية حتى نتغلب علي ظروف ارتفاع ph التربة المصرية وصحاريها ومن أهم الأسمدة الملائمة للاستخدام تحت الظروف الصحراوية حامض الفوسفوريك وحامض النيتريك والفولفيك أسيد والهيوميك أسيد كما أن المادة العضوية المختلطة بالكبريت الزراعي في الخدمة الشتوية لها مفعول السحر في تحسين خصائص التربة ومسك الرطوبة وقدرتها على إمداد الجذور بالعناصر الغذائية اللازمة وتقليل اثر تراكم الاملاح وتعديل مجال ph التربة ليصبح أكثر ملائمة للامتصاص العناصر مع تجنب مشاكل تثبيتها .
6-أما بالنسبة لعمليات المكافحة والسيطرة علي الآفات الزراعية والتي تكون أكثر شراسة وتدميرا تحت الظروف الصحراوية مقارنة بظروف الوادي والدلتا لذا يستلزم علينا هنا اختيار مركبات ذات ثبات ضوئي وحرارى كبير حتي لا تتكسر بسهولة تحت ظروف سطوع شمسي شديد كما يجب أن تتميز هذه المركبات بكفاءة عالية جدا في التأثير وفترات أمان قصيرة حتي نحافظ على نظافة بيئتنا الصحراوية ونظافة منتجاتها التي سوف يميزه جدا سعريا كونه قادم من بيئات بكر نظيفة ويراعى دائما اتباع أساليب الرش الوقائي الاستباقى قليل التكاليف حتى لا نحتاج لكميات كبيرة من الرش العلاجي المكلف كما اننا ننوه انه عند استخدام محاليل الرش يجب ان نتجنب تماما استخدام مياه الآبار مرتفعة الملوحة في إذابة المبيدات كونها تضعف جدا من فعالية هذه المبيدات كما أن ال ph المرتفع للمياه يضعف ايضا من فعالية المبيد وفي هذا المقام نوصي بقوة أن إضافة حامض الستريك يستطيع ان يحل هذه المشكلة بتميز تحت ظروف البيئات الصحراوية.
7-الحصاد ومعاملات ما بعد الحصاد: لابد أن تتم عمليات جمع الثمار في الظروف الصحراوية بعناية أكبر كما يجب أن تجرى علي الثمار عمليات الفرز والتدريج والتعبئة بأسلوب يقلل من احتكاكها وخدشها وإصابتها ويقلل أيضا من تعرضها للشمس الحارقة والحشرات المتطفلة كما أن العبوات البلاستيكية الصغيرة والتي لا تسمح بتزاحم الثمار أنسب بكثير من الأقفاص المصنوعة من الجريد القاسي الخشن وماشابه من عبوات سيئة كما أن نقل الثمار والفاكهة عن طريق المبرادات المجهزة سيقلل بنسبة كبيرة من الثمار الفاقدة والتالفة والغير صالحة للتسويق من بيئات إنتاجها إلي أسواق المستهلكين.


الأستاذ الدكتور وائل غيث – مستشار الدعم الفني لمركز التنمية المستدامة لموارد مطروح





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى