أخباررئيسيمجتمع الزراعةمياه ورى

محمد عبد الجواد يكتب.. أثيوبيا «متحف الشعوب».. «صراعات عرقية» تقود إلى انتحار دولة !!

ماذا يجرى فى أثيوبيا أو «متحف الشعوب»،وفقا لوصف المؤرخ الإيطالي كونتي روسي لكثرة الاثنيات والعرقيات الموجودة بها وما هو المستقبل السياسى لهذه الدولة الحبيسة فى ظل تصاعد الاحتجاجات ضد حكومة آبى أحمد وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين، ولكى نفهم الصورة جيدا فإن الصراع فى أثيوبيا على مدار التاريخ يدور على النفوذ والموارد وسط خلافات سياسية تعكس الضغائن والإحساس بالظلم والاضطهاد بين العرقيات.

اغتيال المغني الشهير هاشالو هونديسا 34 عاما الأسبوع الماضى حرك مياه الاحتجاجات الراكدة فى بحار الغضب الاثيوبية وكان أشبه بهبوب رياح قوية حركت الرماد والغبار الكائن فوق نيران الغضب المدفونة، لأن مقتل هونديسا المعارض للقيادة الإثيوبية جاء بعد لقائه مع شبكة إعلامية مملوكة لقطب الإعلام الإثيوبي جوهر محمد الذي تحول إلى أكبر منتقدى آبي أحمد رئيس الوزراء بعد أن كان من أقوى أنصاره.
عملية الاغتيال أشعلت احتجاجات دامية في عدة مدن لقومية الأورومو، واهتزت العاصمة أديس أبابا، بعدة انفجارات، وسقط عشرات القتلى والجرحى، واعتقلت الشرطة الاثيوبية جوهر محمد، وزعيم حزب سياسي معارض ينتمي للأورومو.
وصول آبي أحمد المولود لأب مسلم من الأورومو وأم مسيحية من الأمهرة، ومتزوج من مسيحية أمهرية للسلطة لم ينصف عرقيته المهمشة لعقود وهو ما خلق نوعا من الغضب الشديد ضده لأنه يحاول استبدال سيطرة الأورومو بالتيجراي.
ولفهم حقيقة وأسباب ما يدور من صراعات معلنة وخفية داخل اثيوبيا يتعين علينا الاطلاع على خريطة التركيبة العرقية فى إثيوبيا والتى تشبه «فسيفساء» عشوائية مشوهة قد تقود أثيوبيا إلى الانتحار والتفكك أو الدخول فى مرحلة «البلقنة» أى على غرار حدث فى دول البلقان التى تفككت إلى عدة دول بسبب صراع القوميات وخير مثال لذلك ما حدث فى يوغسلافيا.
جعرافيا تُقسم إثيوبيا إلى 9 أقاليم رئيسية هى تيجراي،وعفر، وأمهرة، وأوروميا، وأوجادين، وبني شنقول «قماز»، وقوميات الأمم الجنوبية، جامبيلا، وهراري، إضافة إلى منطقتين حضريتين هم أديس أبابا وديرة داوا.
وتسكن أديس أبابا مجموعة من العرقيات المختلفة، تضم أكثر من 80 مجموعة عرقية ،وتعد أثيوبيا ثان أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، حيث يبلغ عدد سكانها حوالى 110 ملايين نسمة.
وتتوزع خريطة المجموعات العرقية فى أثيوبيا على النحو التالى: الأورومو: تمثل بين 34.4٪ إلى 40% من السكان، ويعتنق ما يزيد عن 70% منهم الإسلام، بينما يعتنق حوالى 20% المسيحية ويتشعب الأورومو إلى أكثر من 200 قبيلة، تمتد إلى أجزاء من كينيا.
الأمهرا: يمثلون27٪ من السكان، وهم السكان الاصليين وخضعوا للثقافة السامية وحكموا البلاد لقرون طويلة وعاصمة الإقليم هى «بحر الدار» ويتكون الإقليم من 10 مناطق إدارية ومنطقة خاصة واحدة، وتعتبرة الأمهرية هى اللغة الرسمية للدولة، وللجيش الإثيوبي.
وهناك مجموعات عرقية رئيسية أخرى،منها،الصومالية6.2٪، وتيجراي6.1٪،وسيداما4٪ ويقطنون التلات الجنوبية والسافانا، وجوراج 2.5٪ ويسكنون جنوب الهضبة الإثيوبية، ويلايتا 2.3٪، وعفار 1.7٪ شمال البلاد، وهادية 1.7٪، وجامو 1.5٪،والشنكيلا ويمثلون 6% من السكان ويتواجدون بمحاذاة الحدود الجنوبية.
يوجد فى إثيوبيا أكثر من 80 لغة مختلفة و22 لهجة محلية، وتنقسم اللغات الإثيوبية إلى 4 مجموعات رئيسية،هى السامية، والكوشية، والأموتية، ولغات النيل والصحراء الكبري، حيث يتحدث اللغة السامية سكان الشمال والشرق والوسط الإثيوبي «تيجراي، وأمهرة وهراري والجزء الشمالي من الأمم الجنوبية»، بينما يتحدث اللغات الكوشية كلا من إقاليم عفار وأوروميا وصومالى، أما اللغات الأموتية فيتحدثها سكان مناطق بحيرات وادي ريفت الجنوبي ونهر أومو، واللغات النيلية سكان المناطق الغربية على الحدود مع السودان فى إقليمي غامبيلا وبني شنقول.
وتتميز أثيوبيا بأنها هي بلد متعدد الأديان، المسيحيون يعيشون في المرتفعات، والمسلمون فى الأراضي المنخفضة وتتوزع الديانات فى البلاد بواقع 43.5٪، مسيحيين أرثوذكس و18.٪ بروتستانت و33.9٪ مسلمين، و2.6٪ كاثوليك.
الشئ المؤكد أن الخلافات الحالية بين القوميات المتعددة في إثيوبيا تتعلق بطبيعة المشروع الإصلاحي الذي يحمله أبي أحمد لأنه يقوم بعملية «فك وتركيب» للنخب الحاكمة في مفاصل الدولة، ولهذا تحالف مع قومية الأمهرة على حساب الأورومو، التى قادت احتجاجات مناهضة للحكومة، على مدار السنوات الثلاث الماضية بسبب نزاع حول ملكية بعض الأراضي، واتسعت رقعة المظاهرات لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف الأمر الذي تسبب في احتجاج القومية الصومالية، بقايا النظام القديم في السلطة، والجيش.
ومن الأمور التى زادت من الثورة على رئيس الوزراء منح امتيازات لشركات تابعة للجيش، واتهامه شركة ميتيك التي كانت تشرف على مشروع سد النهضة بالفساد ويضاف إلى كل ذلك أجرى أبي أحمد تغييرات في صفوف الجيش، وأجهزة المخابرات، أكسبته أعداء أقوياء، بينما تكافح حكومته للسيطرة على الشخصيات القوية في المجموعات العرقية الكثيرة في إثيوبيا التي تقاتل الحكومة الاتحادية.
أزمة أثيوبيا الحقيقية تتمثل فى أنها حتى الآن لم تضع خارطة طريق للتعامل مع التنوع الاثنى والعرقى بها فمع قيام إثيوبيا الحديثة، قامت النخب الحاكمة بالتعامل مع قضايا التعدد والتنوع العرقي والثقافي والديني ‏وفقا لقناعاتهم السياسية والأيديولوجية وسارت فى اتجاهين الأول الوحدة المركزية واتبعت منذ الحكم الامبراطوري و‏حاولت الدولة تحقيق الوحدة دون الاعتراف بالتنوع، ما أسفر عن خلق نظام للهيمنة والقمع وفي ‏المرحلة الثانية اعترفت الدولة نظريا بالتنوع العرقي ولكن التنفيذ كان أبعد ما ‏يكون عن جوهر هذه السياسة، ففشلت في تحقيق الاندماج الوطني.‏

وفي عام 1991، عندما تمت الاطاحة بالنظام العسكري الحاكم في إثيوبيا قامت النخبة الجديدة بزعامة ميليس زناوي ‏بهندسة نظامً جديد يقوم على أساس الفيدراليًة العرقيًة التي تعترف لكل جماعة عرقية بالحكم الذاتي، في إطار ‏المحافظة على وحدة الدولة.
الخلاصة.. بعد كل ما سبق أرى أن إثيوبيا تقف فى الوقت الراهن فوق بحر من الرمال المتحركة مدفون بداخلها كتل هائلة من الجمر الذى قد يحرق أصابع اللاعبين الأساسيين فى السياسة الأثيوبية أو قد يحرق الدولة بأكلمها ونراها تبدأ فى التفكك ومطالبة كل قومية من القوميات الرئيسية بالانفصال لأن الصراع الدائى على حلبة السياسة الأثيوبية هو صراع بسط سلطة ونفوذ على الموارد الاقتصادية والمناسب السياسية ومما يغذى هذا الرأى أن الفيدرالية الأثيوبية تعتبر حالة شاذة فى العالم لأنها هى الفيدرالية الوحيدة التى سمحت دستوريا لأعضائها بالانفصال.
وتظل التوترات والنزاعات الإثنية والصراعات بين بعض الأقاليم الإثيوبية تحديًا كبيرًا أمام آبي أحمد، وتظل شعبيته على المحك وينتظر أثيوبيا أحد سيناريوهين يحددان مستقبلها السياسى .
الأول: استكمال آبي أحمد مشروعه الإصلاحي، والسيطرة على العنف المتزايد في البلاد، واحتواء الاحتجاجات المناهضة له، وهنا تقع عليها مسؤولية الاستجابة لمطالب القوميات المتعددة من أجل تحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعي دون اللجوء إلى الخيار العسكري وأساليب القمع التقليدية التي كانت الخيار المفضل للأنظمة الإثيوبية السابقة، لتفادي استمرار الفوضى، وسقوط الدولة في صراعات داخلية وإذا نجح فى هذا سيعزز فرصه فى الفوز بانتخابات 2020.
الثاني:تصاعد التوترات السياسية والأمنية في إثيوبيا واصرار المتظاهرين على مطالبهم واجتذاب شرائح أكبر من المجتمع، رغم عمليات القتل والاعتقال ضدهم، وتوسع الاحتجاجات ربما يؤدي إلى إسقاط أو زعزعة النظام الحالي لأن ما تحقق من إصلاحات حتى الآن لا يرقى إلى مستوى التغيير السياسي الشامل الذي يضع إثيوبيا على طريق الديمقراطية الحقيقية وسيظل نشاط قومية تيجراي وعناصر الحرس القديم في مؤسسات الدولة أحد التحديات التي يمكن أن تؤثر على مستقبل النظام. ويبقى نشاط أحزاب المعارضة السياسية وتحالفاتها، ورغبة محمد جوهر فى المنافسة بالانتخابات المقبلة أحد أبرز التحديات التي قد تهدد آبي احمد في الاحتفاظ بمنصبه.





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى