أخباررئيسيمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : إياكم ..والخيانة ..لا تكن أبا رغال (نفحات الجمعة)

الخيانة ضد ألامانة ..فهى كلمة خبيثة وسلوك سيئ قبيح وتعنى :”نقض الوعود والالتزامات وخيانة الثقة وخيبة….ألأمل في من وثقت فيه ..
والخيانة تلعنها الفطرة السوية وتحرمها كل الشرائع السماوية، والقوانين الأرضية …والخيانةُ تَعني التّفريط في الأمانة
والخيانةُ مُفردةٌ تكشف في معناها عن حقيقة الوَضاعَة، وتعكس أعلى مَراتب الدّناءة والسقوط الأخلاقي وفقدان الشرف، وكلها تندرج تحت خيانة الامانة ونقض العهد
وللخيانة رائحة نَتِنَة، لا تُطيّبها العطور، وهي عارٌ لا تغسله البحور..
والخيانة لها دوائر متباينة ومتعددة أوسعها خيانة الوطن، فَتُسمّى حينها بـــ”الخيانة العظمى”.
والبيوت والعلاقات الانسانية على اختلاف مستوياتها والاوطان هى قلاع حصينة بحب وانتماء اهلها ووفائهم لها وأخلاصهم وحرصهم على الذود والدفاع عنها بأرواحهم ، لا يفرق جمعها ولا يشتت شملها الا غدر الخيانة، والخونة والمنافقين والمفسدين ..

صفات الخائن

الخائن مريض سبقت رغبته ارادته ،، مَن يتّصف بها يكون شخص مَنْبوذٌ، مَقْصِيّ، مُحَقَّر بين أهله وأقرانه لانه باع نفسه للشيطان ،باع الثمين من أجل الرخيص، وفارق الجميل وسَكَنَ إلى القبيح، وارتكب خطيئة الظلم، والظلم هو أعلى درجات الاستفزاز لمشاعر الناس. وباع دنياه بآخرته..وفقد إيمانه ..وهويته…

والخائن اقل وضاعة من الكلب الخائن لانه غدار عض الايدى الذى اطعمته وأكرمته .. فهناك مثل إيرلندي.يقول”من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن..
ويقول ألامام علي بن أبي طالب (مَن ضيَّع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرَّأ من الديانة) والخائن ليس له دين قال ﷺ (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)..
وهناك آيات قرآنية كثيرة تنهى عن الخيانة وعن الدفاع عن الخونة يقول الله تعالى (إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) ..والله سبحانه وتعالى لا يحب الخيانة ولا الخائن، قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾ . وقال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا..).
وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

أعظم صور الخيانة هى خيانة الوطن

وخيانة الوطن هي الخيانة العظمى، على الإطلاق لانها خيانة أمة فهي تُدمر الأوطان، وتقضى عليها …وتتمثل في التآمر مع الأعداء والتجسس لصالحهم، وإفشاء أسرار الوطن وعدم المحافظة عليه، ونهب خيراته وثرواته…ومن الخيانة للوطن أيضًا نشر الاشاعات الكاذبة واشعال الفتن ..وخلق الازمات والتستر على المجرمين والمفسدين، وإيواء الخائنين والمجرمين والخونة..
ولايقوم بخيانة الوطن إلا المُنحطّون والساقطون والسَفَلة والمنافقون فمثل الذي خان وطنه وباع بلاده، مثل الذي يسرق من مال أبيه ليُطعم اللصوص، فلا يُسامحه أبوه ولا يُكافئه اللِّص” – “نابليون بونابرت”.
ويقال اخسر ماتشاء .. ولكن إياك أن تخسر وطناً عشتَ فيه بكرامة .. وشعرتَ فيه بالأمن و الأمان فالأوطان كأحضان الأمهات ؛ لا تعوّض أبداً ..

قصص للخيانة والغدر

من أشهر تلك القصص وأكثرها تداولاً قصة الغدر التي تعرَّض لها مؤسس الإمبراطورية الرومانية يوليوس قيصر من أحد أكثر المقرَّبين إليه وهو ماركوس بروتس الذي طعنه في ظهره، وحين رأى طاعنه قال كلمته الشهيرة: «حتى أنت يا بروتس» والتي أصبحت مثلاُ لغدر وخيانة القريب. أما بروتس فقد لقي مصير الخونة الحتمي وهو الخزي والهزيمة والانتحار…
وقصص الغدر والخيانة كثيرة ولا يخلو منها أي زمان ومكان…
ويروى عن الديكتاتور النازي هتلر وصفه للخونة الذين عاونوه بقوله: «أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم»، في إشارة لقبح الخيانة واحتقار صاحبها حتى ممن ساعدهم..

والخيانة ..جريمة لا تسقط بالتقادم ولّا بالهروب. ولا يفلت الخائن بخيانته حتى بعد عقابه…ويسجل التاريخ الخونة ويحتفظ في ذاكرته بأسماء الذين خانوا أوطانهم وأممهم وتسببوا في خذلانها وتآمروا لإلحاق الضرر بها وتمزيقها وتدميرها…
ويُقال إن أول الخيانات العربية هي خيانة «أبو رغال»

أبو رغال ..رمز الخيانة

أبو رغال هو شخصية عربية توصف بأنها رمز الخيانة، وكان العرب ينظرون باحتقار وازدراء. للخائن لأنهم لم يعرفون قديما من يخون قومه مقابل أجر معلوم….ولذلك عندما بنى ابرهة الحبشى بيتا سماه القُلَّيْسَ، ليحج العرب اليه بدلا من الكعبة وقام أعرابى بالتغوط فيه ..جهز ابرهة جيشا يتقدمه فيلٌ لهدم الكعبة،عام ٥٧١ ميلادية العام الذى ولد فيه الرسول .ﷺ .ولكن أبرهة الحبشى وجنوده كانوا لا يعرفون الطريق إلى مكة، وكانوا يحتاجون إلى دليل ورفض كل عرب أهل اليمن ان يكون منهم دليل سوى زيد بن مخلف الذى يطلق عليه أبي رِغال، ومن يومها
اصبح رمزا للخيانة لكل من يخون يقال له أبو رغال ..ومن بغض العرب له وخياناته كان للعرب قبل الإسلام تعتبر ان رجم قبر أبو رغال شعيرة من شعائر الحج ….
فكيف بنا ألان ونحن نرى الخيانة فى كل مكان .ابو رغال جديد يخون الوطن …

وبعد ظهور الإسلام سجَّل التاريخ خيانات عديدة أبرزها خيانة يهود خيبر وبني النضير وبني قريظة لعهدهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم جاء دور المنافقين الذين تخاذلوا عن الدفاع عن المدينة وقال تعالى عنهم: (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا)، وحين اشتدت الأزمة كشفوا سفور خيانتهم قائلين: (لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، فأذلهم الله وأخزاهم

وتتابعت الخونة الى الان وكل يوم نكتشف خونة ..باعوا انفسهم لأعداء الوطن …. من اشهرهم
(الوزير ابن العلقمى)

وهو اسم كان سببا فى سقوط بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية في أيدي التتار، هو أبو طالب محمد بن أحمد بن علي، مؤيّد الدين الأسدي البغدادي الرافضي المعروف بابن العلقمي (٥٩٣- ٦٥٦هـ/ ١١٩٧- ١٢٥٨م)، وقال عنه الزركلي: “وزير المستعصم العباسي، وصاحب الجريمة النكراء ،الذى استطاع أن يستغل صفات الضعف في الخليفة لينفث سمومه وينفذ مخططاته، وقد كرّس حياته؛ للقضاء على الخلافة العباسية، ومحاربة أهل السنة ..

إسماعيل الهوارى

استطاع شيخ العرب همام بن يوسف، تأسيس دولة له فى جنوب مصر، وشكل قوة عسكرية من الهوارة والعرب ومن المماليك الفارين من حكم علي بك الكبير فدقت أبواق الحرب بين دوله في الجنوب يرأسها همام ولد يوسف أحمد الهوارى ودوله أخرى في الشمال يراسها على بك الكبير.
وفى ظل الصراع بين الجنوب والشمال، جهز “همام” جيشا كبيرا جمع فيه عدة جيوش من الصعيد ومن هواره وعلى رأسهم إسماعيل الهوارى، ابن عم الشيخ همام وزوج اخته وخال أولاده اختاره همام ليكون قائدا للجيش وبدأت الحرب وكانت الغلبه من نصيب أهل الصعيد وهواره في البداية ولكن بسبب مكر المماليك استطاعوا أن يخدعوا إسماعيل الهوارى ويجعلوه يخون ابن عمه وانتصر المماليك بسبب الخيانة ودخلوا فرشوط وجعلوها كوما من الرماد فاتجه همام إلى النوبة ليبنى جيشا أخر من الصعيد ولكنه لم يستطع بسبب الموت فتوفى في الطريق.

حسن ابن مرعى

بعد هزيمة السلطان المملوكى الأخير طومان باى على يد العثمانيين، توجه إلى الغربية عند حسن بن مرعى وابن عمه شكرى، من شيوخ غرب محارب، حيث كان ولاهم طومان باى على عربهم، وبعد أن أخرج حسن من الحبس المؤبد زمن السلطان الغورى، فالتقى بهم وأخذ العهود والمواثيق والأيمان المغلظة، بأن يكون معه ظاهرا وباطنا وبالقلب، وأن يكونوا هم على قلب رجل واحد، وشرح السلطان طومان باى، بأن العدو خلفه وأحضر مصحفا وحلف حسن وابن عمه على القرآن ألا يخونا ولا يغدرا به ولا يدلا عليه بشىء ولا لسبب من الأسباب، وحلفا على المصحف سبع مرات فاطمأن طومان باى. ومع ذلك خانه طمع فى المكافأة وشجعه شكرى ابن عمه بقوله: ” هل عاقل يبيع عاجله بآجله، لا تمل إلى الكفة الخاسرة فيحصل لك الخسران”، واستقر حسن على الخيانة واحاط بعربانه، وأرسل إلى السلطان سليم بالخبر

ومن اشهر قصص خيانة الاصدقاء
(يهوذا الاسخريوطي)

لقد عاش يهوذا مع المسيح عليه السلام ، واختاره ضمن الاثني عشر تابعا، ليكون معه، وليكون تلميذًا له، لكن فى النهاية خان يسوع وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة وبعد ذلك ندم على فعلته ورد المال لليهود وذهب وقتل نفسه.

 

صور وانواع اخرى من الخيانة ..
————————-
للخيانة صور واشكال متعددة مثل:
خيانة الامانة وخيانة الكلمة والعهد والوعد واداء الواجب او مهام الوظيفة .والخيانة الزوجية وخيانة الصداقة والزمالة بمنزلة الطعنة في الظهر .يقول – “غوتاما بودا..(الشيء المؤسف والمُحزن في الخيانة أنَّها لا تأتي أبداً من أعدائنا”) ..وخيانة العمل: وهى متنوعة تبدأ بالإهمال والتقصير في أداء الواجبات،وعدم الالتزام بأوقات العمل أو في إفشاء أسرار العمل مثل تصوير المستندات السرية، والمكاتبات الحكومية، وتسريبها والرشوة والغش والفساد.، وخيانة ثقة الأهل
فى ابنائهم..عندما عندما يمارس الابناء سلوكات خاطئة ويصاحب ألابن أصدقاء السوء ويرتكب افعال لاتليق به أو بأسرته وتنحرف سلوكياته واخلاقه وافكاره يكون ذلك صادما لاسرته وأهله..

الخيانة درس نتعلَّم منه
——————————-
أنَّ الخيانة من أبشع الصفات والسلوكات الإنسانية واعظم انواع الخيانة هى خيانة الوطن ..
وإذا تعرَّضت إلى الخيانة يوماً، لا تسمح لها بتحطيمك أو تشويه داخلك، بل تعامل معها على أنَّها درس تتعلم منه بأن تُصبح أكثر حذراً في علاقاتك القادمة مع الآخرين، وألَّا تضع ثقتك بأحد قبل أن تتأكد من أنَّه أهلاً لها،
وتعلَّم أن تصبح أكثر حكمة وقوة في مواجهة صدمات وخيبات الحياة…”وإذا خانك الشخص مرة فهذا ذنبه، أما إذا خانك مرتين فهذا ذنبك أنت”
و الاهم السرعة فى استعادة توزانك النفسى وتخلص من المشاعر السلبية،وان تعيد التفكير بعمق فى حياتك والأشخاص المحيطين بك من جديد ،
واحرص على ان تقاوم رغبتك فى الانتقام .. وأفضل ما تفعله هو الابتعاد عن الشخص الخائن، وقطع علاقتك به تماماً..
وأما في حال كان شخصاً من أفراد العائلة أو زوجاً ولا يمكنك ذلك، فابتعد عنه لفترة من الوقت حتى تنسى ما حصل وترتاح أعصابك ويشعر هو بذنبه ويراجع نفسه ،
وتجنَّب تماماً لوم نفسك أو الشعور بالذنب؛ لأنَّ العيب في الشخص الخائن وليس فيك.
والاهم ان لا تفقد الثقة بالآخرين، ولا تسمح للخيانة بتحويلك إلى شخص سلبي متشائم؛ إذ إنَّ الحياة مليئة بالأشخاص الرائعين الداعمين والصادقين ..

الخلاصة ..
—————-
لايوجد احد صاحب فطرة سوية يحب الخيانة والخائن شخص مريض وجاحد وحاقد ناكر لنعم وطنه عليه . ولذلك لا يحبه احد من الخلق ولا الخالق يقول تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) ” ويقول فى آية أخرى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ )..حفظ الله بيوتنا وأوطاننا من الخيانة والخونة .
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى