أخبارمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : الهجرة النبوية. دليل على ارتباط العقيدة بالوطن (نفحات الجمعة)

ونحن نحتفى ونحتفل بالهجرة النبوية الشريفة على صاحبها اذكى الصلاة والسلام ..علينا ان نتوقف مع هذا الحدث العظيم والذى اختاره الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثانى كى يكون بداية للتاريخ الاسلامى ويطلق عليه التاريخ الهجرى …لعظمته ودلالاته وتاثيره على الدولة الاسلامية
والهجرة النبوية للرسول واصحابه
كان الوطن قرين الدين سواء من تركهم لوطنهم او بحثا عن وطن آمن يكون نقطة لانطلاق الدعوة المحمدية والرسالة الاسلامية ..

مقدمة عن انواع الهجرة

الهجرة لها انواع متعددة سواء كانت هجرة داخلية اوخارجية هجرة مشروعة او غير مشروعة. اوهجرة مكانية او معنوية …
فالهجرة :هى انتقال من مكان الى مكان او من حال اقل الى حال افضل ..
فالذى يدفع الانسان ان يهاجر من المكان الذي وُلد و عاش فيه ذكرياته مُحاطاً بأُناس يحبهم ويحبونه.. يشاركونه نفس اللغة نفس الدين ونفس العادات والتقاليد .إلا اذا كان مجبرا او طمعا فى البحث عن حياة أفضل وغد أجمل، وبحثاً عن بصيص من الأمل في إيجاد حقوقه الطبيعية و مقومات العيش الكريم
فالهجرة تتم من النجوع والقرى الى عواصم المحافظات تكون بحثا عن الخدمات
والهجرة الخارجية تكون من دولة الى دولة تكون للبحث عن حياة افضل لم تتوفر له فى وطنه..
والذى يدفع العلماء او ما نسميها بهجرة العقول مع حبهم لاوطانهم عندما يفقدون التقدير لهم والعيش الكريم الذى يناسبهم ..
وايضا عندما تنحرف البوصلة داخل الدوله ويتقاتل ابناء الوطن الواحد تحت شعارات مزيفه او حروب بالوكالة .وتتدهور احوال البلاد الاقتصادية والامنية .تدفع ابناء الوطن الى هجرات جماعية هربا من القتل والتدمير بحثا عن الامان وطمعا فى الحياة …

هل الهجرة الان مباحة؟ 

ونفصد الهجرة المكانية هناك قيود صارمة على الهجرة بين الدول ..ونجد ان كل دول العالم تحمى حدودها بكل الوسائل الممكنه من الهجرة الغير شرعية ..

ولذلك نتعجب من بعض التيارات السياسية التى تتمسح بالدين التى تروج..بأنه لاقدسية لحدود الاوطان متذرعين بان الأرض كلها لله وهى وطن لجميع خلقه …
فهذه المعتقدات المضللة تخدم فقط المستعمرين الذين يستغلون هذه الافكار لسرقة اراضى الشعوب و مقدراتها وخيراتها…وهى منافية تماما لما جاءت به الشرائع السماوية وفى مقدمتها الاسلام ..

لان الدولة بالمفهوم الحديث هى امتداد لتاريخ الامم ..فالدولة لها ثلاثة مقومات هى :
( ارض ) انت صاحب السيادة عليها برا وبحرا وجوا،( وشعب) متناغم مترابط حريص على العيش المشترك , ( وهيئة او سلطة صاحبة السياة العليا ).فى هذا الوطن ….
ولذلك يجب الحذر من الوقوع فى فخ دعاة المستعمرين الذين يتسترون بالدين او يقولون بما لايعلمون .وسنوضح فى هذا المقال
ان رسالة الاسلام تعزز الانتماء للاوطان ..وهناك ارتباط وتلازم بين المعتقد الدينى والانتماء للاوطان
لكن الهجرة المعنوية للاخلاق القويمة هى مطلوبة فى كل وقت

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام

رسول الاسلام سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ظل يدعو للاسلام سرا ثلاث سنوات ثم جهرا عشر سنوات فآمنت مجموعة معه لكنهم لم يملكوا ارضا .. ولم يملكوا سيادة فمكة المكرمة كانت الارض والسيادة فيها لقريش

ولذلگ عندما امر الرسول الكريم اصحابه بالهجرة الى الحبشه قائلا لهم ( اذهبوا ألى النجاشى فانه ملك لايظلم عنده أحد ) فالنبى ..ارسلهم الى دولة معترف بها وبملك له القدرة والسيادة. على ارضه ….
لا تستطيع قريش بجبروتها. ان تعتدى على سيادتها ..ولم يستطع عمر بن العاص والوفد المرافق له مع دهائه وقوة علاقته بالنجاشى ان يخالف حكمه او يستبيح ارضه..او يستعيد المهاجرين مرة ثانية. .
كما نجد ان خروج الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة
…لم يكن خروجا ولكن كان اخراجا
ولذا كان امرا غاية فى الصعوبة على نفسه مع انه نبى ورسول مكلف بإبلاغ رسالة الاسلام
وليس ادل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم وهو على مشارف مكة وقد اوشك أن يبتعد عن آخر ديارها، حيث قال: «واللهِ إنى أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت»،
ولكى يواسى الحق نبيه فى هجرته انزل عليه قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)
وهذا يؤكد ان حب الوطن والانتماء إليه والولاء له نازع فطرى وواجب إيمانى….

وحين امتدح الحق سبحانه المهاجرين رضوان الله عليهم اشار إلى إخراجهم عنوة من ديارهم وأموالهم فى مكة بغير رضاهم فقال تعالى: «للْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، وقدم الحق سبحانه التضحية بالوطن على التضحية بالمال لما فيه من صعوبة بالغة على النفس .
وحين امتدح الانصار..اشار الى انهم استقبلوا المهاجرين فى ديارهم أى فى وطنهم على غير الفطرة المعهودة ثقة فى وعد رب العالمين فقال تعالى : «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا»…

ويوكد ذلك ماحدث فى غزوة الاحزاب حيث رفضت الانصار ان تعطى بعض تمر المدينة لمجموعة من القبائل..حتى لاتشترك مع قريش .فى حربها على المسلمين .حرصا على مقدراتهم واعتزازا بوطنهم
ونجد ان كلمة الديار ذكرت فى الايتين وهذا .دليل على اهمية الوطن وتعانق الاوطان مع العقيدة ..

الامر بالقتال كان علته الاخراج من الوطن

فالدفاع عن الديار والوطن بكل قوة امر دينى مسلم به وعلة من علل الجهاد والقتال يقول تعالى : «وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا»،
ويعزز قيمة الانتماء للوطن والدفاع عنه ما رُوى عن النبى «مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومَن قُتل دون أرضه فهو شهيد»،..

العلاقة بين المسلمين وغيرهم يحددها مدى احترامهم للدين والاوطان

العلاقة بين المسلمين وغيرهم لها اساس هى مدى احترامهم للدين والوطن
يقول تعالى: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
اما من يعتدى على ديننا او ديارنا واوطاننا او يتعاون مع اعدائنا علينا..فنحن منهين عن التعامل معه يقول تعالى
(انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراكم ..)

ومما يشير الى الترابط بين الدين والوطن.. انه من يسعى بالفساد فى مجتمع المسلمين .يكون .من ضمن وسائل العقاب هو ابعادة من الديار ومن والوطن الذى كان يستأنس به
يقول تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ»،
والابعاد من الوطن والديار لمدة عام جاء كعقوبة ايضا للزانى الغير محصن بعد جلده …

ممارسة الشعائر الدينية تقضى وجود وطن آمن

لممارسة شعائر اى عقيدة دينية يستدعى الاستقرار فى الاوطان ..
يقول تعالى ( لإيلاف قريش ، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، فليعبدوا رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )
والانسان الطبيعى متشبث بوطنه
لايحب الخروج منه. مهما كانت المغريات ..او التكليفات
يقول تعالى «ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ»،
ولذلك نتعجب من الذى يخرج علينا ويفصل الدين عن الوطن …
فمن المعلوم انه لم تقم للاسلام كلمة او ترفع لدولة الاسلام راية الا بعد هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام لانه بالهجرة اصبح للاسلام له ارض وهى المدينة المنورة وشعب هم المهاجرين والانصار واصبح الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب السيادة والسلطة الحاكمة والكلمة العليا
ولقد اعتمد النبى صلى الله عليه وسلم فى تاسيس دولة الاسلام على ثلاثة اركان هم اولا( المسجد) لبناء الانسان ..والمسجد كان مسجدا وحامعة ..و يحدد العلاقة بين المسلم وبين ربه الركن الثانى هو (الاخاء بين المسلمين )وازالة العدوات بين قبيلة الاوس والخزرج وبين المهاجرين والانصار فقد استطاع ان يدمج كل عناصر المجتمع تحت غاية وراية واحده اساساها الحب والايثار والعمل والعدالة المطلقة والتى كان شعارها لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها فلايوجد محاباه لاحد ..والركن الثالث هو ابرام العهود والمواثيق والاتفاقيات بين المسلمين واليهود اصحاب الكتاب وغيرهم كما فعل مع قريش فى صلح الحديبة ..ومن يعقد الاتفاقيات هى دولة لها سيادة ولها القدرة والقوة والارض التى من خلالها تدافع عن مصالحها…..

الوطن لايهجر بل يبنى ويعمر

ولذلك نتعجب من الذين يهدرون قيمة الاوطان .. ويعملون على تمزيقها ودس الفتن والضغينة بين شعوبها…ولذلك نقول ان الأوطان لا تُهجر ولا تُخرَّب بل تُبنى وتُعمَّر، ولا يُحمل السلاح لتدميرها وتمزيق نسيجها وتشتيت أبنائها، وإنما يُحمَل السلاح لحماية ترابها والدفاع عن حدودها وامنها وتنميتها ..
فعندما يضيع الوطن لا توجد دولة .. ولا توجد امه .. ولا توجد عبادة للواحد الديان ..
فالعبادات والشعائر والعمل والتنمية والصحة والتعليم لا توجد
الا فى ظل وطن مستقر آمن ..يأمن فيه الناس على حياتهم وارزاقهم وعبادتهم …

الخاتمة

ولذلك ما احوجنا ان نعيد قراءة التراث ببصيرة وعلم ونستخلص الدروس والعبر ..وان نهجر مايفرقنا ..الى مايجمعنا ..ونهجر الجهل الى العلم . ونهجر الحقد والبغض الى المحبة والود ونهجر التخلف الى التقدم والعمل والتنمية ونهجر المعاصى الى الايمان والتمسك بسنة النبى العدنان
ونحذر الفتن ونحافظ على بلادنا واوطاننا من الافكار المضللة ولا نكون مثل اليهود الذين قال الله فيهم : «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الْأَبْصَار».. نسأل الله ان يحفظ مصر وكل البلاد العربية والاسلامية
عزيزة ابية على الاعداء عصية..
ا.د / ابراهيم درويش
جمعتكم طيبة مباركة





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى