نسلط الضوء فى هذا المقال على حق أصيل من حقوق الانسان فى أن يعيش فى مجتمع يتمتع بمكارم الاخلاق ، مجتمع يسوده العدل والاحسان والرحمة والوفاء والامانة ونحمي هذا الانسان من الانهيار الاخلاقى الذى بكون سببا فى الظلم والفساد وانتشار الرزائل وغياب الامانة …الخ
وهذا الحق ليس سهل المنال ولكنه صعب تحقيقه ، ففى سبيله تسن القوانين والتشريعات والدساتير وفى سبيل تحقيقه بعث الله الرسل وانزل الكتب وتحت لوائه يجاهد المصلحون ومن أجله تضع الدول السياسات لتحقيق هذه الغاية
.ونؤكد انه قد يتفوّق الإنسان في علمه، وهذا التفوق لا يحتاج إلى جهد نفسي، وانما يحتاج إلى جهد عقلي وقد يستمتع الانسان بهذا التفوق لكن التفوق الأخلاقي يحتاج إلى ضبط للشهوات، يحتاج إلى جهد جهيد، لذلك قال بعض العلماء: جاهد تشاهد ومن وصل إلى مكارم الاخلاق كمل ايمانه ففى الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا ) فالأخلاق ملاك الفرد الفاضل، وقوام المجتمع الراقي، يبقى ويستقر ما بقيت، ويذهب ويتلاشى إن ذهبت ، وإذا أصيب القوم في أخلاقهم كما قال شوقي:وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ♦♦♦ فأقم عليهم مأتما وعويلا..
الأخلاق هي عنوان الشعوب، وحثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس، وقد تغنى بها الشعراء ومنها البيت المشهور لأمير الشعراء أحمد شوقي:(وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. .فـإن هُمُوُ ذهبــت أخـلاقهم ذهــبوا) وقد يعتقد البعض خطا بان الاخلاق امر خاص لكنها امر عام ، فالمجتمع البشري بلا أخلاق، سينقلب إلى غابة.. فستُهدر فيها الطاقات، وتحطّم فيها الاستعدادات، وسيكون الأمان والحرّية لعبة بيد ذوي الأهواء، وستفقد الحياة الإنسانية مفهومها الواقعي..
الاخلاق هى الضابط للتغيير :
الاخلاق هى الاساس في التغيير من السيىء الى الافضل والمعلوم ان الذى استطاع ان يغير الديا كلها من ظلمات الجهل والجور والظلم الى نور الحق والعدل والرحمة هو محمد بن عبد الله فكان القدوة والاسوة والمثل فى كل شىء والنموزج لمن يريد التغيير ولذلك عندما اراد ان يمدحه ربه قال:﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ كى يعطى لنا الدلالة والاشارة ان الاخلاق هى بداية الاصلاح والتغيير ووضحت رسالة الرسول فى قوله : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”
فلابد من تضافر القوانين مع القيم الايمانية التى جاءت بها الأديان لتصويب الاخلاق وغرس الفضائل بل القوانين الناجحة هى التى تستمد من القيم الدينية ومعلوم أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى فى التشريع فى الدستور المصرى
وكلما ذادت اهتمام الدولة حرصا على مواطنيها اصدرت وفعلت القوانين التى تحمى الاخلاق وتكافح الفساد ورفعت الوعى الدينى باهمية القيم الدينية التى تعلى من شان مكارم الاخلاق من خلال مؤسساتها الدينية والتعليمية والثقافية ومنابرها الاعلامية المختلفة واعمالها الفنية .
الاخلاق وغرائز الانسان :
غرائز الإنسان متعددة، ومركبة فمنها الفردي الذي يدفع إلى الأنانية والأثرة، ومنها الاجتماعي الذي يغري بالتعاون والإيثار، ومنها ما يهبط بالإنسان إلى القاع، ومنها ما يرفعه إلى مراتب السمو .
كما ان الإنسان مخلوق مركب من جزء أرضي، ومن جزء سماوي، يقول الإمام علي كرم الله وجهه: ” رُكب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكب الإنسان من كليهما- من جزء أرضي، ومن جزء سماوي- فإن سما عقله على شهوته، أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله، أصبح دون الحيوان” و الإنسان جسد ونفس، شهوة وعقل، ملاك وشيطان،,…هذه الشهوات قوى تدفعه إلى الانحراف… فلابد من قوانين ، ودين ينظّم هذه الشهوات التى أودعت في كل إنسان قال تعالى:﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ﴾سورة آل عمران
أهمية الدين فى مكارم الاخلاق :
تحرص الدولة على أن تضمن لمواطنيها الحق فى حياة كريمة ولاشك ان من اولويات هذه الحقوق ان تعمل على الضبط الاخلاقى الذى يحفظ الحقوق بحيث يعيش المواطن امن على نفسه وحياته ويحكى الحريات والممتلكات ويصون الأعراض وتضع من القوانين والتشريعات ما يحقق ذلك لكن مهما كانت قوة هذه القوانين فان هذه القوانين لا تكفي وحدها لضبط السلوك الإنساني، لان سلطانها على الظاهر لا على الباطن، وهى تعاقب المسيء ولا تكافئ المحسن، ويمكن التحايل عليها، والتهرب من عقوباتها، لان الذى يضعها الانسان فهو يعلم جانب، وتغيب عنه جوانب اخرى ويستطيع اى انسان اخر ان يتفلت منها ومثال لذلك الشرطى يطور قوانينه والمجرم يطور وسائلة فهناك دائم صراع عقول . وايضا لا يمكن القانون أن يُضبط. حركات النّفس من داخلها
ومن هنا تاتى اهمية الدين الذى يعالج ويغير داخل الإنسان .. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل راعياً، قال: بعني هذه الشّاة وخذ ثمنها؟ قال ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذّئب قال: ليست لي، أغراه بثمنها، قال: والله إنني لفي أشدّ الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذّئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين ولكن أين الله ؟..من هذا الموقف يتبين ان الدين هو اساس الاخلاق لأن الدّين يُبنى على الوازع الداخلي، بينما التشريعات والقوانين الأرضية تُبنى على الوازع الخارجي. وبالتالى اى دعوة لاصلاح منظومة الاخلاق يجب ان تجمع بين القوانين وتعظيم القيم الاخلاقية التى جاءت بها الاديان وان نهىء المناخ الاخلاقى الذى يؤصل للاخلاق الفاضله من البرامج التعليمية والاعلامية والمؤسسات الدينية ولعل اهمها :
1- خلق الاحسان وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فالمسلم يرى الله تعالى في كل شيء أعني يراقب الله في كل أحواله وأفعاله ومتى كانت المراقبة لله وحده فلن ترى خللا في هذه الحياة لا غش ولا رشوة ولا ظلم ولا زنا ولا فجور فمراقبة الله سيف يقوم الأخلاق والأفعال . فالحاكم يعدل في رعيته لعلمه أن الله أقدر عليه وأن يد الله فوق يده والموظف ينتج ويعمل لعلمه أن الله تعالى سائله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، والتاجر يتجار ويضرب في ربوع الأرض فلا يغش ولا يخدع لعلمه أن الأرزاق مقسومة وأن البركة في الحلال لا في الحرام. فالكل يشاهد قيوميته لله تعالى ويراقبه يقول تعالى )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾سورة الفجر: 14﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾سورة النساء: 1﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾سورة الحديد
2- خلق الرحمة: الرحمة أساس الإيمان وعمود الرسالة كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ ورحمة الإسلام رحمة عامة شاملة يرحم الناس كافَّة، أطفالاً ونساءً وشيوخًا، مسلمين وغير مسلمين و تشمل جميع العوالم دون استثناء حتى مع الأعداء روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَة )فالمسلم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ ».ِ”أخرجه أحمد.
3- خلق العدل: بالعدل قامت السماوات و الأرض فالعدل يتولى تنظيم العلاقات بين الناس قال تعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ سورة النحل: 90.
4- خلق الوفاء بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات وإشارات قال الله تعالى و هو يصف أهل الجنة من المؤمنين ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المعارج: 32، وقال في سورة (المؤمنون) في صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8
الخلاصة :
التمسك بالأخلاق الفاضلة، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو الاجتماعي أو الوطني أو الإنساني، هي ركيزة أساسية في تهذيب السلوك الإنساني وتنظيم العلاقات على أسس قويمة من السمو الروحي والمعاملة الجميلة، وعنصر فعال في شيوع المحبة والألفة والتماسك والترابط في المجتمع، أفراداً وأسراً وشعباً وقيادة، ومنبع رئيس للتعايش السلمي البناء مع الأمم الأخرى.
ولعل اهم رسالة يجب ان تعلن للمواطن ان الدولة حريصة على اعلاء القيم وان من يخالف هذه القيم سيحاسب بالقانون وان هذه الرسالة اكد عليه القرءان الكريم فقد جاء رجل إلى النّبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني وأوجز، فتلا عليه هذه الآية، قال: :﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ فقال: يا رسول الله قد كُفيت. …..حفظ الله الوطن من كل سوء
أ.د/ ابراهيم درويش وكيل كلية الزراعة المنوفية لخدمة المجتمع وشئون البيئة