الهستامين هو مركب أميني أحادي حيوي فعال Biogenic monoamine ينتج من فعل إنزيمات بكتيريا روث الإنسان والحيوان Fecal bacteria على المواد البروتينية وأخص الحمض ألأميني الأساسي المسمى الهستيدين Histidine. والهستيدين هو حمض أميني أساسي Essential amino acid وهو أحد مكونات المواد البروتينية والتي تتغذي عليها يوميا ولا تصاب بأي أذى منه وذلك لوجوده في جسم الجزيء البروتيني وليس حراً طليقاً ومشوهاً كما هو الحال في الأسماك والبروتينات التي بدأت في التحلل والتعفن.
يرى بعض الباحثين ان المركبات البروتينية تتحل بفعل الإنزيمات والتفاعلات الكيميائية الى احماض امينية اولية بفعل وجود انواع محددة من البكتيريا الامعائيات، حيث ان لهذه الكائنات الدقيقة انزيمات لها القدرة على نزع كاربوكسيل الحمض الاميني للأحماض الامينية المتواجدة بشكل حر في انسجة بعض الاسماك ومن ضمنها الحمض الاميني الهستدين وتحويلها الى مادة الهستامين (مركب اميني ثنائي) وتتكون مادة الهستامين بكميات كبيرة في هذه الاسماك نتيجة سوء فترة التخزين ودرجات الحرارة العالية،في حين ان بعض الأبحاث بينت أن كميات الهستامين التي يمكن أن تتكون نتيجة لأنزيمات التحلل الذاتي على درجة من الصغر بحيث إنها لا تكفي لتسبب المرض. لكن من المؤكد انه يرتبط تكوين الهستامين في لحوم الأسماك مع عدم تبريدها بصورة صحيحة بعد الصيد أو قبل التصنيع أو الاستهلاك بوجود أحياء دقيقة تنمو بها.
لذا تعتبر الاسماك من الاغذية البروتينية سريعة التلف ومعرضة للتحلل نتيجة النشاط البكتيري في حال تم تخزينها في درجات الحرارة الخطرة بين 5 الى 60 درجة مئوية ولم يتم تداولها بالشكل الجيد منذ لحظة صيدها وحتى استهلاكها.
لذا فان درجة الحرارة وطول فترة الحفظ بالإضافة إلى نوع البكتيريا الموجودة تعتبر العوامل المحددة لكميات الهستامين المنتجة، فكلما ارتفعت درجة حرارة الحفظ واقتربت من درجة حرارة الغرفة مع الاطراد في طول فترة الحفظ ازدادت تراكيز الهستامين.
ويكون محتوى الهستدين في العضلات الداكنة اكثر من العضلات البيضاء، فنجد ان اسماك الظل و الماكريل والانشوجة و سمك السالمون و السردين اكثر اتهاما باحتوائها على الهستامين، بينما لا يحتوى البياض و التوربو و غيرها من اسماك اللحم الأبيض على الهستيدين.
ولا يقتصر سبب التسمم الهستامينى على تناول الأسماك السابق ذكرها غير طازجة، فمعلباتها التي تخلو أصلا من الهستامين يمكن أن تسبب التســمم في حالتين:-
- التعبئة من لحوم أسماك ملوثة نمت فيها البكتيريا وأنتجت الهستامين نتيجة لحفظ الأسماك غير مبردة لفترة غير قصيرة. ويبقي الهستامين فعالاً حتى بعد معاملات التعبئة والتعقيم، إذا انه وبعكس البكتيريا المنتجة للهستامين مقاوم للحرارة.
- لحوم الأسماك في العلب طبيعية وتخلو من الهستامين ولكن لم يتم تناولها مباشرة بعد فتح العلب وتركت لفترة غير قصيرة غير مبردة، الأمر الذي يمكن أن يعرضها للتلوث بالبكتيريا القادرة على نزع كربوكسيل الهستدين ولإنتاج الهستامين بكميات كبيرة، كما هو الحال عند استعمال لحم التونة بعد فتح العلب في إعداد بعض أنواع السلطات أو البيتزا. فغالباً ما تفرغ التونة من العلب وتترك في جو المطاعم لحين الحاجة، حيث تكون فيها هذه اللحوم عرضة للتلوث بالبكتيريا المنتجة للهستامين. وقد تطول في بعض الأحيان فترات الحفظ غير المبرد هذه معطية المجال لتكوين الهستامين بتراكيز كافية لإحداث التسمم. على إنتاج الهستامين.
وتفسر هاتان الحالتان حوادث التسمم الهستامينى المتعددة من معلبات التونة والماكريل والسردين في مناطق مختلفة من العالم.
و تسمح هيئة الغذاء والدواء الامريكية (FDA) بأن لا يزيد عن مستوى 50 مع/كجم ، و تكون ضارة بصحة الانسان. اذا تجتوزت هذه القيمة 80 مع/كجم، فهذا هو سبب التسمم. بالإضافة الى مستويات 30-40 مع/كجم تسبب التسمم لدى الأشخاص الحساسة. حجم الأسماك فعال أيضا في تكوين الهستامين.
الاعراض التي يسببها التسمم بالهستامين:
التسمم الهستاميني في الاسماك تعتبر من اكثر السموم شائعة الحدوث بالرغم من ان الحالات المسجلة بسيطة مقارنة بباقي السموم الغذائية الاخرى، ويرجع السبب الى ان الاعراض المرضية لهذا السم تحدث بشكل سريع خلال دقيقتين الى 3 ساعات، وعلى الاكثر خلال يوم من تناول الغذاء المحتوى على مستويات عالية من سم الهستامين قبل ان تختفي بالتدريج عند معظم الاشخاص، حيث ان معظم المصابين لا تتعدى اعراضهم المرضية عن الشعور بالدغدغة والتنمل والتخدر والحرقة بالفم والشفتين وحول الفم، مع صداع والرغبة في الهرش والحكاك، واحمرار في الجسم، واحيانا طفح جلدي- ويتم علاج الحالات البسيطة باستخدام مضادات الهستامين(مضادات الحساسية). وقد تتطور بعض حالات التسمم الى انخفاض وهبوط حاد في ضغط الدم، حمى، غثيان، قيء، إسهال، سرعة النبض، تغير في مستوى الرؤيا وفي هذه الحالة يحتاج المصاب الى عناية طبية في المستشفى.
تعد احدى الطرق لتقليل تكوين الهستامين هي رفع درجة القاعدية على سطح الأسماك للحد من وجود و نمو الميكروبات التي تقوم بتكوينه، و ذلك باستخدام ثلاثى فوسفات الصوديوم TSP والذى يرفع درجة PH الى 12 درجة.
يتم تحليل الهستامين والاحماض الأميني باستخدام جهاز الفصل الكروموتوجرافي HPLC
(High Performance Liquid Chromatography)
الوقاية من التسمم الهستامينى
إن فهم الملابسات التي تؤدي إلى حصول التسمم الهستامينى يجعل السيطرة عليه أمراً سهلاً نسبياً. ويعتمد ذلك في الدرجة الأولى على عدم تلويث لحوم الأسماك بالبكتيريا القادرة على إنتاج الهستامين. إلا أنه لا يمكن ضمان هذا الأمر، فبعض من هذه البكتيريا تعتبر جزءاً من التركيب الميكروبي الطبيعي للأسماك. لذا يبقى تبريد الأسماك الفوري بعد الصيد و جويف احشائها وحفظها مبردة حتى الاستهلاك أو التصنيع خير ضمان لعدم نمو هذه البكتيريا، إن وجدت، وبالتالي لعدم تكوين الهستامين.
وبالنسبة للأسماك المستوردة، المعلبة أو المدخنة أو المخللة، والتي يتبع معظم الموجود منها في أسواقنا للأنواع التي تسبب التسمم الهستامينى، فخير وسيلة لمنع تسببها في حصول هذا التسمم تكون بأخذ عينات ممثلة من الدفعات الواردة قبل دخولها للبلاد والسماح فقط بإدخال تلك التي يثبت خلوها من الهستامين و مطابقاتها للمواصفات المصرية القياسية.
وينبغي أخيراً الانتباه إلى أنه يجب تناول لحوم اسماك التونة والسردين المعلبة بعد فتح العلب مباشرة. وإذا لم يتم ذلك، كما هو الحال في المطاعم، فيجب حفظ اللحوم مبردة دون تعرضها للتلوث ودون أن تطول فترات الحفظ عن المسموح بها.
سلوى محمد حافظ (قسم صحة الأغذية – باحث بمعهد بحوث صحة الحيوان فرع بنى سويف- مركز البحوث الزراعية – مصر