أخبارمقالات

الدكتور أيمن منير يكتب : داء الكلب (السعار) .. الأعراض وأفضل طرق الوقاية

Rabies (Hydrophobia) )

يعد داء الكلب واحداً من أقدم الأمراض المعروفة للإنسان وأكثرها إثارةً للفزع ويعود تاريخ السجلات المكتوبة والمصورة عن داء الكلب إلى أكثر من 4000 عام ويتوطن هذا الداء اليوم في أكثر من 150 بلداً في جميع أنحاء العالم. مرض الكلب من أخطر الأمراض المشتركة التي تصيب الإنسان. كما تصيب جميع الحيوانات ذوات الدم الحار وبالأخص آكلات اللحوم ويؤثر على الجهاز العصبي مسببا الموت السريع . وتساعد الحيوانات البرية كالثعالب  وكذلك الخفافيش على استمرارية العدوى وانتقال المرض إلى الحيوانات الأليفة ومنها الى  الإنسان. وقد أظهرت تقارير منظمة الصحة العالمية أن هناك حوالي 4 ملايين حالة عقر للآدميين سنويا بواسطة الكلاب والقطط وغيرها. وأن هناك أكثر من ثلاثين ألف حالة وفاة تسجل بسبب هذا المرض على مستوى العالم سنويا معظمهم في المجتمعات المحلية الأفقر والأضعف في العالم. نحو40 % من ضحايا المرض من الأطفال دون الخامسة عشرة ممن يعيشون في آسيا وأفريقيا .

 

المسبب المرضي : فيروس الكلب وهو يفضل الجهاز العصبي ويوجد في انسجته. كما يوجد في الغدد اللعابية وفي لعاب المصاب. وأحيانا في الدموع والبول والحليب ولكنه لا يوجد في الدم.

وقد ثبت أن الفيروس  يتواجد في لعاب الكلب المصاب قبل ظهور الأعراض المميزة بمدة تتراوح من 2 – 10 أيام ولذلك ينشر العدوى دون إثارة  أي التفات إليه. الفيروس حساس حيث يهلك بسرعة عند تعرضه للظروف البيئية مثل أشعة الشمس المباشرة و الحرارة ولهذا لا تلعب الأدوات دورا في نقل الفيروس. يقتل الفيروس بسهولة في الأحماض والقلويات وفي محلول 5 % فينول لمدة نصف ساعة أو محلول 1 % فورمالين أو 3% محلول كريزول وكذلك الغليان أو التسخين لمدة نصف ساعة على درجة حرارة 58O م. على عكس معظم الفيروسات فإن فيروس الكلب يتواجد باستمرار في المجتمعات الحيوانية والآدمية نظرا إلى :

  1. أن العدوى بالفيروس مميتة نظرا لالتهاب أنسجة المخ مما يجعل الحيوان المصاب في حالة هيجان ويجري بجنون ويعض أي كائن حي في طريقة كما يأكل الأشياء الغريبة ولذلك يسمى السعار الهائج .
  2. يتواجد فيروس المرض في الغدد اللعابية للحيوان المصاب وبالتالي يحمل اللعاب العدوى إلى الأجزاء التي يتم عقرها أو حتى التي لحسها وبها خدش.

مصادر العدوى: يعتبر المصدر المباشر للعدوى هو لعاب الحيوان المصاب بالمرض.

مستودعات العدوى:

الحيوانات الأليفة والبرية وخاصة الكلاب والقطط الضالة والثعالب وتعتبر الخفافيش وخاصة مصاصة الدماء Vampire bats التي توجد بكثرة في دول أمريكا الجنوبية من العوائل التي تخزن العدوى دون ظهور أعراض عليها، وتنقل المرض بصورة خطيرة للماشية عند مهاجمتها لقطعان الأبقار. 

طرق انتقال العدوى:

  1. من خلال عضة الحيوان المصاب .
  2. التماس بين لعاب الحيوان المصاب وجرح مفتوح . كما يحدث عند محاولة إزالة أي انسداد من البلعوم للحيوان المصاب عن طريق إدخال الأيدي وبها جرح أو خدش.
  3. العدوى من خلال تناول حليب الأبقار المصابة نادرة جدا ولم تسجل حالات منها إلا أنها قد تحدث إذا كان هناك خدوش في الغشاء المخاطي المبطن للقناة الهضمية (يتأثر بحموضة المعدة) .
  4. انتقال المرض بين إنسان وآخر نادر جداً إلا أنه سُجلت بعض الحالات التي انتقل فيها الفيروس عبر عمليات زراعة الأعضاء حيث تلاحظ في السنوات الأخيرة عدة حالات لانتقال العدوى إلى الأشخاص  دون عقر من خلال عمليات ترقيع قرنية العين لهم بقرنية أشخاص موتى بسب مرض الكلب ولم تشخص حالاتهم جيدا.
  5. لا تلعب الحشرات دورا في نقل العدوى .
  6. قد ينتقل فيروس الكلب من خلال الاستنشاق في كهوف الخفافيش التي يتلوث بها لعاب وبول الخفافيش المصابة وخاصة إذا كان هناك خدش أو تهتك في أنسجة الأنف والزور ولكنها نادرة . ولكن غالبا ما يهاجم الخفاش المصاص للدماء قطعان الأبقار وتكون إصابة الآدميين في الأماكن الموبؤة وخاصة أثناء النوم خارج مساكنهم أو في المساكن الغير مغلقة  جيدا (مفتوحة الشبابيك أو الأبواب).

مدة الحضانة:

كلما كانت العضة قريبة من الجهاز العصبي المركزي ( المخ ، النخاع الشوكي) كان ظهور الأعراض سريعا . فمثلا 85% من الحالات تتراوح فتر ة الحضانة من 2 أسبوع الى2 شهر وإذا كان العقر في الرأس أو الوجه قد تظهر الأعراض في خلال عشرة أيام بينما إذا كانت الإصابة   ( العضة ) خفيفة في الأطراف قد تمتد فترة الحضانة من أسابيع إلى شهور .

فترة الحضانة في الكلاب تتراوح من 10 أيام الى6 شهور بمتوسط 3 الى8 أسابيع.

العوامل التي تؤثر على القابلية للعدوى :

  1. مكان الإصابة ( قربها أو بعدها عن المخ ).
  2. مدى تهتك الأنسجة .
  3. ضراوة وكمية الفيروس التي تم حقنها في الجرح .
  4. المواضع الغنية بالأعصاب ( كلما كان الموضع غني بالأعصاب كلما قصرت فترة الحضانة )

 

أعراض المرض في الإنسان:

الأعراض المبدئية في صورة صداع ، توعك عام ، ارتفاع بسيط في درجة الحرارة ، قلق وعصبية مع أحساس بالألم  وحرقان شديد حول مكان العضة ويصاحب هذا القلق اضطراب نفسي ومع تقدم المرض يزداد القلق والعصبية (كزيادة الحركة ) تتميز الحركة بالاندفاع الشديد والمفاجئ .يشعر المصاب برعشة  تصاحبها حمى مع صعوبة التنفس وصعوبة البلع وزيادة اللعاب ، اتساع حدقة العين ، كثرة التبول ، عدم القدرة على مواجهة الضوء أو تحمل الأصوات العالية .

تحدث تقلصات مؤلمة لعضلة البلعوم لذلك يتجنب المريض السوائل ويرفض شربها وخوف شديد منها رغم شدة عطشه . وهكذا ينعكس على ملامح وجهه وحركاته هذا الخوف والرفض في صورة رهيبة من الفزع والهياج المفاجئ بمجرد رؤيته للماء أو السوائل وتسمى هذه الحالة المميزة للمرض ظاهرة الخوف من الماء Hydrophobia. ونتيجة لعدم قدرته على البلع يتجمع اللعاب ويسيل من فمه .

مع تقدم الحالة تنتاب الجسم تقلصات عضلية ونوبات تشنجية عنيفة تتخللها فترة ارتخاء تام وقد يموت المريض خلال أحد هذه النوبات . يحدث شلل في عضلات الحنجرة ويمتد إلى عضلات الوجه ، العين ، اللسان ،الأطراف ثم يمتد إلى باقي عضلات الجسم لتنتهي الحالة بالموت بعد 4الى14 يوم. نسبة الوفيات للأشخاص المصابين بعد ظهور الأعراض قد تصل إلى 100 % .

التشخيص:

من الممكن أن يكون داء الكَلَب صعب التشخيص في مراحله المبكرة ويمكن الخلط بينه وبين الأمراض الأخرى أو المعدية  والطريقة المرجعية لتشخيص داء الكَلَب هو عن طريق تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) أو عن طريق زراعة فيروسية لعينات من الدماغ تؤخذ بعد الوفاة. كما يمكن إجراء التشخيص عن طريق عينات اللعاب والبول والسائل النخاعي، ولكنها ليست بالغة الدقة

  1. أحداث عقر سابق .
  2. الأعراض المميزة .
  3. الفحص الهستولوجي لأنسجة المخ بحثا عن أجسام نجري Negri bodies. . يشمل الدماغ على أجسام تدعى أجسام النيغري، ويمكن عن طريقها تشخيص عدوى داء الكلب بنسبة 100%، لكنها تتواجد بنسبة 80% من الحالات فقط.
  4. اختبار الفحص الفلورسنت للأجسام المضادة Fluorescent Antibody test.
  5. عزل الفيروس من عينات الأنسجة ( المخ ، الغدد اللعابية ).

 

طرق السيطرة والوقاية :

 

  • السيطرة على المرض في الأشخاص المصابين فعلا ( اللذين تعرضوا للعدوى ).
  • السيطرة على الفيروس في الكلاب والحيوانات الأخرى .

 

  • طرق السيطرة على المرض في الأشخاص الذين تعرضوا للإصابة :

1- العلاج الموضعي: يجب غسل الجرح مكان العضة أو الخدش فورا بالماء الجاري والصابون . ثم تطهيرها بصبغة اليود 3 – 4 % ، الكحول 40 – 70 % أو مركبات الأمونيوم 0.1% ويجب عدم إغلاق الجرح حتى  يمكن تطهيره من الداخل تماما . ويمكن حقن المصل الواقي المضاد حول وتحت مكان العضة .

2- الحقن بالمصل الواقي: Specific antiserum  يجب إعطاؤه مباشرة للأشخاص الذين تعرضوا للعض مع مراعاة أن المصل يجب إعطاؤه قبل مرور 72 ساعة من العض

3- الحقن باللقاح  Active Immunization: لابد من إعطاء اللقاح للأشخاص بمجرد تعرضهم للعض أو حتى الخدش بواسطة :

  • كلب عليه علامات المرض.
  • كلب عض شخص ولم يتم الإمساك به .
  • كلب عض شخص ونفق .
  • كلب تحتوي أنسجة مخه على أجسام نجري Negri bodies .

4- كل حيوان يعقر شخص:يجب التحفظ عليه بمعرفة الشرطة والسلطات البيطرية تحت الرقابة لمدة أسبوعين . فإذا ظل حيا وسليما خلال هذه المدة يفرج عنه دون خوف من احتمال المرض به أو بالشخص المعقور . أما إذا ظهرت عليه أعراض المرض خلال هذه الفترة فيترك حتى تتقدم حالته وتسوء وذلك لظهور أجسام نجري في المخ وسهولة التشخيص .

5- الأشخاص المعرضون لخطورة العدوى: يجب إعطائهم 3 جرعات من اللقاح على فترات                          5 – 7 أيام مع إعطائهم جرعة منشطة.

 

  • مكافحة السعار للكلاب والحيوانات الأخرى:

 

  • التخلص من الكلاب والقطط الضالة .
  • تركيب كمامة للكلاب .
  • تسجيل الكلاب وترخيصها مع الوقاية منها بواسطة سلسلة.
  • التثقيف الصحي لأصحاب الكلاب وأي مشاكل ناتجة عن إيواء الكلاب تكون على مسئوليتهم .
  • الحجر البيطري لمدة لا تقل عن 6 شهور في حالة الاشتباه للكلاب .
  • يجب إعدام حليب الحيوان المصاب أو المعقور وعدم استعماله للإنسان أو الحيوان . وفي حالة مهاجمة حيوان عاقر لمزرعة بها قطيع حلاب واحتمال  إصابة بعض الأبقار . توضع جميع أبقار المزرعة تحت الملاحظة والحجر مع غلي الحليب الناتج من المزرعة جيدا أو بسترته ويجب الحذر التام من وجود جروح بأيدي الحلابين . ويلاحظ أن شرب الحليب من حيوان مصاب يمكن أن ينقل العدوى للإنسان من خلال جروح الشفتين أو الفم أو القناة الهضمية. أما بالنسبة للحوم فأن العدوى تنتقل عن طريقها إلى الجزارين خلال جروح الأيدي أثناء الذبح أو إعدام اللحم . وبالرغم أن الطهي الجيد يقتل الفيروس في اللحوم كما أن العصارة المعدية الهاضمة تقتل الفيروس في المعدة مما يجعل احتمال الإصابة نادرا الا من خلال جروح بالفم أو القناة الهضمية . ولكن نظرا لخطورة المرض فأن القوانين تنص على إعدام لحوم الحيوانات المصابة والتي تبدو عليها أعراض المرض بوضوح . وعندما يعقر حيوان ويذبح فور العقر ( خلال 3 أيام) وقبل ظهور الأعراض فأن مكان العقر والأجزاء المحيطة به تعدم . أما بعد 3 أيام فيجب الإعدام الكلي للذبيحة أو الحجر على الحيوان المعقور 6 شهور فإذا لم تظهر عليه أعراض يفرج عنه ولا يعدم .
  • تحصين الكلاب باللقاح الواقي ضد مرض الكلب .
  • الحيوانات المستوردة والغير محصنة يتم تحصينها عند وصولها وحجزها في المحجر البيطري لمدة لا تقل عن 45 يوم .
  • عمل برنامج لمقاومة الخفاش المصاص . التحفظ على الكلب العاقر لمدة أسبوعين تحت الأشراف البيطري لملاحظة ظهور الأعراض عليه من عدمه.

 

استجابة منظمة الصحة العالمية :

وحتى عهد قريب، كانت الاستجابة العالمية لداء الكلب تتسم بالتجزؤ وانعدام التنسيق. والآن، وللمرة الأولى، فإن كلاً من منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، والتحالف العالمي لمكافحة داء الكلب، يعكفون على توحيد القوى من أجل دعم البلدان في سعيها إلى تسريع وتيرة الإجراءات الرامية إلى التخلص من داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030. خاضت منظمة الصحة العالمية (المنظمة) على مدى ثلاثة عقود من الزمن على الأقل معركة كسر “طوق الإهمال” الذي يعوّق خدمات الوقاية من داء الكلب ومكافحته، وخصوصاً في البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل، وذلك عن طريق أنشطة الدعوة وإجراء المسوح والدراسات والبحوث المتعلقة باستخدام أدوات جديدة.

 

*28  سبتمبر هو اليوم العالمي لداء الكلب، ومراعاة الصحة العالمي الذي يسعى إلى رفع مستوى الوعي حول داء الكلب وتعزيز جهود الوقاية والمكافحة برعاية مشتركة من مركز السيطرة على الأمراض (CDC)والتحالف من أجل مكافحة داء الكلب (ARC) Global Alliance For Rabies Control   في عام 2007، وقد احتفل باليوم العالمي لداء الكلب في البلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وهو ذكرى وفاة العالم لويس باستير مطور اول لقاح مؤثر لداء الكلب هو و زملائه

* اليوم العالمي لداء الكلب هو فرصة ممتازة لاتخاذ الخطوات التي يمكن أن تساعد في منع ومكافحة داء الكلب، مثل تطعيم الحيوانات الأليفة بما فيها الكلاب والقطط وتوفير التعليم حول كيفية تجنب الحيوانات التي تنقل عادة داء الكلب: الراكون، والخفافيش، والظربان، والثعالب . وينبغي أن تكون الاستجابة العالمية لداء الكلب جزأً لا يتجزأ بشكل محكم من الجهود الوطنية الرامية إلى توسيع نطاق مشاركة المجتمع المحلي والقطاع الخاص وتعزيز النظم الصحية للإنسان والحيوان، وذلك بهدف المُضي قُدُماً صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة للجميع. وسوف يكون التقدم العالمي المحرز بشأن مكافحة داء الكلب بمثابة مؤشر تتبعي رئيسي للتقدم المحرز صوب إتاحة الرعاية الصحية على نحو أكثر إنصافاً، وبمثابة مستكشف مبكر للتنفيذ الفعال لخطط العمل الوطنية المعنية بنهج الصحة الواحدة وبفضل تنفيذ الخطة الاستراتيجية العالمية لوضع نهاية للوفيات البشرية الناجمة عن داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030.


دكتور/ أيمن منير إبراهيم كُرّيم

معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية – مصر





زر الذهاب إلى الأعلى