الدكتورة الشيماء أحمد تكتب : التغيرات المناخية و تأثيرها على انتاجية الحيوان
يعتبر تغير المناخ حدث طبيعى يتكرر عبر التاريخ ، حيث يعرف مصطلح التغير المناخى بانه عبارة عن تغيرات في حالات الطقس من درجة حرارة ، رياح و أمطار فى منطقة ما فى فترات زمنية طويله الاجل. ويرجع سببها الرئيسي إلى الثورة الصناعية وزيادة عدد السكان والتطور التكنولوجي وزيادة الطلب على مصادر الطاقة بغض النظر عن الآثار الجانبية .
هناك اسباب مباشرة للتغير المناخى مثل زيادة انبعاث ثاني أكسيد الكربون و التى تؤثر سلبا على وظائف الجهاز المناعى ، التنظيم الحرارى ، التمثيل الغذائى ، الخصوبة بالاضافة الى تأثيرها السلبى على انتاجية الماشية بينما تؤثرالاسباب الغير المباشرة للتغير المناخى على إنتاج الأعلاف ، وتوافر المياه ، وتعدد الآفات و مسببات الأمراض.
للتغير المناخى تأثيرات سلبيه على انتاجية العديد من الحيوانات المنتجة حول العالم ومن ثمة على أقتصاد الثروة الحيوانية حيث يؤثر التغيرالمناخى على معدلات نمو الثروة الحيوانية ، وإنتاج الحليب والبيض ، وخصوبه الحيوانات ،بالاضافة الى انه يؤدى الى ضعف المناعة و من ثمة كثرة تعرض الحيوانات الى العديد من الامراض ، و بالتالى من الممكن ان يؤدى الى كثرة الوفيات مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الانتاجى للثروة الحيوانية حول العالم .
على الصعيد العالمى تلعب منتجات الثروة الحيوانية دورًا مهمًا بالنسبة للإنسان،حيث تعتبر الثروة الحيوانية مصدرا رئيسيًا للغذاء وتعمل على توفير سبل العيش والدخل خصوصا في البلدان النامية بالاضافة الى ذلك يخلق الانتاج الحيوانى فرص عمل كبيرة للأسر الريفية . فضلا عن ذلك توفر الثروة الحيوانية عالميا حوالى 33٪ من الاحتياج البروتينى و 17٪ من كافة السعرات الحرارية المستهلكة .
كما يدر الإنتاج الحيواني ما يقرب من 40٪ من إجمالي الانتاج الزراعي العالمي.و مع تزايد النمو السكانى و التوسع الحضرى ، فإن الطلب على المنتجات الحيوانية يكون بحاجة الى الازدياد السريع حيث أنه من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم من 7.2 إلى 9.6 اى بنسبة 33٪ مليار بحلول نهاية عام 2050. وهذا من شأنه أن يزيد الطلب على المنتجات الزراعية التي من المتوقع أن يتطلب زيادتها بنسبة 70٪.
و لهذا قد بدأت العديد من الجهود المكثفة فى الكثير من القطاعات و خصوصا القطاع الزراعى لزيادة مستويات الإنتاج ، حيث أن المنتجات الحيوانية تلعب دورًا حيويًا في ضمان الأمن الغذائي خاصة مع زيادة الطلب البشري على البروتين الحيواني و لذلك تبنى قطاع الثروة الحيوانية العديد من الاجراءات المكثفة من أجل زيادة مستويات إنتاجه وفي الوقت نفسه ، يواجه الإنتاج الحيواني حول العالم ضغوطًا متزايدة من تأثيرات التغير المناخى مثل ارتفاع درجات الحرارة ، ازياد التغير فى انماط هطول الامطار حيث انه بات من الصعب التنبأ بكميه و وقت هطول الامطار بالاضافة الى زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون .
هذه التغييرات جميعها تؤثرسلبا على أداء الثروة الحيوانية في العديد من المناطق . ويتوقع الباحثون أن يكون لها تأثيرات متزايدة , حيث اصبح من الصعب مواجهة زيادة الطلب المستمرعلى زيادة الانتاج الحيوانى فى ظل التغيرات المناخية المتوالية .و لذلك فلابد تضافر الجهود عالميا على مواجهة هذه التحديات ، و العمل على فهم تأثيرات التغير المناخى على الانتاج الحيوانى .
و من بين المتغيرات المناخية الرئيسية التي تؤثر على الإنتاج الحيواني : درجة حرارة الهواء والرطوبة وسرعة الرياح. و بما أن قطاع الثروة الحيوانية يتمتع بخصوصية فريدة لكونه مساهمًا في تغير المناخ بالاضافة الى تأثره به. علاوة على ذلك ، يعد الإجهاد الحراري من بين جميع العوامل البيئية التى تمثل مصدر قلق كبير لأنه من أكثر العوامل ضررا على الإنتاج الحيواني خاصة في البلدان الاستوائية التي تضم نسبة كبيرة من الثروة الحيوانية في العالم.
أظهر تعرض الحيوانات الى الاجهاد الحرارى الى أثار سلبيه من اهمها التأثير المباشر وذلك من خلال انخفاض تناول العلف و الذى نتج عنه انخفاض كبير في القدرة الإنتاجية للحيوانات ، حيث لوحظ انخفاض كبير في إنتاجية الحيوانات الحلابة من الحليب ، هذا و قد وجد ان تعرض حيوانات التسميـــن للاجهاد الحــــرارى أدى إلى قلة وزن الحيــــوان ومن ثمه انخفاض فـــــــى إنتـــاج اللحوم.
هناك حقيقة و التى لا مفر منها وهي أن الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض كبير في إنتاج الحليب وكذلك مكوناته مثل الدهون واللاكتوز . في دراسة أجريت على تأثير تغيرالمناخ فى قارة أفريقيا (جنوب الصحراء في تنزانيا) ، حيث تم دراسة تأثير الإجهاد الحراري على إنتاج الالبان بين مجموعات من الأبقار الحلابة ، أكدت الدراسة أن الإجهاد الحراري يسبب انخفاضًا في إنتاج الحليب بنسبة من 4.16٪ حتى 14.42٪ .
و بالنسبة لتأثير الاجهاد الحرارى على جودة لحوم الماشية ، فقد وجد أن هناك اختلافات فى تأثير الإجهاد الحراري على خصائص جودة اللحوم بين أنواع الماشية المختلفة و التي يمكن أن يرجع السبب إلى الاختلاف بين الانواع و السلالات المتنوعة فى قدرتها على تحمل الاجهاد الحراري .
هذا و قد لوحظ ان الحيوانات التى تعرضت لضغط حراري حاد قبل الذبح أدى إلى تحفيز تحلل الجليكوجين في العضلات و نتيجة لهذا التأثير ، تكون لحوم هذه الحيوانات باهتة اللون و لينه والذي بدوره يؤدى إلى انخفاض قدرة هذه اللحوم على الاحتفاظ بالماء .
من ناحية أخرى ، لوحظ تعرض الحيوانات إلى الإجهاد الحراري المزمن ينتج عنه لحوم داكنة اللون وثابتة وجافة بالاضافة إلى أن هذه اللحوم تتميزأيضا بارتفاع درجة الحموضة النهائية للحم وارتفاع قدرتها على الاحتفاظ بالماء.
بغض النظر عن نوع الإجهاد الحراري حاد أو مزمن ، فإن تأثيره على الحيوانات يؤثر سلبًا على جودة اللحوم ، مما يقلل من مدة صلاحيتها وسلامتها و عدم تفضيلها من المستهلكين .
تأثير التغيرات المناخية على نواقل الامراض
يؤدى التغير المناخى المستمر من الكوارث الطبيعية مثل السيول و الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتكرار هذه الاحداث المناخية يؤثر على الاستجابة الفسيولوجية والمناعية للحيوانات والذى بدوره يسهل انتشار الامراض و الاوبئة و من أمثلة هذه الامراض حمى الوادى المتصدع فى افريقيا وهو فيروس يصيب الحيوانات و يصيب الانسان وتنقله الباعوض و مرض اللسان الازرق فى الاغنام فى اوروبا و بريطانيا عن طريق حشرة القراد التى تحمل الفيروس .
في ظل التغيرات المناخية ، يجب أن يشكل تحسين الصحة الحيوانية جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة. لذلك ، يجب وضع الاستراتيجيات المحددة و التى تضمن الاستثمار الامثل و المستدام للانتاج الحيوانى و ذلك من قبل صانعي السياسات بهدف تقليل أثار التغيرات المناخية على مزارع الانتاج الحيوانى .هذا و قد كان لمصر دور ريادى فى الحد من التغيرات المناخية و ذلك بدعوة دول العالم للمشاركة فى فاعليات مؤتمر قمه المناخ Cop27 بشرم الشيخ لمحاولة تقليل أثار التغير المناخى و ايجاد حلول فعالة للحد منه.
بعض التوصيات لتحقيق الانتاج الحيوانى المستدام فى ظل التغيرات المناخية:
- التقييم المستمر لاثار التغييرات المناخية مع وضع استراتيجيه عمل منهجية و واقعية لمواجهة الزيادة المتوقعة فى متوسط درجة حرارة الارض.
- العمل على وضع خطط منهجية للتنبؤ بأى جديد فى التغييرات المناخية و ذلك للحد من أثارها السلبية على الانتاج الحيوانى .
- – تشجيع البحث العلمى للوصول إلى حلول ايجابية فعالة للتصدى لاى تغيرات مناخية مستقبليه.
- زيادة التوعية الارشادية للمربين والمزارعين بخطر التغير المناخى.
- العمل على توعية المربين بأهمية توفير حظائر للحيوانات ذات مواصفات صحية تسمح بتوفير حركة هواء مستمرة لحماية الحيوانات من الاجهاد الحرارى.
- استنباط سلالات جديدة من المواشى و المجترات الصغيرة تتمتع بقدرة عاليه على تحمل الارتفاع فى درجات الحرارة .
- العمل على زيادة كفاءة الأعلاف لتحسين عمليات الهضم و التمثيل الغذائي في المجترات.
- – توفير مصدر نظيف و دائم من المياه أمام الحيوانات لتقليل الاجهاد الحرارى.
- توفير علائق متزنة فى كافة عناصرها الغذائية خصوصا فيتامين ج و ذلك للتخفيف من الاجهاد الحرارى.
- العمل على ايجاد اضافات تعمل على تقليل الانبعاثات الغازية من المواشى أو تحويلها لصورة غير غازية .
- تفعيل التوصيات التى قدمها مؤتمر قمه المناخ Cop27فى شرم الشيخ للحد من أثار التغييرات المناخية.
المراجع
Devapriya A, Sejian V, Ruban W, Devaraj C, Spandan PV, Silpa MV, Nair MR, Nameer PO, Bhatta R (2021) Analysis of carcass traits and quantitative expression patterns of different meat quality governing genes during heat stress exposure in indigenous goats. Food Chem Mol Sci 3: 100052.
Gonzalez-Rivas PA, Chauhan SS, Ha M, Fegan N, Dunshea FR, Warner RD (2020) Effects of heat stress on animal physiology, metabolism, and meat quality: a review. Meat Sci 162:108025
Rahimi J, Mutua JY, Notenbaert AM, Marshall K, Butterbach-Bahl K (2021) Heat stress will detrimentally impact future livestock production in East Africa. Nature Food 2(2):88–96.
Independent
د. الشيماء احمد محمد
باحث بكتريولوجى بمعهد بحوث الصحة الحيوانية – المعمل الفرعى بالإسكندرية – مركز البحوث الزراعية – مصر