الدكتور إبراهيم درويش يكتب : عدلٌ فيَّ قضاؤك.. ( نفحات الجمعة)
عندما يصل الإنسان إلى قناعة تامه ..بأن كل ما يجري في هذه الحياة من أحداث وأقدار، وخير وشر، وسراء وضراء، إنما تحدث بتقدير الله وإرادته ابتلاء منه لعباده وحكمة هو يعلمها، فلا يجزع الإنسان حينها ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر
والمؤمن حقا قلبه مليئ بالرضا عن حاله لانه يحسن الظن بربه ..فهو سبحانه لايقضى له . إلا بالخير ……
وقول الإنسان : “عدلٌ فيَّ قضاؤك”. هو إقرارٌ من العبد بأن “جميع أقضيته سبحانه وتعالى عليه، من كل الوجوه: من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وتجاوز، وغير ذلك عدلٌ لا جور فيه، ولا ظلم بأي وجهٍ من الوجوه. يقول تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
واحذر أن تنحرف عن الطريق ..لخسارة موقف …أو خذلان صديق …أو نكران جميل .من اخ او زميل أو رفيق …
وإياك أن تهزمك الهموم ..وجبال المعاناه .أو تثبط عزيمتك المصائب أو الأحداث أو المواقف العصيبة التى تمر بها .ولاتجد ممن تتعشم فيه السند و المواساه
أو تحبطك تصرفات الصغار ..أو الاشرار……
نحن لسنا فى المدينة الفاضلة ….نحن فى دنيا الأغيار والاختبار .والابتلاءات تحكمها الأهواء .. لكن المؤكد أن للدنيا اله حى قيوم عدل مطلع وشاهد على أفعال العباد .. يعلم خائنة الأعين وماتخفى الصدور ..
ولايحدث ولن يحدث فى ملكه شئ إلا بقضائه وقدره يقول تعالى
﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾
فتحصن دائما بالإيمان .. وتوكل دائما على الواحد الديان ..وتمسك بالصبر ..
مهما كانت المغريات ..اثبت على الحق ..والتزم جانب الخير ..
وإياك والهزيمة النفسية والمعنوية، فإنها أصل كل هزيمة واندحار وفشل وسقوط وهي سبب للهم والحزن والمرض ..
ولا تنسى الدعم النفسى والمعنوى من قبل الحق سبحانه فى قوله تعالى
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ اْلأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ)
فالإيمان بالله وتوحيده وتعظيمه والرضا به واللجوء إليه فيه السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
قيل ليحيى بن معاذ: “متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟، فقال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه ويقول: إن أعطيتني قبلتُ، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت”..
وإياك و السخط فإنه يفتح للعبد باب الشك في الله – والعياذ بالله -. وهو سبب الزيغ والانتكاس، بخلاف الرضا فإنه وقاية من ذلك، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
ولنا فى قصة يوسف -عليه السلام- العبرة فالحاسدون ألقوه في الجبّ، والسماسرة باعوه بثمن بخس، والعاشقون ألقوه في السجن، والعقلاء جعلوه وزير المالية، وأصحاب المصالح خططوا له وعليه، والمحتاجون رفعوه على العرش.. فما القصر علامة الحب، ولاالسجن علامة الكره، ولا الملك علامة الرضا، إنما ألأمر كله لله.. يقول تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) ويقول تعالى أيضا : (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) ..
الآجال والأرزاق، والحياة والموت، والسعادة والشقاء، والنفع والضر من أقدار الله، ولا تحدث إلا بإرادته سبحانه، ولا يستطيع أن يتدخل فيها أحد من البشر مهما كان علمه وقوته، ومهما بلغ مكره وحرصه، ومهما بلغ ماله ومنصبه إلا بإرادته سبحانه الذي بيَّن ذلك في كتابه ووضَّح طرق الخير من الشر والسعادة من الشقاء والحق من الباطل، وابتلى العباد ليغفر ذنوبهم ويرفع درجاتهم..
فلا تخف ولا تقلق، ولا تضعف ولا تبيع دينك وقيمك ومبادئك وأخلاقك، ولا تخش من فوات رزق أو حلول أجل، فالمدبر لكل ذلك حكيمٌ وعليمٌ، وما عليك إلا أن تبذل الأسباب الشرعية، وتحافظ على الفرائض، وتلتزم التوجيهات الربانية، وتصبر على أمر الله، وتدفع قدر الله بقدر الله بالتوحيد الخالص، والعبادة الصحيحة والدعاء، وبذل المعروف، وترك المحرمات، واجتناب المنهيات وحسن الظن بالله والتوكل عليه
وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يكثر من الدعاء “اللهم رضِّني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أُحب تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجّلته”..
عند ما تسلم الأمر وترضى بالقضاء ( عدل فى قضاؤك ) سيأتيك الفرج، وسترفع درجتك، وتكثر حسناتك، وتطيب نفسك حتى في أحلك الظروف وأصعبها، كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول مبيناً هذه الحقيقة:
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ *** وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لِحَادِثة الليالي *** فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي *** وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ *** ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا *** فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ
وأرضُ الله واسعة ولكن *** إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ.
فاللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، ومن كل بلاء عافية…
اللهم صل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.
بقلم. ا.د / ابراهيم درويش
جمعتكم طيبة مباركة